St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

104- هل فلسف بولس الرسول موضوع الصلب لأن الأمم لا يقبلون فضيحة الصليب؟ وما هو الفكر اللاهوتي لبولس الرسول في قضية الصليب؟ وهل الصليب يُعبّر عن محبة الله للإنسان، أم أنه يُعبّر عن غضبه على الإنسان الذي تلوث بالخطية؟ وهل نتيجة الصليب حوَّلت غضب الله إلى محبة؟

 

س104 : هل فلسف بولس الرسول موضوع الصلب لأن الأمم لا يقبلون فضيحة الصليب؟ وما هو الفكر اللاهوتي لبولس الرسول في قضية الصليب؟ وهل الصليب يُعبّر عن محبة الله للإنسان، أم أنه يُعبّر عن غضبه على الإنسان الذي تلوث بالخطية؟ وهل نتيجة الصليب حوَّلت غضب الله إلى محبة؟

 يقول "شارل جينيبير" أن بولس الرسول قدم السيد المسيح للأمم: "على أنه مبعوث الله حقيقة، أُرسل ليحمل إلى الناس جميعًا "الخلاص" واليقين بحياة أخرى سعيدة... ورأى بولس بوضوح أيضًا: أن الأتباع الجدد من المشركين (الأمم) لم يكونوا ليتقبلوا كل القبول "فضيحة الصليب"، وأنه يجب تفسير ميتة عيسى المشينة... تفسيرًا مرضيًا يجعل منها واقعة ذات مغزى ديني عميق، وأعمل الحواري (بولس) فكره في هذه المشكلة المزدوجة وذلك بطبيعة الحال حسب الاتجاه الذي رسمه له مجتمع المهجر "الهيلينستي".. لقد تجاهل فكرة "عيسى الناصري" التي أُغرم بها الأثنا عشر، ولم يتجه إلاَّ إلى "عيسى المصلوب" فتصوَّره شخصية إلهيَّة تسبق العالم نفسه في الوجود، وتمثل نوعًا من التشخيص لروح إله، فصوَّره "رجلًا... رجلًا سماويًّا" احتفظ به الله إلى جانبه أمدًا طويلًا، حتى نزل إلى الأرض لينشئ فيها حتمًا بشرية جديدة يكون هو "آدمها". وقد عثر الحواري (بولس) على العناصر الجوهرية لكل هذه التركيبات الفكرية في مجموعة معينة من التصوُّرات المعتادة في "الأسرار".. وأن النصوص التي تلقى اليوم أقوى الأضواء على العقيدة المسيحية لبولس... لهي النصوص "الباطنية" أي المأخوذة من "الأسرار نفسها.." (766).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أولًا: هرطقات جينيبير
ثانيًا: فكر بولس الرسول اللاهوتي تجاه قضية الصليب
ثالثًا: هل الصليب يعبر عن محبة الله للإنسان أم أنه يعبر عن غضبه على الإنسان الذي تلوث بالخطية؟
رابعًا: هل تحوَّل غضب الله بذبيحة الصليب إلى محبة؟

 

 ج : أولًا: هرطقات جينيبير:

هذه الفقرة التي كتبها شارل جينيبير حوت العديد من البدع والهرطقات والاتهامات الباطلة، نذكر منها باختصار شديد:

1ــ استنكر جينيبير أن يكون المسيح مُرسَلًا من الله لأجل خلاص البشرية، وتقديم حياة سعيدة للإنسان، والحقيقة أن العهد الجديد بجميع أسفاره قد أوضح تمامًا أن الهدف الأول من التجسد الإلهي فداء الإنسان، وتقديم الخلاص له من حكـم الموت الذي أحكم قبضته عليه، فقد كانت الوصية واضحة وصريحة وبسيطة: " وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ" (تك 2 : 17) وأكل الإنسان فوقع في براثن الموت، ومن يستطيع أن يخلصه..؟! لا نبي ولا ملاك ولا رئيس ملائكة بقادر على خلاصه، فكان لا بد من التجسد الإلهي، وأن يأتي إلينا الخالق ليصلح أو قل ليخلق جبلتنا من جديد، ولا بد أن يأتي الراعي الصَّالح الذي قال عن نفسه: " أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ" (يو 10 : 11).. كان لا بد أن يأتي المسيح ليفدينا ويخلصنا وينقذنا، ويكفّر عن خطايانا، ويموت نيابة عنا، ويصالحنا مع الآب". هذه هيَ الحقيقة التي عاشتها الكنيسة الأولى ولم تكن وليدة فكر بولس أو غيره من البشر، إنما هو الخلاص الذي صنعه الرب يسوع الذي جاء لكيما يهبنا حياة سعيدة وقال: " وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ" (يو 10 : 10).

