س222: هل قال يوحنا المعمدان: " الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ" (مت 3: 11) أم أنه قال: " الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِـهِ" (لو 3: 16)؟ هل " أَحْمِلَ " أم " أَحُلَّ " وواضح أن هذا غير ذلك؟ والثانية مثلها ماذا قال الآب؟ هل قال ما جاء في (مت 3: 17)، أم ما جاء في (مر 1: 11)، أم ما جاء في (لو 3: 22)؟ وهل كان يوحنا المعمدان أفضل وأعظم وأقوى من المسيح؟ ومن أقوى من يوحنا المعمدان المسيح أم محمد؟ وهل قوله: " الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأ" (مت 3: 12) نبوءة تخص رسول الإسلام؟
يقول "علاء أبو بكر": " س160: ماذا قالت الحمامة؟ ".. هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (مت 3: 17). ".. أنت ابني الحبيب الذي به سررت" (1: 11). ".. أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ بِكَ سُرِرْتُ" (لو 3: 22). فهل قالت (هذا هو ابني) أم قالت (أنت ابني)؟ وهل قالت "الذي به سررت" أم قالت "بك سررت"؟ أي هل تكلمت بصيغة الغائب أم بصيغة المخاطب؟" (397) (راجع أيضًا س162 البهريز جـ2 ص152).
وأيضًا يقول "علاء أبو بكر": " س187: هل ممكن أن يكون النبي أعظم من إلهه؟ باعتراف كتابكم فأن يوحنا المعمدان أفضل من عيسى عليه السلام، فهو الذي عمد عيسى عليه السلام وباركه، وحلَّ به الروح القدس من بطن أمه (لو 1: 15) بينما نزل الروح القدس على عيسى عليه السلام بعد تعميده. أي بعد أن بلغ ثلاثين سنة" (398).
كما يقول "علاء أبو بكر": " س16... ولم يكن عيسى عليه السلام بأي حال من الأحوال أقوى من المعمدان، فإذا كان المعمدان قد قُطعت رأسه، فإن يسوع الإنجيلي كان يهرب من الجنود ويخافهم، وفي النهاية قبضوا عليه وأهانوه... ثم أعدموه صلبًا. فأين العظمة هنا؟ وأين القوة التي ترونها في هذه الإهانة؟ ومن الذي كان أقوى من المعمدان وجاء بعده: هل هو عيسى أم محمد عليهم الصلاة والسلام؟.. ولكن الأقوى هو المسيا خاتم رسل اللَّه عليه الصلاة والسلام الذي حارب الكُفر والكُفار، وجعل كلمة اللَّه العليا، وكلمة الذين كفروا هيَ السفلى، وهو الوحيد الذي ينطبق عليه وصف لوقا ومتى: " الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ وَيَجْمَعُ الْقَمْحَ إِلَى مَخْزَنِهِ وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَـارٍ لاَ تُطْفَأُ" (لو 3: 17، مت 3: 12). ولكن الأقوى هو الذي فتح مكة معقل عبادة الأوثان في الجزيرة العربية، وكسَّر أصنامها وطهرها من عبادة الأوثان، وعفا عن أهلها بعد أن حاربوه 13 عام وأخرجوه من بلده مهاجرًا إلى المدينة... ولماذا لم يحمل (المسيح) المذرى بيديه لينقي بيدره، فيجمع القمح (المؤمنين) إلى مخزنه، ويحرق التبن (الكافرين) بنار لا تُطفأ؟" (399).
ج: 1ــ سواء حمل إنسان حذاء سيده أو حلَّه، فهذا عمل العبد المبتاع حديثًا، وهيَ أحقر الخدمات التي يقوم بها العبد الحديث ليُظهِر طاعته وولاءه لسيده، فهنا يُعلن يوحنا المعمدان عبوديته للسيد المسيح وولاءه له، حتى أنه يعتبر حمل أو حل حذاءه شرف لا يستحقه... وما المانع أن يكون يوحنا المعمدان قال تارة: " لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ "، وتارة أخرى " أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ "، فهو يشعر في قرارة نفسه أنه لا يستحق لا أن يحلَّ سيور حذائه، ولا أن يحمل هذا الحذاء، وهذه عبارات قصيرة مُعبّرة جدًا، فمن جانب تُظهِر مدى عظمة السيد المسيح، ومن جانب آخر تُظهِر مدى اتضاع يوحنا المعمدان.
