س132: كيف تم اكتشاف كتب أبوكريفا التي كُتِبت في القرن الرابع الميلادي بالقرب من دير الأنباء باخوميوس في صعيد مصر؟
ج: ارتبطت كتب أبوكريفا بالاكتشاف الهام في صعيد مصر بالقرب من نجع حمادي، حيث تم اكتشاف مكتبة كاملة ضخمة من هذه الكتب، وربما يتساءل البعض: لماذا جاء آباؤنا بهذه الكتب المزيّفة المنحولة..؟! هل كانوا يعتنقون أفكارها..؟! هل كانوا يحتسبونها من الأسفار المقدَّسة..؟! كلاَّ، ولكن لأنهم كانوا مثقَّفن ومطلعين أتوا بهذه الكتب إلى مكتبة دير الأنبا باخوميوس حيث تُرجمت للغة القبطية بهدف دراستها وكشف ما فيها من زيفٍ وباطل، وقول البعض أن بعض الرهبان اعتنقوا الفكر الغنوسي، وأن الكنيسة كانت تحرق الكتب الغنوسية، لذلك أخفاها أحدهم في سفح الجبل، هو قول مستبعد لأننا لم نسمع عن تفشي الفكر الغنوسي في مصر، مثلما قرأنا مثلًا عن توغل الفكر الأريوسي، ولو وَجَدَ الفكر الغنوسي رواجًا بين رهبان الأنبا باخوميوس ما كانت الكنيسة ولا التاريخ يصمتان عن هذا، فالكنيسة لن تتقاعس عن مقاومته، والتاريخ لن يتردَّد في ذكره.
وأما قصة اكتشاف هذه المخطوطات فهيَ قصة مثيرة، إذ حفظتها الأرض في طياتها نحو ألف وستمائة عام، وعندما خرجت للنور كادت تُوقَد في أحد أفران الصعيد، ولكنها نجت من هذا الحريق، فوجدت طريقها للنور وتم ترجمتها ونشرها. كانت البداية في شهر ديسمبر 1945 م. عندما كان يتجوَّل "محمد علي السمان" وشقيقه "خليفة" في سفح الجبل يبحثون عن تربة تصلح كسباخ للأرض الزراعية، وهيَ تربة طرية غنية بالأكسجين، وعندما وجدوا ضالتهم عند سفح جبل الطارق شمال شرقي نجع حمادي بنحو عشرة كيلومترات، على الضفة الشرقية لنهر النيل، بالقرب من دير الأنبا باخوميوس قديمًا، وعندما أخذوا يغرفون منها عثروا على جرة خزفية ضخمة يصل ارتفاعها إلى نحو متر، وداعبتهما الأحلام أنهما أمام كنز عظيم، فضرب "محمد" الجرة بفأسه، فلم يجد فيها ذهبًا ولا فضة إنما وجد فيها ثلاثة عشر مخطوطة، كل منها على شكل كتاب Codex، وجميعها من ورق البردي، وكل منها ملفوفة في جلد مدبوغ، وقد كُتِبت بخط جميل، ولكن بفعل الزمن صارت بعض صفحاتها مشقَّقة وهشة، حتى أنها عندما خرجت للهواء الطلق تناثرت بعض صفحاتها في الهواء. حمل محمد علي السمان هذه المجلدات إلى قريته "حمرة دوم"، ووضعها بجوار الفرن لعل أمه تستخدمها في تغذية النيران كما فعل من قبل بمثل هذه الأوراق القديمة التي لم يدركوا قيمتها الأثرية.
