St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

120- ما هيَ أهمية ترجمات الأسفار المقدَّسة؟ وما هيَ أهم المعايير التي يجب مراعاتها عند ترجمتها؟ وما هيَ الأساليب المتبعة في الترجمات؟ وهل يعتبر الكتاب المقدَّس المُترجَم كلمة الله المُوحَى بها؟ وهل الروح القدس يساعد المُترجِم في عمله؟ وهل الترجمة تعتبر علم، أم أنها فن، أم أنها مستحيلة؟

 

س120: ما هيَ أهمية ترجمات الأسفار المقدَّسة؟ وما هيَ أهم المعايير التي يجب مراعاتها عند ترجمتها؟ وما هيَ الأساليب المتبعة في الترجمات؟ وهل يعتبر الكتاب المقدَّس المُترجَم كلمة الله المُوحَى بها؟ وهل الروح القدس يساعد المُترجِم في عمله؟ وهل الترجمة تعتبر علم، أم أنها فن، أم أنها مستحيلة؟

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أولًا: أهمية ترجمات الأسفار المقدَّسة
ثانيًا: أهم المعايير التي يجب مراعاتها عند ترجمة الأسفار المقدَّسة:
    1ــ الدقة
    2ــ الملائمة
    3ــ الطبيعية
    4ــ الشكل
 ثالثًا: أساليب الترجمة:
    1ــ الترجمة الحرفية
    2ــ الترجمة التفسيرية
    3ــ الترجمة الديناميكية
 رابعًا: هل الكتاب المقدَّس المُترجَم كلمة الله المُوحَى بها؟ وهل الروح القدس يساعد المترجم في عمله؟ وهل الترجمة تعتبر علم، أن أنها فن، أم أنها مستحيلة؟

 

ج: أولًا: أهمية ترجمات الأسفار المقدَّسة:

 ترجمة الأسفار المقدَّسة لكافة لغات العالم ضرورة ملحة، لأن الله يريد أن تصل كلمته لكل شعوب العالم، فهكذا أوصى تلاميذه الأطهار قائلًا: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ"(مت 28 : 19).. "اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا (مر 16 : 15)، فإن الله "يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ"(1تي 2 : 4)، وقد بذل ابنه من أجل العالم كله وليس من أجل شعب بعينه أو أمة بعينها (يو 3 : 16)، فكان من الطبيعي أن يُقدَّم الإنجيل لجميع الشعوب والأمم، كلٍ بلغته، وليس من المعقول أن جميع الشعوب تتعلم اليونانية لكيما تتعرف على الله، وبالطبع أن الله ليس أسيرًا للغة بعينها، لا يقبل أحدًا إلاَّ إذا تعلم هذه اللغة وأجادها، وكأن الله عاجز عن أن ينطق باللغات المختلفة، ولذلك فهو يصر على اليونانية، وكل من يريد أن يؤمن به، سواء كان عالِمًا أو إنسانًا بسيطًا، فعليه أن يجيد اليونانية، وبدون اليونانية يُغلَق الطريق للسماء... من يعقل هذا؟

  ولهذا شاءت نعمة الله أن تُترجَم أسفار العهد القديم من العبرية لليونانية، لغة العالم حينذاك، ولاقت هذه الترجمة السبعينية رواجًا عظيمًا، إذ فتحت نافذة ليهود الشتات نحو السماء، بل قرأتها الأمم أيضًا وأعجبوا بها، أما الكنيسة فقد تسلمتها كأرث سماوي تمسكت به، وأكملت عليه أسفار العهد الجديد التي كُتِبت جميعها بنفس اللغة اليونانية، وعندما أشرقت أنوار المسيحية على أرجاء العالم صارت هناك ضرورة مُلحة لترجمة الأسفار المقدَّسة للغات العالم المختلفة، ووقف وراء هذا العمل رجال أبطال طووا الليالي مع الأيام في جهد دؤوب ليقدموا كلمة الحياة لنفوس عطشى كاد الظمأ أن يقتلها، وعبَّر عن اشتياقات هؤلاء المترجمين "أراسموس" بقوله في مقدمة العهد الجديد اليوناني الذي نشره سنة 1516م: "أتمنى بأن تقوم ولو اضعف امرأة بقراءة الإنجيل – قراءة رسائل بولس. وأتمنى لو تُترجَم هذه الأسفار إلى كل اللغات، حتى يقرأه ويفهمه، ليس فقط الاسكتلنديون والايرلنديون، ولكن أيضًا الأتراك والمسلمون. والخطوة الأولى هيَ بالتأكيد أن يُفهم الإنجيل. قد يسخر منه الكثيرون، لكن البعض سيحبه وسيتبناه. أتمنى لو يغني الفلاح مقاطع منه وهو يحرث بالمحراث. وأن يدندن الحائك لحن كلماته مع لحن مكوكه، وأن يطرد المسافر بقصصه ملل رحلته"(877).