ومن قال أن الروح القدس تكلم وقت العماد أو سمع أحد صوته؟ عندما يأتي الصوت واضحًا: " أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ "، فهل المتحدث هو الآب أم الروح القدس؟!.. أليست هذه مغالطة مشوبة بالسخرية عندما يقول: " ماذا قالت الحمامة؟ ".. ما يهمنا أن الصوت هو صوت الآب السماوي، ونحن ندرك تمامًا أن الوحي في المسيحية ليس وحيًّا لفظيًا، فيمكن تدوين العبارة بأكثر من صيغة وهيَ تحمل نفس المعنى، وهذا ما سجله الأنجيليون الثلاث، وإن اختلفوا في استخدام بعض الألفاظ لكن المعنى المفهوم واحد، ويقول "الدكتور وليم إدي": " وقيل في مرقس ولوقا " أَنْتَ ابْنِي "، فجعل البعض هذا الاختلاف موضوع اعتراض على صحة قول البشيرين، ولكن تفاوت كيفية التعبير عن حادثة ما لا ينفي صدق الشهود، لأنه قد يمكن أن الواحد يذكر نبأ الحادثة بلفظها وآخرون يذكرونه بمعناه كما يحدث كثيراُ في تأدية الشهادات"(400).
ويقول "الدكتور القس منيس عبد النور": " لا يجرؤ أحد على القول أن جوهر العبارتين مختلف، لأن المعنى المقصود فيهما واحد. على أننا لا نُنكر وجود اختلاف في الأسلوب، فبحسب الوارد في مرقس الكلام موجَّه إلى المسيح. ولكن بحسب الوارد في متى العبارة مقولة عنه، ويترجَّح عندنا أن مرقس أورد نص كلام الآب كما هو. أما متى فقد جاء بخلاصته. وللإيضاح نضرب مثلًا: فلنتصوَّر عددًا من الناخبين أجمعوا على انتخاب ممثل لهم فدوَّن أحدهم محضر الجلسة: " أجمع الناخبون على انتخاب فلان وصاحوا مشيرين إليه: أنت هو الرجل الجدير بالثقة ". وجاء آخر بخلاصة المحضر نفسه، فقال: " جاز فلان ثقة جميع الناخبين، وقالوا عنه: هذا هو الرجل الجدير بالثقة ". فهل يمكن في حال كهذه إتهام التقريرين بالتناقض؟" (401).
ودعنا نسأل الناقد بالمثل عما جاء في القرآن، ومن المعروف أن الوحي في القرآن نص لفظي، فلا يجوز تغيير كلمة ولا حرف واحد: ماذا قال اللَّه لإبليس عندما أمره بالسجود لآدم ورفض إبليس هذا الأمر؟.. هل: " قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ" (الحجر 15: 32)، أم أنه قال: " قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ" (ص 38: 75)؟.. ومن يقرأ قصة آدم كما جاءت في سورة البقرة 2: 8 - 35، وسورة الأعراف 7: 10 ــ 24، وسورة طه 20: 114 - 120 يلمس مقدار التباينات في الألفاظ المستخدمة، وإنفراد كل سورة بمعانٍ معينة... والناقد يقبل هذا برحب وسعة صدر، بل أنه لم يسأل نفسه: هل أخطأ إبليس إذ لم يسجد لآدم، لأنه يدرك جيدًا أن السجود لا يليق إلاَّ باللَّه وحده؟ ومن معه الحق: هل اللَّه الذي أمر إبليس بالسجود لآدم، أم إبليس الذي أصرَّ أن السجود للَّه وحده دون سواه؟.
2ــ لماذا يدعي الناقد أن يوحنا المعمدان كان أفضل وأعظم وأقوى من السيد المسيح، مع أن يوحنا نفسه يعترف مرارًا وتكرارًا بعظمة المسيح؟.. انظر إلى بعض أقواله:
أ - " أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ" (مت 3: 11).. ربط القوة بالسيد المسيح، وليس بنفسه.
ب - " مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذًا فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ." (يو 3: 29).. ربط الكنيسة بالسيد المسيح، وليس بنفسه.
جـ - " يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ" (يو 3: 30)، فربط العظمة بالسيد المسيح.
د - " اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ وَالَّذِي مِنَ الأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ، وَمِنَ الأَرْضِ يَتَكَلَّمُ" (يو 3: 31).. لقد ربط السماء بالسيد المسيح، وليس نفسه.
هـ - " الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّه" (يو 3: 36).. ربط الحياة الأبدية بالسيد المسيح، وليس نفسه.