2ــ قال الناقد أن المشركين (الأمم) لم يكونوا ليتقبلوا "فضيحة الصليب" فكان على بولس تقديم تفسير لميتة يسوع المشينة، ومَن يقرأ رسائل بولس الرسول لا يشعر على الإطلاق أن بولس كان يضيق ذرعًا بالصليب، إنما أحب الصليب حتى صار موضع افتخاره، يكفي النظر إلى بعض ما قاله في رسالة واحدة عنه:

† " الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِ خَطَايَانَا" (غل 1 : 4).

† " مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ" (غل 2 : 20).

† " أَنْتُمُ الَّذِينَ أَمَامَ عُيُونِكُمْ قَدْ رُسِمَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ بَيْنَكُمْ مَصْلُوبًا" (غل 3 : 1).

† " اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ" (غل 3 : 13).

† " وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ" (غل 6 : 14).

3ــ قال الناقد أن بولس الرسول جعل للصليب مغزى ديني عميق بحسب ما أملاه عليه المجتمع الهيلينستي، والحقيقة أن المجتمع اليوناني الروماني بجميع المقاييس كان ينظر للصليب مهما كان مغزاه نظرة كراهية وازدراء فهو يمثل أشنع وسيلة للإعدام عرفها ذاك العصر، والخزي والعار يلحقان بالمصلوب وأهله ونسله، فقد أُعد للعبيد الثائرين، ولعتاة المجرمين، والبرابرة أي مَن هم ليسوا رومانيين، أما كل من كان يحمل الجنسية الرومانية فكان في مأمن من عذاب وموت الصليب. قال "شيشرون" خطيب روما الشهير عن عقوبة الصليب: "هيَ من أخس وأقسى العقوبات، وكان لا يُنفَّذ (الصلب) إلاَّ في أشر المجرمين وألد الأعداء، ولذلك لكي تطول مدة عذابهم. لذلك كان كل مَن يُصلَب من البشر يتمنى الموت بأقصى سرعة، لكن هيهات أن تتحقق أمنيته، ومن ثم كان يرزح تحت آلامه المبرحة يومًا أو أكثر من يوم، حتى يقبل عليه الموت وينقذه" (767). كما قال "شيشرون": "يجب ألا ترد كلمة الصليب على شفاه مواطني روما، بل يجب ألاَّ تخطر على بالهم، أو تمر أمام عيون خيالهم، أو تطرق مسامعهم"(768). وأيضًا قال "شيشرون": "يجب أن يبعد الصالب واسم الصليب ليس فقط من أجساد الرومانيين، بل من أفكارهم وأعينهم وأذانهم. لأن كل هذه الأشياء ليس وقوعها فقط بل إمكان وقوعها وانتظاره وذكــره مما يعيـب كل روماني وحر" (769).

4ـــ أنكر الناقد أن يسوع المسيح هو ابن الله المتجسد من أجل خلاص البشرية، بل قال أن بولس الرسول قد تصوَّره شخصية إلهيَّة تسبق العالم في الوجود، وبذلك أنكر أزلية الابن الكلمة المولود من الآب منذ الأزل " وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ" (مي 5 : 2)، الذي قال عنه الإنجيل: " فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ" (يو 1 : 1).

5ــ قال الناقد أن بولس الرسول تصوَّر يسوع المسيح روح إله تصوَّرت "رجلًا... رجلًا سماويًا"، وقول الناقد روح "إله" ينم عن أن هناك العديد من الآلهة، وحتى لو كان يقصد إله واحد، فقوله "روح" ينم عن أن هناك عدة أرواح لهذا الإله، والحقيقة أن روح الله هو واحد، هو الروح القدس، الأقنوم الثالث في الثالوث القدوس، بينما يسوع المسيح هو الأقنوم الثاني في الثالوث القدوس. نحن نؤمن بإله واحد الآب والابن والروح القدس، الآب في الابن والابن في الآب، والروح القدس هو روح الآب والابن، أقانيم ثلاثة في جوهر إلهي واحد، كيان إلهي واحد، طبيعة إلهيَّة واحدة، أما الناقد فقد خلط الأمور معًا، فصوَّر يسوع المسيح على أنه روح إله تصوّرت في شكل رجلًا سماويًّا.

6ــ قال الناقد أن الله أحتفظ بيسوع إلى جانبه أمدًا طويلًا حتى نزل يسوع إلى الأرض لينشئ بشرية جديدة هو آدمها الثاني، وبهذا أعتبر يسوع المسيح شخصًا آخر ليس من كيان الله، منكرًا ألوهية المسيح كما سبق وأنكر أزليته، ولم يلتفت إلى قول الإنجيل: " عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" (1تي 3 : 16).

