س238: هل خدمة السيد المسيح في الجليل جاءت بعد التجربة مباشرة؟ ولماذا انصرف يسوع إلى الجليل بعد سجن يوحنا (مت 4: 12)؟ هل خاف وارتعب من هيرودس؟ وهل ترك الناصرة في الجليل وسكن في كفر ناحوم (مت 4: 12، 13) أم أنه جاء إلى الناصرة واستقر فيها (لو 4: 14 - 16)؟ ولماذا كرَّر متى الإنجيلي خبر سجن يوحنا وانصراف يسوع للجليل مرة ثانية في (مت 14: 13)؟
يقول "علاء أبو بكر": "س416: إلى أين ذهب يسوع بعد أن أُسلم يوحنا؟ وهل كان في ناصرة الجليل وتركها إلى كفر ناحوم كما يقول (مت 4: 12، 13)، أم جاء إلى الناصرة كما يقول (لو 4: 14 - 16)؟.." (482) (راجع أيضًا البهريز جـ 2 س177 ص155، والبهريز جـ 4 س169 ص131، 132).
ج: 1ــ بعد أن عمَّد يوحنا المعمدان السيد المسيح، واقتاده الروح القدس ليُجرَّب من إبليس أربعين يومًا، بدأ يسوع كرازته في اليهودية، وكان يوحنا المعمدان يكرز أيضًا ويعمد، وقد وجه الأنظار للرب يسوع، ولم تذكر الأناجيل الأزائية الثلاث متى ومرقس ولوقا خدمة يسوع في اليهودية، بل تحدثت مباشرة عن خدمته في الجليل (مت 4: 12، مر 1: 14، لو 4: 14)، أما القديس يوحنا فقد تطرق لخدمة السيد المسيح في اليهودية خلال الإصحاحات الأربع الأولى من إنجيله، فذكر شهادة يوحنا المعمدان للمسيح على أنه "حَمَلُ اللَّه" (يو 1: 29)، وهو " ابْنُ اللَّه" (يو 1: 34)، وذكر صعوده في الهيكل في عيد الفصح وتطهيره الهيكل في المرة الأولى (يو 2: 13 - 17)، ولقاءه مع نيقوديموس (يو 3: 11 - 21)، ولقاءه مع المرأة السامرية (يو 4: 4 ــ 29)، فتستطيع أن تقول أنه بحسب الترتيب الزمني يوضع ما جاء في (يو 1: 29 - 4: 42) ما بين التجربة على الجبل (مت 4: 11)، وبداية خدمته في الجليل (مت 4: 12).
2ــ بعد أن قبض هيرودس على يوحنا المعمدان وأودعه السجن ترك السيد المسيح اليهودية وذهب للجليل ليخدم فيها كما خدم في اليهودية، ولاسيما أن الكثافة السكانية في الجليل أكثر من اليهودية، فالمنطقة الخصبة متسعة أكثر في الجليل، وبالرغم من إندفاع أهل الجليل إلاَّ أن هناك نسبة كبيرة منهم تتمتع بالانفتاح الذهني وقبول الأفكار الجديدة، فهم ليسوا منغلقين مثل سكان اليهودية، والنعرة اليهودية أقل حدة، وكانت منطقة الجليل من نصيب أسباط أشير ونفتالي وزبولون، ولم ينجح هؤلاء الأسباط في إمتلاك الأرض بالكامل، بل تركوا الأمم يعيشون بينهم، وتأثروا بعبادات الأمم. وهكذا بدأ يسوع خدمة جليلة في الجليل، تلك المنطقة التي كانت مهيأة لقبول البشارة الجديدة أكثر من أي بقعة أخرى في فلسطين سواء اليهودية أو السامرة.
ولم يترك السيد المسيح اليهودية خوفًا وخشية وهربًا من هيرودس، فعندما قال البعض للسيد المسيح أخرج من ههنا لأن هيرودس مزمع أن يقتلك، قال لهم: " امْضُوا وَقُولُوا لِهذَا الثَّعْلَبِ هَا أَنَا أُخْرِجُ شَيَاطِينَ وَأَشْفِي الْيَوْمَ وَغَدًا وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أُكَمَّلُ" (لو 13: 32)، وعندما وقف الرب يسوع أمام هيرودس الملك يُحاكَم كان هيرودس يشتاق أن يسمعه ويرى معجزة من معجزاته التي سمع عنها، أما يسوع فلم يجبه بشيء، ولم ينجح هيرودس بكل سلطته وصولجانه أن يخرج يسوع عن صمته، فكان وهو أسير أقوى من الملك، فكيف يقول البعض أنه خاف وأرتعب من هيرودس؟!!