بل أن المقارنة بين يسوع المسيح ويوحنا المعمدان، هيَ في حقيقتها مقارنة بين الخالق والمخلوق، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولم يذكر الإنجيل أن يوحنا المعمدان قد بارك المسيح، إنما حاول قدر طاقته أن يعتذر ويستعفي من مهمة عماده، لأن المسيح هو البار القدوس الذي قال له يوحنا: " أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ" (مت 3: 14). وإن كان الروح القدس حلَّ على يوحنا وهو في بطن أمه كقول الملاك لزكريا: " وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (لو 1: 15) فإن الروح القدس أصلًا هو روح اللَّه، روح الآب وروح الابن، لم يفارق الآب ولم يفارق الابن منذ الأزل وإلى الأبد، وفي كل لحظة، وإنما كان ظهوره على شكل حمامة في المعمودية، فذلك لإعلان حقيقة الثالوث القدوس للإنسان بأجلى بيان، وأيضًا لكيما يمسح الروح القدس الابن المتجسد لبدء الخدمة. والأمر العجيب أن الناقد الذي راح يثبت أفضلية وعظمة وقوة يوحنا عن المسيح، عاد في نفس الكتاب يتساءل تساؤلًا عكسيًا في سطر واحد: " س471: ولماذا عمَّد يوحنا المحمَّل بالخطية الأزلية إلهه البار؟ (مت 3: 13)، وهكذا يحاول الناقد أن يضرب ذات اليسار وذات اليمين متوهمًا أنه سيقضي على الإيمان المسيحي، متغافلًا قول الكتاب: " قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ" (أم 16: 18).
3ــ يتهم الناقد السيد المسيح بأنه كان يهرب من اليهود ويخافهم كما تخبرنا الأناجيل بهذا، مع أن الكتاب المقدَّس كله لم يذكر قط أن السيد المسيح خاف ذات مرة، ولو خاف فكيف تصدى للقيادات الدينية بقوة؟! وكيف واجه الصيارفة والباعة عندما طهر الهيكل بمفرده ولم يجرؤ أي إنسان أن يتصدى له، بل فعل ذلك بسلطان عجيب (مت 21: 12، 13)؟! وكيف تصدى للقيادات الدينية حتى أنه صبَّ الويلات عليهم واصفًا إياهم بالمرائيين، العميان، القبور المبيَّضة... (مت 23: 12 - 33)؟! وكيف قابل الذين جاءوا للقبض عليه معلنًا عن نفسه أنه هو يسوع الناصري حتى أنهم رجعوا للخلف وسقطوا على الأرض (يو 18: 6)؟! وكيف أجاب رئيس الكهنة عندما سأله: " هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الله؟ " بالإيجاب حتى شق رئيس الكهنة ثيابه (مت 26: 63 - 65)؟! وكيف أجاب بيلاطس عندما سأله: " أنْتَ مَلِكُ الْيَهُود" (يو 18: 33) معترفًا أنه ملك؟!.. إلخ. أما الناقد فيأخذ من النصوص ما يحلو له، ويفسرها كما يحلو له، وينتهي إلى النتائج التي يحلم بها... فهل هذه هيَ الأمانة في البحث العلمي؟!!.
4ــ يتساءل الناقد عمن هو أقوى من يوحنا المعمدان يسوع الذي صُلب أم محمد الذي قهر عبَّاد الأوثان؟ وهو في هذا يتجاهل أن يوحنا المعمدان كان بمثابة الملاك المُرسَل أمام السيد الرب ليعد له الطريق، كما تنبأ ملاخي النبي بهذا (ملا 3: 1)، ويتغافل أن يوحنا المعمدان قارن بين نفسه وبين يسوع المسيح، ولم يقارن نفسه بمحمد قط، وحتى لو ادعى الناقد أن محمد هو المسيا، فإن الأناجيل لم تذكر قط أن يوحنا المعمدان قد تفوَّه بهذه الكلمة "المسيا".. أما إذا أراد الناقد أن يظهر عظمة محمد عن يسوع المسيح، فهو بذلك يسير في اتجاه عكس عقيدته التي لا يجهلها، إنما يتجاهلها، ولذلك دعنا نذكره ببعض الأمور:
أ - اهتمام اللَّه بحنة جدة المسيح (آل عمران 3: 35، 36)، واهتمام اللَّه بمريم منذ طفولتها (آل عمران 3: 37)، واصطفاءها على نساء العالمين (آل عمران 3: 42)، وحلول الروح القدس عليها وولادتها المسيح بدون زرع بشر (مريم 19: 17 - 21)، وقد جعل اللَّه المسيح مع أمه آية (المؤمنين 23: 50).
ب - وصف القرآن المسيح وحده لا ثانٍ له بأنه كلمة اللَّه (آل عمران 3: 45، النساء 4: 171).
