س148: هل إنجيل متى اليوناني الذي بين أيدينا هو مجرد ترجمة لإنجيل متى الأرامي؟ وهل الذي قام بالترجمة إنسان مجهول، وبالتالي لا يمكن الثقة به؟
يقول "د. محمد توفيق صدقي": " كما هو واضح من شهادة بابياس: "إن واحدًا مجهول الاسم أخذ هذه المجموعة وترجمها وهذَّبها ورتبها وأضاف إليها ما شاء من الحوادث وغيرها لربط الجمل بعضها ببعض حتى صارت هيَ الإنجيل اليوناني الذي سُمّي بإنجيل متى فيما بعد. فهل بمثل هذا الإنجيل يمكننا أن نثق به ونحن لا نعلم من ترجمه؟ ومن الذي توسع فيه؟ وهل الترجمة صحيحة أم محرَّفة؟ وهل الزيادات التاريخية التي فيه صادقة أم كاذبة؟ وأين هو الأصل الذي ترجمه هذا المُترجِم؟" (50).
ويقول "الدكتور علي عبد الواحد وافي": "هذا الأصل الأرامي لم يصل إلينا، وإنما وصلت إلينا ترجمته إلى اللغة اليونانية التي تمت عقب تأليفه مباشرة أي حوالي سنة 60م... ولا يُعرَف عن طريق يقيني مترجم هذا الإنجيل إلى اللغة اليونانية. ويُقال أن متى نفسه هو الذي قام بترجمته، ويروي ابن البطريق وكثير من مؤرخي العرب أن مترجمه هو يوحنا مؤلف الإنجيل الرابع" (51).
وجاء في "موقع الحقيقة" alhakekah: "وأما لغة كتابة هذا الإنجيل فيكاد يجمع المحقّقون على أنها العبرانية، ورأى بعضهم بأنها السريانية أو اليونانية... ولما كانت جميع مخطوطات الإنجيل الموجودة يونانية فقد تساءل المحقّقون عن مُترجم الأصل العبراني إلى اليونانية. في ذلك أقوال كثيرة لا دليل عليها البتة، فقيل أن مترجمه متى نفسه، وقيل: بل يوحنا الإنجيلي، والصحيح ما قاله القديس جيروم (420م): "إن الذي ترجم متى من العبرانية إلى اليونانية غير معروف". بل لعل مترجمه أكثر من واحد كما قال بابياس. وقد قال "نورتن" المُلقَّب بحامي الإنجيل عن عمل المترجم المجهول: "إن مُترجم متى كان حاطب ليل، ما كان يميز بين الرطب واليابس. فما في المتن من الصحيح والغلط ترجمه".
(راجع أيضًا د. محمد عبد الله الشرقاوي - نقد التوراة والأناجيل الأربعة ص174، وإيتيان تروكميه - أناجيل أربعة وإيمان واحد ص72).
وجاء في "مقدمة طبعة العهد الجديد اليسوعية": " فمن الواضح أن النص كما هو الآن يعكس تقاليد أرامية أو عبرية، منها المفردات الخاصة بفلسطين (رَبَطَ وحلَّ (مت 16: 19) وحَمْل النير وملكوت السموات)، والعبارات التي لا يشرحها متى لقرائه والعادات المتنوعة (مت 5: 23، 12: 5، 23: 5، 15، 23). ومن جهة أخرى فليس هو، فيما يبدو، مجرد ترجمة من الأصل الأرامي، بل هناك ما يدل على أنه دُوّن باليونانية" (52).
ج: 1ــ هناك رأيان في علاقة إنجيل متى اليوناني بإنجيل متى الأرامي، الأول يرى أن الإنجيل اليوناني ترجمة للأرامي، والثاني يرى أن الإنجيل اليوناني نشأ أساسًا باللغة اليونانية, وفيما يلي نعرض لكلا الرأيين:
الرأي الأول: إنجيل متى اليوناني يُعد ترجمة لإنجيل متى الأرامي:
وهذا واضح من آراء النُقَّاد التي عرضنا لها في رأس السؤال، ومن أكثر المشجعين لهذا الرأي العالِم الألماني "ماير"، ويقول "الأب متى المسكين": "يرد على ذلك العالِم ماير بقوله... من الثابت علميًا وتقليديًا أن النسخة اليونانية لإنجيل القديس متى التي بين أيدينا اليوم هيَ نسخة مُترجَمة من الأصل العبري. ويؤكد هذا جميع الشواهد القديمة التي عثرنا عليها في شهادات الآباء القدامي. على أن النسخة اليونانية هيَ ترجمة طبق الأصل من العبري بحسب دراسات العلماء، والذي يثبت ذلك باليقين أن الكنيسة بدأت تستخدم النسخة اليونانية بنفس زمن قدم النسخة العبرية... وفهمنا جدًا شهادة القديس جيروم في ذلك لأنه كان يمتلك نسخة بالعبرية نسخها بيده من النسخة التي وجدها في سوريا، وكان يمتلك في نفس الوقت النسخة اليونانية، ولم يشر إطلاقًا إلى أي إختلاف بينهما، وقد أشار ق. جيروم في شرحه لإنجيل ق. متى إلى أن النسخة اليونانية هيَ ترجمة حرفيه من النسخة العبرية.
