س216: هل دعوة السيد المسيح (مر 1: 14، 15) التي جاءت مطابقة لدعوة يوحنا المعمدان في الكرازة بالتوبة والبشارة بملكوت اللَّه (مت 3: 2)، تعني العودة إلى الشريعة اليهودية في نقائها، بعيدًا عن الإله المثلث المُتجسّد، والخطية الأزلية؟ وهل معنى معمودية المسيح (مت 3: 13) أنه تاب على يد يوحنا؟
يقول "علاء أبو بكر": " س19: تقول الأناجيل أن دعوة عيسى عليه السلام كدعوة المعمدان. وتتركز في دعوة بني إسرائيل بالتوبة والبشارة بملكوت اللَّه... ".. قَائِلًا تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ" (مت 3: 1، 2) وكذلك كانت دعوة عيسى عليه السلام... ".. وَيَقُولُ قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللَّه فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ.." (مر 1: 14، 15). ألا يعني أمر عيسى عليه السلام للناس بالتوبة أنه يأمرهم بالعودة إلى ما كان عليه أباؤهم وما آتى به الأنبياء ناصعًا بدون تدخل الكتبة والكهنة؟ ألا يعني تعميد يسوع على يد المعمدان، وتوبته على يديه أنه عاد إلى اللَّه وشريعته القائمة (شريعة بني إسرائيل)؟ ألا يعني كل هذا أنكم تابعين لشريعة موسى عليه السلام الذي لم يعرف شيئًا عن الإله المثلث المتجسد، ولا عن الخطيئة الأزلية (حز 18: 20). فأجاب " لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ" (مت 15: 24)" (374).
ج: 1ــ قدم القديس متى خدمة يوحنا المعمدان بالتوازي مع خدمة المسيح، فكرازة يوحنا " وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّة" (مت 3: 1) جاءت بالتوازي مع كرازة يسوع المسيح: " مِنْ ذلِكَ الزَّمَانِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَكْرِزُ" (مت 4: 17) فهنا تتلاقى العبارتين " وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ " و" مِنْ ذلِكَ الزَّمَانِ " وكل منهما قدم نفس الكرازة بالتوبة واقتراب الملكوت: " تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَات" نفس العبارة نُسِبت تارة ليوحنا المعمدان (مت 3: 2)، ونُسبت تارة أخرى للرب يسوع (مت 4: 17)، وكان لكل منهما قاعدة جماهيرية عريضة، فقال الإنجيل عن يوحنا: " حِينَئِذٍ خَرَجَ إِلَيْهِ أُورُشَلِيمُ وَكُلُّ الْيَهُودِيَّةِ وَجَمِيعُ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ" (مت 3: 5)، وقال عن السيد المسيح: " فَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْجَلِيلِ وَالْعَشْرِ الْمُدُنِ وَأُورُشَلِيمَ وَالْيَهُودِيَّةِ وَمِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ" (مت 4: 25)، وشهد كل منهما للآخر، فقال يوحنا: " هُوَذَا حَمَلُ اللَّه الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ... وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللَّه... وَفِي الْغَدِ أَيْضًا... فَنَظَرَ إِلَى يَسُوعَ مَاشِيًا، فَقَالَ هُوَذَا حَمَلُ اللَّه" (يو 1: 29 - 36)، وشهد السيد المسيح للمقام السامي الرفيع ليوحنا المعمدان وأنه أعظم مواليد النساء (مت 11: 7 - 14، 17: 12، 13، مر 9: 11، لو 7: 22). لقد جاء يوحنا المعمدان ليعد الطريق أمام السيد المسيح، كما كان يسير "القواس" قديمًا أمام موكب الملك (ملا 4: 5، إش 40: 3).
2ــ ما هو معنى التوبة؟.. إن الإنسان يندم على خطاياه، ولا يعود إليها ثانية، أما الناقد فيرى أن التوبة هيَ التمسك بالشريعة اليهودية ورفض المسيحية، وهنا يجب الإشارة إلى أن المسيحية هيَ كمال اليهودية، فاليهودية هيَ أساسات المبنى التي لا غنى عنها، والمبنى الشاهق هو المسيحية، وأيضًا اليهودية هيَ جذور شجرة الحياة والمسيحية هيَ الشجرة الوارفة الممتدة أغصانها نحو السماء، فإن كان معنى التوبة لمن عاصروا يوحنا المعمدان والسيد المسيح الرجوع لليهودية في نقائها، فنحن لا نعارض هذا، لأن اليهودية بلا شك طريق يفضي للمسيحية.
3ــ السيد المسيح هو اللَّه المُتجسّد، وعندما اتخذ طبيعتنا وإتحد بها صار نائبًا عنا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فاعتمد من يوحنا المعمدان نيابة عنا، وصام عنا، ومات على الصليب نيابة عنا، فهو القدوس الذي بلا خطية وحده، وهو حمل اللَّه الذي يحمل خطية العالم، فهو بلا خطية ولكنه حامل خطايانا، وقول الناقد أن معمودية يسوع من يوحنا تعني أنه تاب على يد يوحنا، قول جانبه الصواب تمامًا، وهو ضد العقيدة التي يؤمن بها، لأن القرآن بينما ذكر خطايا الرسل والأنبياء لم يذكر خطية ما للسيد المسيح، بل قال بلسانه: " وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ" (سورة مريم 19: 31) وبالطبع اللَّه لا يبارك الإنسان الخاطئ بل يعاقبه، أما كون السيد المسيح مباركًا فهذا يعني أنه بلا خطية.
4ــ يقول الناقد أن موسى لا يعرف شيئًا عن الإله المثلث المتجسد ولا عن الخطية الأزلية، بينما تحدث موسى النبي عن اللَّه الواحد المثلث الأقانيم من الآية الأولى في سفر التكوين: " فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللَّه (الوهيم) السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ" (تك 1: 1)، ومن المعروف أن اللغة العبرية لا تستخدم أسلوب الجمع في التعظيم والتفخيم، فهو يوضح وحدانية اللَّه الجامعة (تثليث الأقانيم) في آيات عديدة: " وَقَالَ اللَّه نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا" (تك 1: 26).. " وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا" (تك 3: 22).. إلخ. كما أن توارث الخطية كان أمرًا واضحًا في أسفار موسى الخمسة، فلولا توارث الخطية الجدية لرجع أولاد آدم وأحفاده إلى جنة عدن، ولكن هذا لم يحدث، وظهر توارث الخطية عندما قتل قايين أخيه هابيل، فلم يذكر الكتاب أن الخطية جاءت له من الخارج مثلما حدث مع آدم، إنما نبعت من الطبيعة الفاسدة التي ورثها من آدم، وإنتشر الشر في العالم حتى جاء الطوفان الذي أهلك العالم كله باستثناء ثمانية أنفس. وأيضًا قول الناقد "الخطية الأزلية" قول غير صحيح على الإطلاق، لأن الأزلي هو ما ليس له بداية، والوحيد الأزلي هو اللَّه، فلا يصح نعت الخطية بأنها أزلية، لئلا نساوي بين اللَّه والخطية، إنما ندعوها الخطية الجديَّة نسبة للجد آدم.
_____
(374) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 3 ص 24 ، 25.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/216.html
تقصير الرابط:
tak.la/m74r44a