جـ - المسيح هو القدوس الذي بلا خطية وحده، ولذلك لم يذكر له القرآن خطية قط بل أنه كان مباركًا (مريم 19: 31، 32)، بينما ذكر خطايا آدم (طه 20: 121، الأعراف 7: 22، 23)، ونوح (نوح 71: 28)، وإبراهيم (الشعراء 26: 82)، وموسى (الشعراء 26: 19، 20)، وداود (ص 38: 24، 25)، وسليمان (ص 38: 31 - 35)، ويونان (الصافات 37: 142 - 144)، ومحمد (محمد 47: 19، الشرح 94: 1 - 3، الضحى 93: 7، والفتح 48: 2).
د - ذكر القرآن أن السيد المسيح خلق من الطين كهيئة الطير ونفخ فيه فصار طيرًا (آل عمران 3: 49)، كما خُلق آدم من تراب الأرض، ونفخ فيه اللَّه نسمة حياة.
هـ - ذكر القرآن أن السيد المسيح أقام الموتى (المائدة 5: 11) وصنع المعجزات الباهرات (آل عمران 3: 49)، بينما اعترف محمد بأنه لم يصنع معجزة واحدة قائلًا: " وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ" (الإسراء 17: 59).
و - ذكر القرآن أن السيد المسيح كان يعلم الغيب (آل عمران 3: 49، 6: 59)، بينما نفى محمد عنه علم الغيب (هود 11: 31).
ز - يعترف جميع المسلمين أنهم سيمثلون أمام السيد المسيح الديان العادل، كما جاء في صحيح البخاري: " لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا" (راجع كتابنا: أسئلة حول ألوهية المسيح - الباب الرابع: ماذا يقول الإسلام عن السيد المسيح ص167 - 188).
ح - لو قارنا بين انتشار المسيحية وانتشار الإسلام لوجدنا فروقًا جوهرية، فمثلًا سرعة انتشار المسيحية حتى أنه في اليوم الأول للمسيحية آمن نحو ثلاثة آلاف نفس (أع 2: 41) وبعد عدة أسابيع أو عدة أشهر صار عدد الرجال نحو خمسة آلاف رجل (أع 4: 14) بينما ظل محمد يدعو الناس في مكة ثلاث سنين سرًا فلم يتبعه سوى ستون رجلًا وإمرأة، ثم صار يدعوهم في العلن عشرة سنين أخرى فلم يصل عددهم لعدد الذين آمنوا بالمسيحية خلال عدة أشهر. وغني عن البيان أن الذين نشروا المسيحية صاروا ضحية الظلم والاستبداد وقدموا ممتلكاتهم وأرواحهم برضى لأنهم أدركوا جيدًا أن الإنسان يمكن أن يُقتل من أجل تمسكه بعقيدته، ولا يقتل أحدًا، ولذلك لم يستخدموا السيف على الإطلاق، ولم يفتحوا بلادًا ودولًا عنوة، وجميع الذين آمنوا بالمسيحية آمنوا بها عن اقتناع ورضى، ليس خوفًا ولا هربًا من سيف، كما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي (صلعم) قال: " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاَّ اللَّه. فمن قال لا إله إلاَّ اللَّه عُصم مني ماله ونفسه"، ولذلك عدد ليس بقليل أسلموا خوفًا وهلعًا، وعند موت الرسول ارتدوا، فأعادهم أبو بكر أيضًا بقوة السيف.
5ــ قال يوحنا المعمدان عن السيد المسيح، وليس عن أي شخص آخر: " الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ" (مت 3: 12) ، وتساءل الناقد: لماذا لم يحمل السيد المسيح المذرى بيديه لينقي بيدره، ويجمع القمح (المؤمنين) إلى مخزنه، ويحرق التبن (الكافرين) بنار لا تُطفأ، والحقيقة أن السيد المسيح لم يفعل هكذا حتى الآن، وحتى نهاية الأيام، لأنه قد عيَّن يومًا ليدين فيه المسكونة بالعدل ويجازي كل واحد بحسب أعماله، عندما يأتي بمجد عظيم على السحاب مع ملائكته، ويفصل بين القمح والتبن، بين الخراف والجداء، بين الأبرار والأشرار، ويأخذ معه الأبرار إلى ملكوته ويطرح الأشرار إلى بحيرة النار والكبريت، حيث النار التي لا تُطفأ إلى أبد الآبدين، وهكذا يتم ما أفصح عنه الإنجيل مرارًا وتكرارًا: " ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّة" (مت 25: 41).. " وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ" (رؤ 14: 11).. " وَإِبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ" (رؤ 20: 10).
_____
(397) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ2 ص151.
(398) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 4 ص133.
(399) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 3 ص22، 23.
(400) الكنز الجليل في تفسي الإنجيل جـ 1 شرح بشارة متى ص36.
(401) شبهات وهمية حول الكتاب المقدَّس ص289، 290.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/222.html
تقصير الرابط:
tak.la/jvfxwp2