س189: هل لأن المسيح وُلِد من العذراء مريم بحسب قول الملاك ليوسف: " فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ" (مت 1: 21) وأيضًا بحسب قول الملاك للعذراء: " وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ" (لو 1: 31)، لذلك جاء في قانون الإيمان: " مولود غير مخلوق "؟
قال "أحمد ديدات" تحت عنوان "أبناء اللَّه" ص60: " ولقد سألت علماء المسيحية عما يقصدونه بقولهم: المولود لا المخلوق، فلم أحظَ برد مقنع..". كما قال تحت عنوان "المولود غير المُنْجَب" ص62: " لي أربعون عامًا من الخبرة العملية في التحدث إلى علماء المسيحية. ولم يستطع واحد منهم أن يتفوه بتفسير لعبارة "مولود غير مخلوق" التي يرددها المسيحيون... والمسيحي المتعقل يقول: إن الكلمات لا تعني مدلولها الحرفي. إذًا لماذا تقولونها؟ لماذا تخلقون صداعًا لا لزوم له؟!"(246) (راجع أيضًا علاء أبو بكر - البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ4 س253 ص264).
ج: 1ــ عبارة "مولود غير مخلوق" في قانون الإيمان لا تخص ولادة يسوع المسيح من العذراء، إنما تخص ولادته من الآب قبل كل الدهور، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولذلك تجد النص متكامل في قانون الإيمان الذي وضعه الآباء في مجمع نيقية سنة 325م، وتقره وتعترف به وتتلوه جميع الكنائس المسيحية على اختلاف طوائفها: " نعم نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن اللَّه الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور. نور من نور. إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق"، فهذه العبارات تخبرنا عن ولادة الابن من الآب ولادة روحية ذاتية مثل ولادة الشعاع من الشمس، فهيَ ولادة بعيدة تمامًا عن أي ولادة جسدية حسية لحمية مادية، وهذه الولادة لم تحدث في الماضي مرة واحدة وقد إنتهت، بل هيَ ولادة مستمرة بلا إنقطاع، وأيضًا بلا إنفصال بين الآب والابن، فكليهما أقنوم في الجوهر الإلهي الواحد مع الروح القدس، لم ينفصل أحدهما عن الأقنومين الآخرين، وهذه الولادة مستمرة منذ الأزل وإلى الأبد وفي كل لحظة كولادة الشعاع من الشمس، وأيضًا ليس بها سابق ومسبوق، فالآب ليس سابق الكينونة عن الابن، ولا الابن لاحق للآب في الكينونة، مثل الشمس والشعاع، فالشمس لم تسبق الشعاع ولا الشعاع لحق الشمس، فلا شمس بلا شعاع ولا شعاع بلا شمس، وهكذا لا آب بدون الابن، ولا ابن بدون الآب. وقد استخدم المسيحيون عبارة "مولود غير مخلوق" ردًا على الأريوسيين الذين قالوا أن الآب خلق الابن، وبالابن خلق كل شيء، ففي عقيدتهم أن الآب كان بمفرده ثم خلق الابن الذي به خلق كل شيء، فالابن مخلوق بدعة أريوسية. وعندما إدَّعى أريوس أن مرَّ وقت كان فيه الآب بدون الابن، قال له القديس أثناسيوس الرسولي أن معنى قولك هذا يا أريوس أنه مرَّ وقت كان فيه الآب بدون عقل، لأن الابن هو اللوغوس، هو عقل اللَّه الناطق أو نطق اللَّه العاقل.
2ــ السيد المسيح له ميلادان:
الميلاد الأول: من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، منذ الأزل وإلى الأبد وفي كل لحظة، كولادة الشعاع من الشمس والضوء من النار، والفكر من العقل، والتيار من الينبوع.
الميلاد الثاني: من العذراء القديسة الطاهرة مريم في ملء الزمان، منذ نحو ألفي عام، عندما اتخذ طبيعة بشرية ووُلِد طفلًا رضيعًا ونما قليلًا قليلًا بشبه البشر.
وقال "البابا أثناسيوس الرسولي": " نعترف بابن اللَّه المولود من اللَّه الآب قبل الدهور، ولم يُفترق منه كل الدهور، ووُلِد بالجسد من مريم العذراء القديسة في آخر الزمان" (247).
وقال "البابا أثناسيوس" أيضًا: "وعلى ذلك نؤمن به أنه ابن اللَّه الوحيد من بعد التجسد، وهو ابن الإنسان إياه لا غير، مسيح واحد، رب واحد، يسوع ربنا مولود مولدين، مولد من الآب قبل كل دهر دون كل سبب وكلمة وفكر وزمان، ومولد من الأم في آخر الزمان من أجل خلاصنا. مولود مثل مولدنا وفوق مولدنا، أما مثل مولدنا أنه كان إنسان ومن امرأة وفي وقت المولد لتسعة أشهر. وأما فوق مولدنا أنه ليس من زرع ولكن من الروح القدس ومن مريم العذراء المقدَّسة فوق ناموس المولد لسلامة عذراوية أمه من بعد مولده منها" (248).
ويقول "القديس باسيليوس": "ويجب أيضًا أن نؤمن بأن اللَّه، أن له ميلادين، ميلاد من اللَّه الآب قبل كل الدهور، وميلاد آخر من مريم العذراء القديسة في آخر الزمان" (249).
ويقول "القديس أغسطينوس": "ربنا يسوع، ابن اللَّه، وابن الإنسان له ميلادان: أحدهما إلهي والآخر بشري، وكل منهما معجزي. في ميلاده الأول وُلِد من الآب بغير أم، فخلق جميع الأيام، وفي ميلاده الثاني وُلِد من أم بغير أب، فقدَّس هذا اليوم. وفي الواقع لقد وُلِد المسيح من أب وأم، وبدون أب وبدون أم. بدون أم إلهة، وبدون أب إنسان... في ميلاده الإلهي كان غير مرئي، وفي ميلاده البشري كان مرئيًا، وكلا الميلادين يوحيان بالرهبة، وُلِد من أبيه كمبدأ للحياة، ووُلِد من أمه كنهاية للموت... من يستطيع أن يُخبر كيف وُلِد النور من النور وكلا النورين واحد! وكيف وُلِد اللَّه من اللَّه وليست هناك زيادة للَّه في العدد؟!" (250).
3ــ الأمر العجيب أن "أحمد ديدات" يقول أنه سأل علماء المسيحية ولم يستطع واحد منهم أن يتفوّه بتفسير عبارة "مولود غير مخلوق"، ولاحظ يا صديقي أنه لم يذكر اسمًا واحدًا مما دعاهم علماء المسيحية، وكيف يكونون علماء المسيحية وهم يجهلون أبسط الأمور الإيمانية؟!! ثم يقول ديدات أن المسيحي المتعقل يقول أن الكلمات لا تعني مدلولها الحرفي، وكيف يكون مسيحيًا متعقلًا من يتنكر لكلمات الإنجيل، وقانون الإيمان الذي جميع عباراته مستمدة من الكتاب المقدَّس.
_____
(246) أورده الأخ وحيد - المسيح اللوغوس ص55.
(247) اعترافات الآباء ص54.
(248) أورده القمص إبراهيم جبره - المولود من العذراء ص70.
(249) اعترافات الآباء ص76.
(250) ميمر الميلاد الثاني - من مطبوعات دير السيدة العذراء السريان ص4.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/189.html
تقصير الرابط:
tak.la/c6p73sr