وإذ كانت الشرطة تطارد محمد وإخوته لأنهم قتلوا ابن العمدة على سبيل الخطأ، إذ ظنوه "أحمد هوارة" الذي سبق وقتل أبيهم، لذلك خشى محمد من مداهمة الشرطة لمنزله واكتشاف هذه المخطوطات مما يجر عليه متاعب أكثر، لذلك أودعها لدى "القمص باسيليوس عبد المسيح" كاهن القرية، وعندما رآهـا شقيق زوجته "الأستاذ راغب أندراوس" مدرس التاريخ بمدرسة القرية أدرك قيمتها التاريخية، فأخذ مخطوطًا منه وسافر إلى صديقه "جورج صبحي" الذي يقيم في القاهرة ويجيد اللغة القبطية، وعندما اطلع عليه أدرك قيمته، فعرضوه على العالِم الفرنسي "إيتان دريتون" مدير المتحف المصري، فاشتراه منهم سنة 1946م بمبلغ مائتي وخمسين جنيهًا، وكان هذا المبلغ حينذاك يعتبر مبلغًا باهظًا للغاية، وتوالى بعد ذلك بيع هذه المخطوطات لتُجار الآثار بمبالغ ضخمة، في الوقت الذي تم فيه التوسع في التنقيب عن مخطوطات أخرى في ذات المنطقة، حتى أنهم عثروا على مائة وخمسة كهفًا ترجع إلى الأسرة الفرعونية السادسة نحو سنة 2300 ق. م، كما عاش فيها منذ نحو 1600 سنة بعض الرهبان النساك المتوحدين، وعثروا على العديد من المخطوطات القديمة. ونما خبر هذه المخطوطات الثلاثة عشر إلى مصلحة الآثار التابعة لوزارة المعارف التي يرأسها عميد الأدب العربي "الدكتور طه حسين" والتابعة لوزارة النحاس باشا الوفدية، ونجحت الحكومة المصرية في تتبع هذه المخطوطات حتى أنها أعادت أثنى عشر مخطوطة منها أودعتها المتحف القبطي، أما المخطوطة الثالثة عشر فقد أخذت طريقها خارج مصر، إذ بيعت إلى "معهد يونج" G. G. Jong Institute بمدينة زيوخ بسويسرا في مايو 1952م، وقد أهداها المعهد إلى العالِم النفسي الشهير "كارلز جوستاف يونج"، صديق سيجموند فرويد، بمناسبة عيد ميلاده، وبعد موت كارلز جوستاف استطاعت الحكومة المصرية اعادت هذه المخطوطة، وأُودعت مع إخوتها بالمتحف القبطي.
وقد كُتِبت هذه المخطوطات الثلاث عشر باللغة القبطية، عشرة منها كُتِبت باللهجة الصعيدية، والثلاثة الباقين باللهجة الأخميمية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وشملت هـذه المخطوطات (1125) صفحة (منها 796 صفحة حُفظت بالكامل) وضمت هذه المخطوطات (52) كتابًا من أناجيل ورؤى أبوكريفا، ويرجع تاريخ هذه المخطوطات للفترة من 350 - 400م، بعد أن تمت ترجمتها من اليونانية للقبطية. وفي سنة 1956م دعت الحكومة المصرية المهتمين بالمخطوطات في العالم لعقد مؤتمر في القاهرة للاطلاع على مخطوطات نجع حمادي ودراستها وترجمتها، ولكن حدث الاعتداء الثلاثي على مصر فتأجل المؤتمر إلى أجل غير مُسمَّى، وفي سنة 1961م دعت منظمة اليونسكو لعقد مؤتمر لدراسة هذه المخطوطات، وتم عمل صور فوتوغرافية للمخطوطات، ونُشِرت في مدينة لايدن الهولندية، ثم تكونت لجنة في الولايات المتحدة بقيادة "جيمس م. روبنسون" James M. Robinson لترجمة هذه المخطوطات من اللغة القبطية للغة الإنجليزية، وفعلًا تم الانتهاء من الترجمــة سنـة 1975م، وكتب "روبنسون" مقدمة لكل مخطوطة باللغتين الإنجليزية والعربية، ذكر فيها قصة اكتشاف المخطوطة وتاريخها ومحتوياتها، وفي سنة 1972م، صـدر المجلد الأول لهذه المخطوطات، وفي سنة 1977م صدر تسع مجلدات أخرى، وفي 1978م صدرت الترجمة الكاملة لمخطوطات نجع حمادي الثلاثة عشر. كما تُرجمت هذه المخطوطات للغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية. ومما يُذكر أيضًا أن "دكتور باهور لبيب" نشر سنة 1976م، في مصر (158) ورقة من مخطوطات نجع حمادي (راجع د. إبراهيم سالم الطرزي - أبوكريفا العهد الجديد - الكتاب الثاني ص 11، 12، وأحمد عثمان - الأصول المصرية في اليهودية والمسيحية ص 158 - 162، وفراس السواح - الوجه الآخر ليسوع).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/132.html
تقصير الرابط:
tak.la/nvdvq85