س160: ما معنى قول إنجيل متى "كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُـوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ" (مت 1: 1)؟ لماذا لم يقل يسوع ابن مريم؟ وإن كان المسيح هو الله المتجسد فكيف يكون له كتاب وتاريخ ميلاد؟
ج: 1ــ لم يقل القديس متى "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن مريم" رغم أنه أوضح الميلاد العذراوي للسيد المسيح وأكده... لماذا؟ لأن القديس متى يهودي يراعي الأعراف والتقاليد اليهودية التي جرت على تسجيل سلسلة الأنساب من جهة الأب وليست من جهة الأم، فالمولود في بلادنا يُنسب لأبيه ولا يُنسب لأمه، وجميع سلاسل الأنساب التي وردت في الأسفار المقدَّسة كانت تخص الرجال ولا تخص السيدات (راجع مثلًا تك 5: 1 ــ 32، 11: 1 - 32، 36: 9 - 43، 1 أي ص 1 - 9)، وعندما أمر الرب موسى بعد الخروج من مصر بأن يحصوا الشعب: " أَحْصُوا كُلَّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ" (عد 1: 2) كان المقصود إحصاء الرجال من سن عشرين إلى ستين سنة (عد 1: 1 - 54) ولم يحصوا السيدات ولا الأطفال ولا الفتيان ولا الشيوخ.
2ــ نعم السيد المسيح هو اللَّه المتجسد، ومن يُنكر هذا لا يُدعى مسيحيًا، وفي تجسده صار إنسانًا بينما لم يزل هو إلهًا، هو الإله الحقيقي وحده، فبحسب تجسده وتأنسه صار له كتاب وتاريخ ميلاد. عندما جبل الرب الإله آدم الأول، جاء في سفر التكوين: "هذَا كِتَابُ مَوَالِيدِ آدَمَ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ. عَلَى شَبَهِ اللهِ عَمِلَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُ وَبَارَكَهُ وَدَعَا اسْمَهُ آدَمَ يَوْمَ خُلِقَ" (تك 5: 1، 2)، وعندما تجسد اللَّه في صورة الإنسان، كتب متى الإنجيلي: " كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ"، ويمكن مقابلة هاتين العبارتين معًا... لقد وضع الكتاب المقدَّس خلق آدم الأول وتجسد آدم الثاني في خطين متوازيين، ويقول "الكاردينال جان دانيالو": "وهذا الوحي يشمل على حقيقتين:
الأولى: إن هذا الطفل لن يكون فقط المسيح المنحدر من داود، بل أيضًا الآدم الجديد الذي يفتتح الخليقة الجديدة، وبالتالي تتخذ أمومة مريم البتولية معناها الكامل... ولأيريناؤس قول رائع يقول {كما تكوَّن الآدم الأول من تربة بتول. كان لابد لآدم الثاني أن يتكوَّن من بتول}.
أما الثانية: فهي أن مجيء الرب الذي بشر به الأنبياء لا ينفصل عن مجيء المسيح، بل أن مجيء اللَّه يتحقق في المسيح بالذات. هذا هو، كما قلنا، مالم يستطع أحد أن يتوقعه... وقد أُوحي إلى مريم، ونلمس هنا من جديد حقيقة هيَ من جوهر الإيمان المسيحي بالذات، لأن جوهر هذا الإيمان يقوم على تجسد الكلمة" (129).
3ــ تجسد يسوع المسيح وتأنس من الروح القدس ومريم العذراء منذ نحو ألفي عام، وهذا ما أفصحت عنه الأسفار المقدَّسة بقوة قديمًا وحديثًا: " لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا مُشِيرًا إِلهًا قَدِيرًا أَبًا أَبَدِيًّا رَئِيسَ السَّلاَمِ" (إش 9: 6).. " وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا" (يو 1: 14).. " وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ" (غل 4: 4).. " لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ" (في 2: 7).. " فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمـَا" (عب 2: 14).. وفي قانون الإيمان: "هذا الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء وتجسد من الروح القدس. ومن مريم العذراء وتأنس..".
ويقول "متى هنري": " كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: أي كتاب أسلافه حسب الجسد. أو الكتاب الذي يحدثنا عن رواية ميلاده. أنه كتاب التكوين، يبدأ العهد القديم بكتاب تكوين العالم وهذه هيَ مفخرته، أما مفخرة العهد الجديد فأنها تفوق تلك لأنه يبدأ بكتاب ميلاد من كوَّن العالم. إنه كان " مَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ" (مي 5: 2)، ولكن لا يستطيع كائن من كان أن يتحدث عن هذه المخارج وهذا التحدر والتسلسل. ولكنه كإنسان أُرسل في "مِلْءُ الزَّمَانِ... مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ" (غل 4: 4)، وعن هذا التحدر والتسلسل يتحدث الآن متى البشير" (130).
4ــ عندما تجسَّد ابن اللَّه ووُلِد من العذراء دُعي اسمه يسوع كقول الملاك ليوسف: " فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِـنْ خَطَايَاهُمْ" (مت 1: 21). و" يَسُوعَ" اسم معرَّب من اللغة اليونانية، وأصل الاسم في اللغة العبرانية "يشوع" ومعناه "يهوه يُخلّص" أو "ياه يُخلَّص"، و"ياه" اختصار "يهوه"، و"شوع" Shua أي "مخلص". ويقول "الأب متى المسكين": "واضح هنا أن ق. متى وضع هذا الاسم المتحد والمنصهر بهدوء لندرك منه سر الاسم، فالشخص المولود هو ياه (يهوه) يخلّص، أي اللَّه يخلّص. وهذه هيَ الحقيقة اللاهوتية، لأن اللَّه وحده هو الذي يخلّص، أو أن الخلاص هو عمل اللَّه، أو كما قالها المزمور بالروح " لِلرَّبِّ الْخَلاَصُ" (مز 3: 8)، " وَهُوَ يَفْدِي إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ آثَامِهِ" (مز 130: 8). والمعنى اللاهوتي الكنسي لاسم يسوع يصبح: اللَّه الفادي والمُخلص تجسَّد، والتي اختصرها بولس الرسول إلى: "اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" (1 تي 3: 16).." (131).
أما " الْمَسِيحِ " فيعبر عن وظيفته، كقول الملاك للرعاة: " أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ" (لو 2: 11)، فالمسيح أي "الممسوح" هو اسم مفعول من الفعل "مَسَحَ"، ففي العهد القديم كان يُمسَح الأنبياء (1 مل 19: 16)، والكهنة (لا 4: 3، 6: 22، عد 3: 3)، والملوك (1 صم 16: 12)، والسيد المسيح هو الشخص الوحيد الذي حاز هذه الوظائف الثلاث، فهو النبي والكاهن والملك.
وكلمة "مسيح" في اليونانية "مسيا"، كقول أندراوس لأخيه بطرس: " قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا الَّذِي تَفْسِيرُهُ الْمَسِيحُ" (يو 1: 41)، وقالت السامرية: " أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي" (يو 4: 25)، وقال بطرس الرسول: " يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّة" (أع 10: 38). واستخدام الاسم " يَسُوعَ الْمَسِيحِ" نجده نادرًا في الأناجيل، فجاء في صدارة إنجيل مرقس " إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللهِ" (مر 1: 1)، بينما استخدم الاسم بكثرة في الرسائل.
_____
(129) أضواء على أناجيل الطفولة ص31.
(130) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير الكتاب المقدَّس - تفسير إنجيل متى جـ 1 ص15.
(131) الإنجيل بحسب القديس متى ص137.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/160.html
تقصير الرابط:
tak.la/78g3w5t