7ــ اتهم الناقد بولس الرسول بأنه استقى أفكاره من "الأسرار"، وأن النصوص التي تُلقي الأضواء على العقيدة المسيحية لبولس هيَ مستمدة من "الأسرار"، وقصد بالأسرار العبادات الوثنية. والكل يعرف أنه شتان بين المسيحية وعقائدها وبين الديانات الوثنية الشيطانية بعقائدها، في المسيحية تجد التوحيد واضحًا كالشمس بينما في الوثنية تلتقي بتعدد الآلهة، كل إله له قوته المحدودة وكيانه المحدود المستقل عن بقية الآلهة، وهذه الآلهة كما تصوَّرها الوثنيون تتزاوج وتتناسل، وتأكل وتشرب وتلعب وتلهو وتتصارع وتتناحر، وارتبطت العبادات الوثنية بالانحطاط الخُلقي والعهر المقدَّس والسحر والعرافة ومخاطبة الأرواح والذبائح البشرية، تلك الأمور التي جلبت الغضب الإلهي على تلك الشعوب، وفي الوثنية خُلق الإنسان ليحمل عبء العمل عن الآلهة الصغار، أما في المسيحية فالإنسان هو نتاج المحبة الإلهيَّة، فالله أحب الإنسان قبل أن يوجد، فأوجده من العدم بعد أن جهز له كل شيء، وأخضع كل شيء تحت قدميه وأقامه ملكًا للخليقة، وعندما سقط بغواية الحيَّة تجسد وصُلب ومات وفداه ورفع عنه حكم الموت وأطلقه للحرية ليحلق تجاه الملكوت... إلخ...

 

St-Takla.org Image: Jesus the Savior of the world over the cross - Debre Berhan Silassie Church, Gonder - From St-Takla.org's Ethiopia visit - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008. صورة في موقع الأنبا تكلا: يسوع مخلص العالم على الصليب - من ألبوم صور كنيسة ديبرا بيرهان سيلاسي، جوندر، الحبشة - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، من رحلة موقع الأنبا تكلا إلى إثيوبيا، إبريل - يونيو 2008.

St-Takla.org Image: Jesus the Savior of the world over the cross - Debre Berhan Silassie Church, Gonder - From St-Takla.org's Ethiopia visit - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008.

صورة في موقع الأنبا تكلا: يسوع مخلص العالم على الصليب - من ألبوم صور كنيسة ديبرا بيرهان سيلاسي، جوندر، الحبشة - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، من رحلة موقع الأنبا تكلا إلى إثيوبيا، إبريل - يونيو 2008.

 ثانيًا: فكر بولس الرسول اللاهوتي تجاه قضية الصليب:

 موت المسيح بالصليب حمل أسمى المعاني في الفكر اللاهوتي لبولس الرسول، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وهذه المعاني تتوافق تمامًا مع روح الإنجيل، ونذكر هنا القليل:

1ــ الفداء: بالصليب صنع الرب يسوع فداءً عظيمًا للبشرية، فداء مجاني:

 † " مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (رو 3 : 24).

 † " الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ" (1تي 2 : 6).

 † " الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ" (تي 2 : 14).

 وهذا ما سبق وأوضحه الرب يسوع عندما قال: " كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ" (مت 20 : 28)، وهذا ما أكد عليه بطرس الرسول: "عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى. بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ دَمِ الْمَسِيحِ" (1بط 1 : 18، 19).

 الكفارة: بالصليب كفر ابن الله عن خطايا البشرية في كل زمان ومكان، فقال بولس الرسول: "الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ" (رو 3 : 25). وفي هذا يتفق مع قول يوحنا الحبيب: "وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا" (1يو 2 : 2).. "بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ... أَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا" (1يو 4 : 9، 10).

3ــ البدل والنيابة: لم يكن موت المسيح لأي خطية أرتكبها، فهو القدوس البار الذي " لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً" (2كو 5 : 21)، إنما هو حمل خطايانا في جسده فمات بدلًا ونيابة عنا، وهذا ما أوضحه بولس الرسول: "وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ... لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً خَطِيَّةً لأَجْلِنَا لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ" (2كو 5 : 15، 21) ومعنى "جَعَلَ" هنا أي "حسب"، فالسيد المسيح حُسِب كأثيم لأنه حمل آثامنا وخطايانا واللعنة الواقعة علينا.

4ــ المصالحة: بالصليب صالح الله البشر مع الله:

" لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ. وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا بِاللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي نِلْنَا بِهِ الآنَ الْمُصَالَحَةَ" (رو 5 : 10، 11).

" وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ. أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَة... نَطْلُبُ عَــنِ الْمَسِيحِ تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ" (2كو 5 : 18 - 20). (راجع أيضًا أف 2 : 15، 16، كو 1 : 21، 22).

  وفي هذا يتفق تمامًا مع قول الرب يسوع: "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ" (يو 3 : 16، 17).. "لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ النَّاسِ بَلْ لِيُخَلِّصَ" (لو 9 : 56).

