س175: لماذا لم يولد الله (مت 1: 18) من عذراء غير مخطوبة، عوضًا عن أن يختطف عذراء مخطوبة، في حُكم الزوجة، من زوجها؟ ألم يكن قادرًا على التجسد مباشرة بدون امرأة؟ ولماذا لم يوحي ليوسف وينهاه عن خطبتها لأنها ستكون أم الإله؟ ولماذا لم يوحي للكهنة لكيما لا يزوجوها ليوسف؟ وكيف لم يشك يوسف في أن ما أتاه ليلًا هو جن وليس ملاك؟
يقول "علاء أبو بكر": " س389: إن الإله هو خالق قوانين الطبيعة، وهو فوق كل هذه القوانين، وهو الذي يسيّر الطبيعة وقوانينها، ولا تتحكم هيَ فيه، بل هو الذي يتحكم فيها. فهل كان يسوع كإله عندكم هكذا؟ ولماذا إذًا جاء من عذراء مخطوبة لرجل آخر، ولم يأتِ من عذراء غير مخطوبة؟ ولماذا جاء من امرأة مولودًا، ولم يأتِ متجسدًا مباشرة دون امرأة؟" (191).
كما يقول "علاء أبو بكر": "س226... فهل يليق بالرب أن يختطف امرأة من خطيبها؟ أما كان قادرًا على خلق امرأة أخرى غير مخطوبة وعذراء أيضًا؟ أما كان قادرًا على أن يُوحي ليوسف ألا يخطبها لأنها ستكون زوجة الإله وأمه؟ أما كان قادرًا على أن يُوحي لكهنة اليهود ألا يزوجوها لأحد لأنها ستكون زوجته وأمه؟
والآن ضع نفسك مكان يوسف هذا الذي تفاجئه زوجته أنها حامل من الرب... فما هو رد فعلك؟ بالنسبة لي، حتى لو حلمت ليلًا أنه أتاني هاتف في الليل وأوهمني أن الذي تحمله خطيبتي هو الإله نفسه... فإن أول شك لي سيتجه إلى أن هذه المرأة كاذبة، فكيف تحمل من الإله؟؟ وسوف يتجه تفكيري أن هذه المرأة تُسخّر الجان. وأنها أرسلت لي شيطانًا يوهمني بذلك" (192). (راجع أيضًا علاء أبو بكر - البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 2 س105 ص124).
ج: 1ــ نعم نحن نؤمن أن اللَّه خالق كل شيء، وهو واضع قوانين الطبيعة والمتحكم فيها، وأيضًا نؤمن أن يسوع المسيح هو اللَّه المتجسد، أما عن تساؤل الناقد: لماذا وُلِد من عذراء مخطوبة ولم يولد من عذراء غير مخطوبة؟ ولا أظن أن الإجابة تغيب عن عيني أي ناقد، من المفروض أنه يعي ويدرك ويميّز ويقيّم ويصدر حكمًا عادلًا بلا تحيُّز ولا تميّيز ولا محاباة... بالطبع عندما تحمل فتاة في بطنها جنينًا وتقول أنه من اللَّه، لن تجد من يصدقها، لأن مثل هذا الحدث لم يحدث في تاريخ البشرية قط، فالنتيجة الطبيعية أن الجميع سيكذبونها ويدَّعون أنها محاولة يائسة بائسة منها للنجاة من عقوبة الموت رجمًا، وحتمًا لن يرحمها أحد، واليهود الذين إعتادوا على رجم مثل هذه الحالات لن يتوانوا قط في رجمها، وحتى لو نجت من الموت فإن الشبهات ستظل تدور حول المولود، لأنه سيُعرف عنه أنه ابن زنا، وكان من الأفضل كثيرًا أن تتساءل الجموع وهيَ مندهشة: " أَلَيْسَ هذَا هُوَ يَسُوعَ بْنَ يُوسُفَ" (يو 6: 42) و" أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ" (مت 13: 55)، من أن تتساءل "أليس هذا هو ابن الزنا"؟!!.
2ــ يتساءل الناقد أيضًا: لماذا لم يتجسد اللَّه مباشرة بدون امرأة؟ لأن اللَّه واضع قوانين الطبيعة يحترم هذه القوانين، ولا يوجد مبرّر لتخطيها مادام هناك حل من خلالها. وبالطبع كان هناك الحل الأفضل، وهو أن يتجسد من البتول العذراء القديسة مريم... ولماذا الأفضل؟ لأنه لو ظهر يسوع وعمل هذه الأعمال العجيبة والخارقة للطبيعة، دون أن يعرف أحد شيء عنه، لا أصله ولا فصله، لا أسرته ولا جنسيته، لانتهى به الأمر إلى نتيجة من نتيجتين:
أ - يعترفون به إلهًا ويقدمون له العبادة، فلا يقاومونه ولا يحتجون عليه ولا يسلمونه للموت صلبًا، وبهذا تتعطل الرسالة التي جاء من أجلها، وهيَ قضية الفداء بموته المحيي ليرفع حكم الموت عن الإنسان.
ب - يظنون أنه يفعل هذا بقوة السحر وببعلزبول يُخرج الشياطين، فيرجمونه، بينما هو قد حدَّد وسيلة موته بالصليب أشنع ميتة عرفها التاريخ، كما حدَّد ساعة موته.
