س226: كيف يقول متى الإنجيلي أن يوحنا المعمدان سمع صوت الآب (مت 3: 17) وكذلك بطرس ويعقوب ويوحنا على جبل التجلي (مت 17: 5)، بينما في موضع آخر يقول السيد المسيح أنهم لم يسمعوا صوت الله قط ولا أبصروا هيئته (يو 5: 37)؟ وهل اعتمد يسوع من يوحنا لينال الدعم الأدبي، ولهذا أخذ يتجوَّل بعد المعمودية في الجليل داعيًا الناس للاعتراف به على أنه المسيح؟
يقول "علاء أبو بكر": " س369: يقول متى أنه عند تعميد يسوع انفتحت السماء، وأتت روح اللَّه كحمامة وتكلمت وسمعها الناس ويوحنا المعمدان أيضًا: ".. هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (مت 3: 16، 17)، ويقول أيضًا: ".. هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا" (مت 17: 5).. إلاَّ أن يوحنا، شاهد العيان، ينفي وقوع هذه التمثيليات، ويؤكد أنه لم يسمع أحد قط صوت اللَّه قائلًا: " وَالآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي. لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ قَطُّ وَلاَ أَبْصَرْتُمْ هَيْئَتَهُ" (يو 5: 32) فوحي من نُصدق إذًا؟" (417)
ويقول "كمال الصليبي" إن يسوع: " قصد يوحنا " عبر الأردن "وتعمَّد على يديه، ربما آملًا أن ينال منه الدعم... وبعد ذلك بدأ يتجوَّل مع أصحابه في البلاد، مبتدءًا بالجليل، داعيًا الناس للاعتراف بكونه "المسيح" من بيت داود الذي كانوا ينتظرونه، وصاحب الحق الشرعي في المُلك على إسرائيل، وبدأت الجموع من أنصار بيت داود المحليين تلحق به، فتعاظم شأنه" (418).
ج: 1ــ ينبغي أن ننتبه للأخطاء التي احتواها سؤال "علاء أبو بكر":
أ - يتحدث عن الروح القدس بصيغة المؤنث (أتت - تكلمت - سمعها) وقلنا مرارًا وتكرارًا أن الروح القدس أقنوم إلهي، يأتي الحديث عنه في صيغة المذكَّر كما علمنا الإنجيل: " فَرَأَى رُوحَ اللَّه نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْه" (مت 3: 16).. " وَالرُّوحَ مِثْلَ حَمَامَةٍ نَازِلًا عَلَيْه" (مر 1: 10).. " وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ" (لو 3: 22).
ب - يقول الروح القدس تكلمت وسمعها الناس، مع أن الروح القدس لم يتكلم ولم يسمعه أحد في المعمودية ولا في التجلي، بينما في مواقف أخرى سمعنا صوت الروح القدس: " فَقَالَ الرُّوحُ لِفِيلُبُّسَ تَقَدَّمْ وَرَافِقْ هذِهِ الْمَرْكَبَةَ" (أع 8: 29).. " وَبَيْنَمَا بُطْرُسُ مُتَفَكِّرٌ فِي الرُّؤْيَا قَالَ لَهُ الرُّوحُ.." (أع 10: 19).. " قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْه" (أع 13: 2).
جـ - يقول أن يوحنا الإنجيلي نفى وقوع هذه التمثيليات، ونسب ما قاله السيد المسيح ليوحنا، والحقيقة أن المسيح هو الذي قال: " وَالآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي. لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ قَطُّ وَلاَ أَبْصَرْتُمْ هَيْئَتَه" (يو 5: 37) في معرض حديثه عن يوحنا المعمدان، وإن كان يوحنا الإنجيلي هو الذي سجل هذا، لكن الكلام ينسحب ويُنسب لقائله.
2ــ المقصود بقول السيد المسيح عن اللَّه الآب: " لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ قَطُّ وَلاَ أَبْصَرْتُمْ هَيْئَتَه" في العهد القديم، فعندما حلَّ اللَّه على الجبل ورأى الشعب الرعود والبروق والسحاب الثقيل وضرب البوق الشديد إرتعدوا: " وَقَالُوا لِمُوسَى تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا فَنَسْمَعَ. وَلاَ يَتَكَلَّمْ مَعَنَا اللهُ لِئَلاَّ نَمُوتَ" (خر 20: 19) ثم يقول موسى لشعبه: " فَكَلَّمَكُمُ الرَّبُّ مِنْ وَسَطِ النَّارِ وَأَنْتُمْ سَامِعُونَ صَوْتَ كَلاَمٍ وَلكِنْ لَمْ تَرَوْا صُورَةً بَلْ صَوْتًا" (تث 4: 12)، ومازال في العهد الجديد لم يرى أحد اللَّه الآب، وهذا ما أوضحه يوحنا الحبيب: " اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يو 1: 18).. " اَللهُ لَمْ يَنْظُرْهُ أَحَدٌ قَطُّ" (1 يو 4: 12)، وقال بولس الرسول: " وَمَلِكُ الدُّهُورِ الَّذِي لاَ يَفْنَـى وَلاَ يُرَى" (1 تي 1: 17)، وقد سجلت الأناجيل ثلاث مواقف سُمِع فيها صوت الآب، في المعمودية (مت 3: 17)، وفي التجلي (مت 17: 15) وعندما خاطبه الابن (يو 12: 28).