3ــ لا يوجد أي تعارض بين إنجيلي متى ولوقا من جهة مجيء السيد المسيح للناصرة وسكناه في كفر ناحوم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فقال القديس لوقا: " وَرَجَعَ يَسُوعُ بِقُوَّةِ الرُّوحِ إِلَى الْجَلِيلِ... وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِه" (لو 4: 14 - 16)، فهو ذكر وصول المسيح إلى الناصرة، أما القديس متى فذكر ما حدث بعد هذا، إذ ترك يسوع الناصرة أيضًا وذهب إلى كفرناحوم: " وَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ أَنَّ يُوحَنَّا أُسْلِمَ انْصَرَفَ إِلَى الْجَلِيلِ. وَتَرَكَ النَّاصِرَةَ وَأَتَى فَسَكَنَ فِي كَفْرَنَاحُومَ" (مت 4: 12، 13). فلو أن القديس متى قال أنه لم يأتِ للناصرة لوقع التناقض بينه وبين إنجيل لوقا، ولو أن القديس لوقا أوضح بأن المسيح لم يترك الناصرة إلى كفرناحوم لوقع التناقض بينه وبين إنجيل متى، ولكن لم يحدث هذا، ولا ذاك، ثم أن القديس لوقا أوضح في نفس الأصحاح رفض أهل الناصرة لكرازة يسوع، حتى أنهم: " قَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةَ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَل" (لو 4: 29). أما هو فقد جاز في وسطهم وانحدر إلى كفرناحوم (لو 4: 30، 31)، فهوذا القديس لوقا يؤكد قول القديس متى بأنه ترك الناصرة وذهب إلى كفرناحوم:
أ - لأن شعب الناصرة رفضوا كرازته وقاوموه حتى أنهم أرادوا أن يطرحوه من على الجبل.
ب - لتصل بشارة الملكوت إلى عدد أكبر، فترك تلك القرية الصغيرة إلى مدينة كفرناحوم لتصل الكرازة لليهود والأمم من الوطنيين سكان المدينة، وأيضًا من العابرين بالمدينة من تجار وغيرهم.
جـ - تتميمًا للنبؤات، فبسكنى يسوع في كفرناحوم تحققت نبوءة إشعياء النبي (إش 9: 1، 2).
وعندما سكن السيد المسيح كفرناحوم نسبت المدينة إليه: " فَدَخَلَ السَّفِينَةَ وَاجْتَازَ وَجَاءَ إِلَى مَدِينَتِه" (مت 9: 1).
4ــ ذكر القديس متى خبر سجن يوحنا المعمدان، وانصراف يسوع للجليل كخبر عابر: " وَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ أَنَّ يُوحَنَّا أُسْلِمَ انْصَرَفَ إِلَى الْجَلِيلِ. وَتَرَكَ النَّاصِرَةَ وَأَتَى فَسَكَنَ فِي كَفْرَنَاحُومَ" (مت 4: 12، 13)، وبعد عشرة إصحاحات عندما بدأ القديس متى يحكي قصة سجن يوحنا واحتفال هيرودس بعيد ميلاده، ورقصت ابنة هيروديا التي سرت قلبه، وعرض عليها أن تطلب إلى نصف المملكة، فاستشارت أمها فكان هناك ما هو أثمن وأعظم من نصف مملكة هيرودس، وهو رأس يوحنا المعمدان، وبذلك استشهد المعمدان. لذلك أعاد القديس متى نفس الخبر مع ذكر التفاصيل: " فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ انْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ فِي سَفِينَةٍ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ مُنْفَرِدًا" (مت 14: 13)، فسبب التكرار أن القديس متى ذكر في المرة الأولى سجن يوحنا وانصراف يسوع إلى الجليل كخبر عابر، وفي المرة الثانية ذكر الموضوع بشيء من التفصيل (راجع الأب متى المسكين - الإنجيل بحسب القديس متى ص194، 195).
_____
(482) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 2 ص405.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/238.html
تقصير الرابط:
tak.la/c7jaqrs