 ومنذ القرون الأولى تُرجم العهد الجديد للغات الشعوب المحيطة بفلسطين، أرض الآباء والوحي والأنبياء والرب يسوع والرسل، فتُرجِم إلى لغات جنوب فلسطين مثل القبطية والعربية والحبشية، ولغات الشمال الأرمنية والجورجية والسلافية، ولغة شرق فلسطين السريانية، ولغات الغرب اللاتينية والقوطية والإنجليزية، وفي الوقت الذي طُبع فيه الكتاب المقدَّس لأول مرة في تاريخ البشرية سنة 1456م كان قد تُرجِم إلى 33 لغة، وفي القرن السادس عشر وما بعده ترجم "مارتن لوثر" الكتاب المقدَّس للألمانية، و"وليم تندال" للإنجليزية، و "كاسيو دور دي رينا" للإسبانية، و "كاسبار كامودلي" للهنغارية لغة المجر، و "جدو فيريرا دي الميدا" للبرتغاليـة، و "بيير روبرت أوليفيتان" للفرنسية، و "هنري مارتن" للفارسية، و "وليم كاري" للبنغالية، و "روبرت موريسون" للصينية، و "أدونيرام جدسون" للغة بورما، ثم للغة التأميل وللغة اليابانية (راجع الدكتور القس عبد المسيح أسطفانوس - تقديم الكتاب المقدَّس - تاريخه / صحته / ترجماته ص 125).

 وفي سنة 1804م عندما بدأت "جمعيات الكتاب المقدَّس" نشاطها كان قد تُرجِم الكتاب المقدَّس إلى 67 لغة، وخلال القرن التاسع عشر بلغت الترجمات إلى 400 لغة، ومع نهاية القرن العشرين تُرجم العهد الجديد إلى 1324 لغة، وأجزاء من الكتاب المقدَّس إلى 1020 لغة، وأصبح الكتاب متاحًا لنحو 84% من سكان العالم، ومع ملاحظة أن اللغة الواحدة قد تجد فيها عدة ترجمات، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. كما هو في الإنجليزية، والعربية، ففي العربية تجد الترجمة البيروتية (فانديك)، واليسوعية، وكلمة الحياة، والترجمة العربية المشتركة، وترجمة الأناجيل للكنيسة القبطية... إلخ...

 

St-Takla.org Image: The Holy Bible book cover, with golden edges. صورة في موقع الأنبا تكلا: غلاف الكتاب المقدس، مع حواف ذهبية.

St-Takla.org Image: The Holy Bible book cover, with golden edges.

صورة في موقع الأنبا تكلا: غلاف الكتاب المقدس، مع حواف ذهبية.

ثانيًا: أهم المعايير التي يجب مراعاتها عند ترجمة الأسفار المقدَّسة:

 من أهم هذه المعايير ما يلي:

1ــ الدقة:

فالمُترجِم يتحرى الدقة حتى يصل إلى هدف وقصد الكاتب عبر ترجمته إلى القارئ، فعمل المُترجِم يُعتَبر امتداد لعمل الكاتب في وصول كلمة الله لشعوب الأرض، مع ملاحظة أن الوحي الإلهي قاصر على تدوّين الأسفار القانونية، أما الترجمة فهي جهد مبارك، ولذلك رغم الدقة المتناهية للمترجم فإن الترجمة قد يشوبها بعض الضعفات، ويظل الخط العام للمُترجِم الالتزام بهدف وقصد الكاتب بكل دقة وأمانة.