والكلمة اليونانية التي تُرجمت هنا إلى " تَسْمَعُوا" في عبارة " لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَهُ" تحتمل أيضًا الإصغاء، أي لم تصغوا إلى صوته، وهذا ما أخذت به الترجمة اليسوعية: " أنتم لم تصغوا إلى صوته قط ولا رأيتم وجهه" (يو 5: 37)، أي لم تصغوا لصوته لتفهموا وتعملوا بوصاياه، وهذا المعنى واضح في آيات أخرى مثل:
† " فَكَلَّمْتُكُمْ وَلَمْ تَسْمَعُوا بَلْ عَصَيْتُمْ قَوْلَ الرَّبِّ وَطَغَيْتُمْ" (تث 1: 43).
† " وَقُلْتُ لَكُمْ أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ. لاَ تَخَافُوا آلِهَةَ الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ أَنْتُمْ سَاكِنُونَ أَرْضَهُمْ. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي" (قض 6: 10).
† " وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا صَوْتَ الرَّبِّ بَلْ عَصَيْتُمْ قَوْلَ الرَّبِّ تَكُنْ يَدُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ" (1 صم 12: 15).
† " فَقَالَ الرَّبُّ عَلَى تَرْكِهِمْ شَرِيعَتِي الَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَهُمْ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِي وَلَمْ يَسْلُكُوا بِهَا" (إر 9: 13).
† " فَجَلَبَ الرَّبُّ وَفَعَلَ كَمَا تَكَلَّمَ لأَنَّكُمْ قَدْ أَخْطَأْتُمْ إِلَى الرَّبِّ وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِه" (إر 40: 3).
( راجع أيضًا خر 6: 9، 16: 20، لا 26: 14، 21، عد 14: 22، تث 8: 20، 9: 23، 11: 28، يش 5: 6، قض 2: 17، 20، 2مل 18: 12، نح 9: 16، مز 106: 25، إش 64: 4)، فالأمر لا يتعلق بسماع صوت الآب أو عدم سماعه، ولكن يتعلق بالإصغاء والاستجابة والإيمان والطاعة، وقد أكد السيد المسيح هذا المعنى في الآيتين التاليتين للآية محل الحوار: " وَلَيْسَتْ لَكُمْ كَلِمَتُهُ ثَابِتَةً فِيكُمْ... فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي. وَلاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ" (يو 5: 38، 40).
3ــ مَنْ ينال الدعم مِنْ مَنْ؟ هل يوحنا من المسيح أم المسيح من يوحنا؟.. إن كان يوحنا قد تصاغر جدًا جدًا كعبد أمام سيده وربه فكيف يهب العبد الدعم لسيده؟.. ألم يقل يوحنا إني لست مستحقًا أن أحمل حذاءه أو أحلَّ سيور حذائه، فكيف يهبه الدعم؟!!.. ألم يقل ينبغي أن ذلك يزيد وإني أنا أنقص، فكيف يهبه الدعم؟.. لقد نال يوحنا الشرف العظيم عندما وضع يده على رأس سيده وعمده، فاستحق أن يُدعى بالمعمدان، وبالسابق الصابغ.
4ــ هل السيد المسيح كان يدعو الناس للاعتراف به؟.. واضح أن الناقد لم يقرأ الإنجيل ولم يعيه، لأنه لو قرأ الإنجيل لأدرك جيدًا أن السيد المسيح طالما أخفى مجده، وطالما أوصى الذين صنع المعجزات معهم أن لا يخبروا أحدًا، فقال للأبرص: " انْظُرْ أَنْ لاَ تَقُولَ لأَحَدٍ. بَلِ اذْهَبْ أَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ وَقَدِّمِ الْقُرْبَانَ.." (مت 8: 4)، وعندما شفى الأعميين: " فَانْتَهَرَهُمَا يَسُوعُ قَائِلًا انْظُرَا لاَ يَعْلَمْ أَحَدٌ" (مت 9: 30).. " وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ جَمِيعًا. وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يُظْهِرُوهُ" (مت 12: 15، 16)، وعقب التجلي: " أَوْصَاهُمْ يَسُوعُ قَائِلًا لاَ تُعْلِمُوا أَحَدًا بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ الأَمْوَاتِ" (مت 17: 9)، وأكثر من مرة حاولوا أن ينصّبوه ملكًا فرفض وتركهم ومضى.
_____
(417) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 2 ص376.
(418) البحث عن يسوع - قراءة جديدة في الأناجيل ص 63.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/226.html
تقصير الرابط:
tak.la/q435gx7