لقد ذكر القديس متى سلسلة أنساب يسوع المسيح ليؤكد للكل أنه معروف النسب، فهو ابن الإنسان، وليس غريبًا عن الإنسان، وقال المحيطون به أنهم يعرفون أبيه يوسف وأمه مريم وأخوته، الذين هم أولاد خالته.
3ــ هل يصح أن الناقد يتهم اللَّه بأنه خطف عذراء مخطوبة من رجلها، وحرمه منها؟!.. أن هذا الناقد لم يدرك:
أ - إن العذراء القديسة مريم قد نذرت بتوليتها للَّه، ولهذا عندما بشرها رئيس الملائكة الجليل جبرائيل بولادة المُخلص، قالت له: " كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا" (لو 1: 34) فهيَ لم تعرف رجلًا ولا تنوي أن تعرف رجلًا.
ب - إن العذراء مريم قد وضعت كل أمور حياتها في يد القدير مدبر كل شيء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فدبَّر لها اللَّه شيخًا وقورًا بارًا قديسًا، لكيما تعيش في بيته، ولكي يقطع ألسنة الناس المتطاولين، خطبها لنفسه، فهيَ في وضع زوجته، ومع هذا كان يعاملها كابنته، فكان يصون طهارتها، وهذا ما توسمه فيه كهنة الهيكل فأودعوا لديه هذه الفتاة ليحفظ عفتها، وهذا ما قال به البابا أثناسيوس الرسولي، وغريغوريوس النازينزي ويعقوب الرهاوي (راجع ما ديوناسيوس يعقوب ابن الصليبي - الدر الفريد في تفسير العهد الجديد جـ1 ص54).
جـ - إننا جميعًا خليقة اللَّه وعمل يديه، فإن شاء واختار أي إنسان لأي مهمة يراها... فهل ندعو هذا خطفًا؟!.
د - الشرف العظيم الذي وهبه اللَّه للعذراء الطاهرة مريم عندما تجسد منها، وصارت هيَ والدة الإله، حتى أن أليصابات: " صَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ" (لو 1: 42، 43)، والعذراء مريم في تسبحتها قالت: " فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي. لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ" (لو 1: 48 - 50).
4ــ يتساءل الناقد: لماذا لم يُوحي اللَّه ليوسف النجار حتى لا يخطبها؟ ولماذا لم يُوحي للكهنة حتى لا يزوجونها ليوسف؟ ولا أدري ماذا يريد الناقد؟!.. هل يريد من اللَّه أن يعمل إعلانات عن تجسده من العذراء؟!!.. أليس هذا يعكس الجهل العام بسر التجسد والفداء. لقد حجب السيد المسيح لاهوته في ناسوته لكيما يصطاد الشيطان الذي سبق واصطاد الإنسان بالحيلة والذكاء والمُكر والدهاء، حتى صارت البشرية كلها في قبضته. فجاء ابن اللَّه متجسدًا في شكل إنسان ليرد له الضربة، وفعلًا كان الشيطان غارقًا في شكوكه: من يكون هذا الشخص العجيب؟!، وحرَّض اليهود والرومان على سفك دم برئ، وعلى الصليب في لحظة موته هجم عليه ليقتنص روحه كسائر أرواح البشر، فكشف السيد المسيح عن لاهوته، وقبض على الشيطان، وجرّده من سلطانه، وحرَّر الإنسان من قبضة يده.
5ــ قال الناقد لو أنه حلم حلمًا ليلًا أو أتاه هاتف يوهمه بأن الذي تحمله خطيبته هو الإله نفسه فإنه سيشك أن خطيبته هذه تُسخّر الجن وقد أرسلت له شيطانًا يوهمه بذلك... ونحن نصدقه في هذا، لأنه بالطبع لا يملك مثقال ذرة من الإيمان الذي تحلى به ذاك الرجل العظيم البار "يوسف النجار" التي اختارته العناية الإلهيَّة بعناية فائقة ليكون أبًا ليسوع المسيح بالتبني... لقد دبَّر اللَّه للعذراء مريم الفتاة الصغيرة ذاك الشيخ البار الحكيم، الذي كانت بلا شك في حاجة شديدة لحكمته ليقود سفينة حياتها، يحميها ويصونها ويسندها، ولاسيما في رحلة الهروب الشاقة إلى أرض مصر، ينتقل بين ربوعها ويجول في أراضيها حتى باركت هذه العائلة المقدَّسة الأراضي المصرية وشعب مصر، وكان ذاك الرجل أداة طيعة في يد اللَّه، واستحق أن يستقبل الرسائل الإلهيَّة عبر الملائكة، فما سجله إنجيل متى ثلاثة أحلام ليوسف رأى فيها الملاك تارة يطمئنه من جهة امرأته مريم، فيتراجع سريعًا عن قراره بتخليتها سرًا، وتارة يوصيه بالهروب إلى أرض مصر لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، فيسرع بالخروج من بيت لحم، بدون مناقشة ولا جدال، ودون أن يسأل الملاك كيف يكون هذا ابن اللَّه ويخشى بطش هيرودس، وتارة يطلب منه العودة إلى وطنه فيطيع أيضًا... هذه ثلاثة أحلام سجلها القديس متى، لكننا لا نعرف كيف تعامل اللَّه معه ربما بأحلام عديدة، فحياة القديس يوسف كحياة سائر القديسين كنز مختوم وضرب من الأسرار في تعاملات اللَّه معه.
_____
(191) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 4 ص427 ، 428.
(192) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 3 ص144 ، 145.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/175.html
تقصير الرابط:
tak.la/8njw7tj