2ــ الملائمة:

فكلمات وتعبيرات وأسلوب المُترجِم هيَ انعكاس كامل لكلمات وتعبيرات وأسلوب الكاتب، فعلى المترجم أن يبحر في قلب وفكر الكاتب متفهمًا قصده وأهدافه، فالترجمة الأمينة هي صورة صادقة للأصل.

3ــ الطبيعية:

من يقرأ الترجمة يشعر بالطبيعية، وكأن السفر كُتب بهذه اللغة المُترجَم إليها، تجري الأحداث في سلاسة ويتميز الأسلوب بالجمال، بعيدًا عن المفردات المبهمة، والتركيبات النحوية الصعبة، والعبارات الغامضة، حتى أن الترجمة تبد وكأنها تحتاج إلى ترجمة أخرى لتصير مفهومة ومُدركة.

4ــ الشكل:

يحتفظ المترجم بقدر ما يستطيع بالشكل الذي وضعه الكاتب الأصلي، وفي نفس الوقت لا يخل بالشروط السابقة، الدقة والملائمة والطبيعية.

 

 ثالثًا: أساليب الترجمة:

هناك ثلاثة أساليب يتبع المُترجِم إحداها، وهذه الأساليب هيَ:

1ــ الترجمة الحرفية Literalist :

حيث يتحرى المُترجِم الأمانة الكاملة للنص، حتى تكاد تكون الترجمة كلمة بكلمة، فكل كلمة في الأصل يقابلها نفس الكلمة في اللغة المُترجَم إليها، فالمترجم يحافظ على ذات الألفاظ، وذات الصباغات اللغوية، حتى لو جار ذلك على وضوح المعنى وسلاسة الأسلوب، فمن أهم خصائص هذه الترجمة:

أ - كل كلمة في الأصل لها ما يقابلها في اللغة المُترجَم إليها.

ب - إبراز الكلمات التي أضافها المُترجِم بهدف إظهار وإيضاح المعنى، وليس لها ما يقابلها في الأصل.

جـ - الحفاظ على نفس الترتيب في الكلمات والعبارات.

 ومن هذه الترجمات التي التزمت الحرفية ترجمة "كينج جيمس" للإنجليزية KJV، والكتاب المقدَّس الأمريكي القياسي NASB، CEV، وترجمة فاندايك للعربية.

2ــ الترجمة التفسيرية:

وتُسمى أيضًا بالتكافؤ الشكلي Formal Equivalence كما تُعرَف أيضًا Paraphrase وتهتم بتوضيح وإبراز المعنى أكثـر من اهتمامها بالألفاظ، حتى لو جار ذلك على دقة الألفاظ، لأنها تسعى نحو تقديم مفهومًا واضحًا وسلسًا، ولهذا لم يجهد المترجم نفسه بمقابلة لفظة بلفظة وتركيب بتركيب مماثل، إنما يحاول دائمًا تحديث المفردات لتكون أكثر فهمًا وأكثر سلاسة، فيدعو المترجم السراج (مت 5 : 15) بالمصباح، و "الساعة الثالثة" (أع 2 : 15) بالساعة التاسعة صباحًا كما جاءت في ترجمة كلمة الحياة، ومن أمثلة هذا النوع من الترجمة ترجمة الأخبار السارة TEV، والترجمة الدولية الجديدة للقارئ NIRV.

3ــ الترجمة الديناميكية:

وتُسمى بالتكافؤ الميكانيكي Dynamic equivalence أو التكافؤ الوظيفي، وهيَ ترجمة متوازنة حيث يوازن المُترجِم بين الترجمة الحرفية والترجمة التفسيرية، فيهتم المُترجِم بتوضيح المعنى، وفي نفس الوقت يحاول الحفاظ على ذات الألفاظ والمفردات كلما أمكن ذلك، وأيضًا لا يغفل المُترجِم تحديث الأسلوب وقواعد اللغة، وبلا شك أن هذا النوع من الترجمة يستلزم جهدًا أكبر ووقتًا أطول، لأنه يمزج بين الطريقة الأولى الحرفية والطريقة الثانية التفسيرية.