5ــ الحرية: بالصليب أطلقنا السيد المسيح من العبودية المُرة إلى حرية مجد أولاد الله:

" إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ... لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ" (رو 8 : 1، 2).

" فَاثْبُتُوا إِذًا فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا" (غل 5 : 1).

 وهذا يتوافق مع قول الرب يسوع: " فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا" (يو 8 : 36).

6ــ المعمودية: رأى بولس الرسول في المعمودية أنها موت وقيامة مع المسيح المصلوب القائم:

"أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ" (رو 6 : 3).

"فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ بِمَجْدِ الآبِ هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ" (رو 6 : 4).

"مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ"(كو 2 : 12).

"لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ" (غل 3 : 27).

 وهذا يتوافق تمامًا مع الفكر الإنجيلي، كما هو واضح في لقاء الرب يسوع مع نيقوديموس (يو 3 : 3 - 6)، ومن تتميم الرسل لسر العماد المقدَّس في يوم الخمسين (أع 2 : 38)، وتعميد بولس الرسول لسجان فيلبي وأهل بيته (أع 16 : 33).

 

 ثالثًا: هل الصليب يعبر عن محبة الله للإنسان أم أنه يعبر عن غضبه على الإنسان الذي تلوث بالخطية؟

 الصليب هو ثمرة محبة الله للإنسان، وهذا ما أكده الرب يسوع: "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ" (يو 3 : 16) وهذا ما أدركه بولس الرسول فقال: "لأَنَّ الْمَسِيحَ إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ... وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا"(رو 5 : 6، 8)، وهذا ما أدركه يوحنا الحبيب أيضًا: "بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ" (1يو 4 : 9).

 وما عاناه السيد المسيح من آلام مبرحة لا يُعبَر عنها على الصليب تُظهر بشاعة الخطية وعقوبتها المُرة، فالعذابات التي لحقت بالمصلوب تعبر عن غضب الله القدوس على الخطية التي حملها السيد المسيح عنا، حتى قال بولس الرسول: " اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ" (رو 8 : 32).. "لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً خَطِيَّةً لأَجْلِنَا" (2كو 5 : 21).. إذًا ذبيحة الصليب هيَ كمال الإعلان عن الحب الإلهي للإنسان، وكمال الإعلان عن غضب الله على الشر والخطية والإثم.

 

 رابعًا: هل تحوَّل غضب الله بذبيحة الصليب إلى محبة؟

 هذا فكر خاطئ، لأنه يصوّر الله وكأنه لم يكن إلهًا محبًا ثم صار إلهًا محبًا بعد ذبيحة الصليب، ويتغافل هذا الفكر أن: "اَللهُ مَحَبَّةٌ وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ" (1يو 4 : 16)، فالله محبة دائمًا وأبدًا، كان محبًا قبل ذبيحة الصليب، ولهذا ارتضى أن يبذل ابنه من أجل خلاص الإنسان، وصورة إبراهيم وهو يقدم ابنه وحيده ذبيحة على مذبح الطاعة ما هيَ إلاَّ صورة مصغَّرة جدًا لما بذله الآب من أجلنا. ويقول "الدكتور القس فهيم عزيز": " فإذا كان الصليب هو إعلان المحبة: محبة الله الآب ومحبة الابن فكيف نوفق بين هذا وبين أنه إعلان غضب الله؟ هنا يجب أن نحذر من الخطأ الوثني الذي يقع فيه بعض المفسرين وهو أن غضب الله تحوَّل إلى محبة بواسطة المسيح... هذا خطأ وتجديف، لأن محبة الله للجنس البشري هيَ عمل أولي وأساسي في عمله الفدائي، والرسول بولس يؤكد ذلك، بل هو اعتراف الكنيسة كلها والعهد الجديد كله، فالله لم يصبح إلهًا محبًا بعد موت المسيح ولكنه الآب المحب الذي لأجل محبته ولإظهار هذه المحبة بذل ابنه لأجل الخطاة. ولكن في نفس الوقت الذي فيه يريد الله في محبته أن يفتدي الخطاة يجب أن يكون في توافق تام مع طبيعته القدوسة فلا ينكر بره وقداسته... وهكذا يصبح موت المسيح إعلانًا لمحبة الله وغضبه، لرحمته وبره، أنها إعلان الله نفسه وهو صادق مع نفسه"(770).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

 (766) تقديم الإمام عبد الحليم محمود - المسيحية نشأتها وتطورها ص 134، 135.

 (767) أورده عوض سمعان - كفارة المسيح ص 149.

(768) أورده جوش مكدويل - برهان يتطلب قرارًا ص 243.

(769) أورده القس شنوده حنا - الصليب ص 24.

(770) الفكر اللاهوتي في كتابات الرسول بولس ص 167، 168.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/104.html

تقصير الرابط:
tak.la/z946grp