وقد قدَّم يوسابيوس شهادته في ذلك مؤكدًا صحة شهادة ق. جيروم. لذلك يشجب العالم الألماني ماير كل محاولة لجعل الترجمة اليونانية لإنجيل ق. متى بالعبرية ترجمة غير ملتزمة أو بحريّة، أو ذات إضافات... آخر شاهد لوجود إنجيل ق. متى الأصلي باللغة العبرية هو القديس جيروم كما وجده في مكتبة بامفيليوس في قيصرية" (53).
أما عن الذي قام بالترجمة، فيقول "روبرتسن" A. T. Robertson: " لا يوجد أي سبب حقيقي يمنع أن يكون ق. متى هو كاتب إنجيله باللغتين العبرية واليونانية" (54). بينما يرى البعض أن الذي قام بالترجمة شخص آخر مجهول، ولكن من الواضح أن الترجمة عمل مترجم واحد فقط وليس عدة أشخاص، والدليل على هذا الأسلوب الواحد أو النمط الواحد الذي ساد الإنجيل كله.
الرأي الثاني: إنجيل متى اليوناني ليس ترجمة لإنجيل متى الأرامي:
وأصحاب هذا الرأي يرون أن إنجيل متى اليوناني قد كُتِب باللغة اليونانية كما جاء في "مقدمة طبعة العهد الجديد اليسوعية" التي عرضنا لها في رأس السؤال، فأسلوب الإنجيل اليوناني يؤكد أنه ليس ترجمة عن الأرامية، والأدلة على ذلك:
(1) استخدم القديس متى في الإنجيل اليوناني مفردات يونانية لا تجد ما يقابلها في اللغة الأرامية، ويستثنى من هذا الإصحاحين الأول والثاني، فالأسلوب والمفردات مستخدمة في كلتا اللغتين اليونانية والأرامية.
(2) ضم الإنجيل اليوناني بعض الكلمات العبرية مثل: "عِمَّانُوئِيلَ الَّذِي تَفْسِيرُهُ اَللهُ مَعَنَا" (مت 1: 23) و" جُلْجُثَةُ وَهُوَ الْمُسَمَّى مَوْضِعَ الْجُمْجُمَةِ" (مت 27: 33).. إلخ. فلو كان الإنجيل اليوناني ترجمة عن العبري، فلماذا لم يُترجم المترجم مثل هذه الكلمات بل تركها باللغة العبرية؟!
(3) الاقتباسات التي جاءت في إنجيل متى اليوناني ليست جميعها اقتباسات من الأصل العبري مترجمة، بل في معظمها هيَ اقتباسات من النسخة السبعينية.
2ــ لا يوجد أي مانع أن القديس متى يكون كتب إنجيله مرتين، الأولى بالأرامية عند كرازته وسط شعبه في اليهودية، والثانية في أنطاكية باليونانية عندما اتجه للكرازة بين الأمم، وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": " فإنجيل متى – في الحقيقية – يعطي الإنطباع بأنه غير مترجم بل كُتب أصلًا في اليونانية، فهو أقل من عبريته – في الصياغة والفكر – من بعض الأسفار الأخرى في العهد الجديد، كسفر الرؤيا مثلًا. فليس من الصعب – عادة – اكتشاف أن كتابًا في اليونانية في ذلك العصر مُترجَم عن العبرية أو الأرامية أو غير مُترجَم. وواضح أن إنجيل متى قد كُتب أصلًا في اليونانية، من أشياء كثيرة، منها كيفية استخدامه للعهد القديم، فهو أحيانًا يستخدم الترجمة السبعينية. وأحيانًا أخرى يرجع إلى العبرية، ويظهر ذلك بوضوح في الأجزاء (12: 18 - 21، 13: 14، 15) حيث نجد أن الترجمة السبعينية كانت تكفي لتحقيق عرض البشير، لكنه – مع ذلك – يرجع إلى النص في العبرية، مع أنه يستخدم الترجمة السبعينية أينما يجدها وافية بالغرض" (55).
ويقول "الخوري بولس الفغالي": "في الواقع، أن إنجيل متى الذي بين أيدينا مطبوع بطابع مؤلّف يوناني بألفاظه... بأسلوبه اليوناني المنمَّق. كل هذا يدل على أن الإنجيل الذين بين أيدينا قد دُوّن في اليونانية، مستفيدًا ربما من متى الأرامي ومن مراجع أخرى لاسيما إنجيل مرقس"(56).
3ــ ما فعله القديس متى في كتابة إنجيله مرتين بالأرامية واليونانية لا يعتبر أمرًا فريدًا في التاريخ، بل أن المؤرخ اليهودي الشهير "يوسيفوس" الذي عاش في القرن الأول الميلادي وعاصر القديس متى وسقوط أورشليم وهدم الهيكل وتشتَّت شعبه كتب نسخة مبسطة عن "الحروب اليهودية" باللغة الأرامية، ثم عاد وكتب كتابه الشهير "حروب اليهود" باللغة اليونانية، وهو المعروف للآن، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. بينما ما كتبه باللغة الأرامية أُهمل وأختفى من الوجود.
_____
(50) نظرة في كتب العهد الجديد وعقائد النصرانية ط 2005م ص23، 24.
(51) الأسفار المقدَّسة في الأديان السابقة للإسلام ص86، 87.
(52) الكتاب المقدَّس - العهد الجديد - دار المشرق بيروت ص340.
(53) الإنجيل بحسب القديس متى ص27، 28.
(54) المرجع السابق ص29.
(55) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص455.
(56) دراسات بيبلية - 14 - إنجيل متى - بدايات الملكوت جـ 1 ص19.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/148.html
تقصير الرابط:
tak.la/nhtq6d8