 

 رابعًا: هل الكتاب المقدَّس المُترجَم كلمة الله المُوحَى بها؟ وهل الروح القدس يساعد المترجم في عمله؟ وهل الترجمة تعتبر علم، أن أنها فن، أم أنها مستحيلة؟

 يجيب على هذا التساؤل "ريموندل ل. ليوت"، فيقول: "ترجمة ووحي: هل الكتاب المقدَّس المُترجَم هو كلمة الله الموحى؟ نعم، طالما أن الترجمة تُنقل للقارئ ما قاد الله الكاتب أن يكتبه. كلاَّ، إن كانت الترجمة أخفقت في نقل المعنى الأصلي الذي نقله الله. يمكن للإخفاق في نقل المعنى أن يحدث بطرق مختلفة: يمكن للمرء أن يضيف إلى النسخة الأصلية أو يحذف منها شيئًا. يمكن أن يترجم ولكن ينقل كلامًا لا معنى له (مربكًا) أو معنى خاطئًا. كل الجهود في الترجمة معرضة لخطر ارتكاب أخطاء من كل نوع. وتعلمنا التجربة أنه حتى الترجمة المعيبة جزئيًا يمكن أن تنقل قدرًا كبيرًا من مضمون ما أعرب عنه الله في كتابات الكتاب المقدَّس الأصلية...

 هل الله يساعد المترجم اليوم من خلال الروح القدس؟ والجواب هو: بالتأكيد. نعم! هل هذا يضمن أن يخلو عمل المُترجِم من أي خطأ..؟ الخبرة تقول لا. وربما يُقال عن بعض المترجمين أنهم "مسوقين" بالروح القدس أكثر من غيرهم إلى حد أنهم قادرون أكثر على الشعور بنبضات الروح القدس التوجيهية. أنا أُفضّل أن أقول أن بعض الترجمات تعكس رسالة الله بأكثر دقة وملاءمة من ترجمات أخرى...

 ويقول البعض أن الترجمة هيَ علم: والبعض أنها فن. والبعض الآخَر يقولون أنها مستحيلة "كل من هذه التصريحات صحيح جزئيًا. إذا أهملنا العلم لن نعرف المحتوى والأسلوب اللذين قصدت الوثائق المصدرية أن تعبر عنهما. كما أننا لن نعرف ما الشكل المناسب الذي يجب أن نستخدمه في اللغة المستقبلة للتعبير عن نفس المحتوى والقصد. إذا أهملنا الفن نفشل في معرفة مواقف الكتاب ونكون غير قادرين في الترجمة على المزج ما بين محتوى وإحساس المقطع بطريقة مناسبة. قد تكـون لدينــا "الكلمات" ولكننا نفتقد إلى "الموسيقى".

 ولا يمكن للعلم أن يكون بديلًا للفن، ولا الفن بديلًا للعلم، ولكنهما رفيقان ممتازان ووجودهما حاسم.

 الترجمة مستحيلة إذا كان بمعنى أن نطابق نسبة الصوت، والنحو، والمعنى في اللغة المصدر بشكل مقبول في أية لغة مستقبِلَة. لكن من ناحية أخرى تكون الترجمة ممكنة تمامًا إذا كنا نحاول في الترجمة أن نعرض مضمون الوثيقة المصدر بشكل يُظهِر للقارئ التأثير الكامل وقصد الكاتب. هذا يتطلب من المُترجِم أن يحمل على عاتقه كل الموارد الفنية والعلمية الممكنة. واثقًا أن الروح القدس سيرشده إلى طريقة استخدامها"(878).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(877) أورده ف. ف. بروس - قصة الكتاب المقدَّس ص 221.

 (878) قصة الكتاب المقدَّس ص 192.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/120.html

تقصير الرابط:
tak.la/ch7cdjn