س261: ما معنى قول السيد المسيح: "إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ" (مت 5: 20)؟
ج: 1ــ ظن اليهود أن الكتبة والفريسيين قد بلغوا درجة الكمال والصلاح، حتى أنهم قالوا إن كان الذين سيدخلون للسماء اثنين فقط، فلابد أن يكون أحدهما على الأقل فريسيًا. فلم يفكروا في بلوغ هذه الدرجة، ولذلك جاء قول السيد المسيح: "إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ" صادمًا لهم، إذ كيف يصل برهم وكمالهم وصلاحهم لبر هؤلاء بل يفوقونهم في هذا؟ عندما ينفذون وصايا المسيح، فإن برهم سيفوق بر الكتبة والفريسيون الذين عاشوا بحسب مذهبهم الأضيق كقول بولس الرسول قبل إيمانه بالمسيح: "أَنِّي حَسَبَ مَذْهَبِ عِبَادَتِنَا الأَضْيَقِ عِشْتُ فَرِّيسِيًّا" (أع 26: 5)، فبقدر سمو وصايا العهد الجديد يسمو الإنسان عن هؤلاء الذين عاشوا في ظلال الناموس، وكما ارتقى السيد المسيح بوصايا الناموس إلى مرحلة الكمال يليق بأبناء الملكوت أن يزداد برهم عن بر الكتبة والفريسيين: "فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ" (مت 5: 48).
2ــ انشغل الكتبة والفريسيون بتقليدات وتعاليم الشيوخ الكثيرة والمتشعبة والمعقدة، وانصرفوا عن روح الشريعة، فجاء السيد المسيح وأعاد للشريعة روحها وهدفها الأصيل، ويقول "الخوري بولس الفغالي": "لا يلغي يسوع الشريعة القديمة. هل يسمح لنا أن نقتل، أن نزني؟ لا... هو لا يلغيها، بل يعمقها، وهو يوجهها إلى الأشخاص. نحن لا نقتل لأننا نحترم حياة القريب، أم لأننا نخاف الشريعة وبالتالي العقاب؟ نحن لا نزني احترامًا للمرأة (أو للرجل)، أم لأن هذا تحرّمه الشريعة وقد يتبعه عقاب؟ (بل لابد أن يتبعه عقاب). وإعتاد الناس أن يحلفوا النهار كله لأنهم يفضّلون الثقة بالقسَم على الثقة ببعضهم البعض. ما يؤكده يسوع هو احترام الشخص قبل احترام القاعدة. في عين الإيمان، كل وجه هو أكثر من وصية، إنه وجه يسوع. كيف نتعامل مع هذا الوجه؟" (580).
3ــ لقد تفاخر الكتبة والفريسيون ببر أنفسهم من خلال الصدقات والصلوات والأصوام، فلم يدركوا بر المسيح، فسبقتهم الأمم للملكوت: "إِنَّ الأُمَمَ الَّذِينَ لَمْ يَسْعَوْا فِي أَثَرِ الْبِرِّ أَدْرَكُوا الْبِرَّ. الْبِرَّ الَّذِي بِالإِيمَانِ. وَلكِنَّ إِسْرَائِيلَ وَهُوَ يَسْعَى فِي أَثَرِ نَامُوسِ الْبِرِّ لَمْ يُدْرِكْ نَامُوسَ الْبِرِّ. لِمَاذَا. لأَنَّهُ فَعَلَ ذلِكَ لَيْسَ بِالإِيمَانِ بَلْ كَأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوس" (رو 9: 30 - 32).. " لأَنَّهُمْ إِذْ كَانُوا يَجْهَلُونَ بِرَّ اللهِ وَيَطْلُبُونَ أَنْ يُثْبِتُوا بِرَّ أَنْفُسِهِمْ لَمْ يُخْضَعُوا لِبِرِّ الله" (رو 10: 3). ويقول "الأب متى المسكين": "وأخيرًا نجئ إلى الآية (مت 5: 20) حاملة مفتاح سر البر اللازم لدخول ملكوت اللَّه، وهنا يحدّد المسيح تحديدًا أن بر الكتبة والفرّيسيين القائم على المعرفة والعمل بالناموس يستحيل أن يدخل به إنسان إلى ملكوت اللَّه، وأن المسيح جاء ليستعلن بر اللَّه بدون الناموس بموت المسيح وقيامته وتجديد الطبيعة البشرية لنوال موت الصليب بالدم لدخول ملكوت اللَّه" (581).
_____
(580) من القراءة إلى التأمل مع القديس متى ص48.
(581) الإنجيل بحسب القديس متى ص238، 239.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/261.html
تقصير الرابط:
tak.la/qp4f224