ج: 1- أوصى الله شعبه قائلًا " متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها وطرد شعوبًا كثيرة... ودفعهم الرب إلهك أمامك وضربتهم فإنك تحرّمهم. لا تقطع لهم عهدًا ولا تشفق عليهم" (تث 7: 1، 2) فقد أوصى الله شعبه لكيما يعيش شعبًا مقدَّسًا لا بُد أن يقضي على تلك الشعوب التي توغلت في الشر، ووصلت إلى مرحلة اللاعودة، وصعد شرها إلى عنان السماء، ولكن بعد أن دخل بنو إسرائيل أرض الموعد، وهزموا جيوشًا مدَّربة على القتال، وقتلوا ملوكًا عظماء، وامتلكوا أجزاء من الأرض، تقاعسوا عن امتلاك بقية الأرض، ولأن الله يقدّس الحرية الشخصية لذلك لم يرغمهم على إتمام مشيئته، بل تركهم لأهوائهم، فهادنوا شعوب الأرض، وتصاهروا معهم، وعبدوا آلهتهم، وسقطوا في خطاياهم، فتخلى عنهم الله، حتى قهرتهم تلك الشعوب وطردتهم إلى الجبال والكهوف، وقال الله " فأنا أيضًا لا أعود أطرد إنسانًا من أمامهم من الأمم الذين تركهم يشوع عند موته" (قض 2: 21).
2- ترك الله الأمم في أرض كنعان ولم يطردهم من أمام شعبه للأسباب الآتية (مع ملاحظة أن ليس هناك سببًا يناقض الآخر):
أ - كعقوبة لبني إسرائيل بسبب تقاعسهم من امتلاك الأرض التي وهبهم إياها، وتركهم لهذه الشعوب الذي صدر عليها حكم العدل الإلهي بفناءهم، بل تخالطوا معهم وعبدوا أصنامهم، وقدموا لهذه الأصنام أطفالهم ذبائح بشرية.
ب- لامتحان واختبار أمانة بني إسرائيل كقول الرب " فأنا أيضًا لا أعود أطرد إنسانًا من أمامهم... لكي أمتحن بهم إسرائيل أيحفظون طريق الرب" (قض 2: 21، 22).. " فهؤلاء هم الأمم الذين تركهم الرب ليمتحن بهم إسرائيل" (قض 3: 1) فطالما أن بني إسرائيل أمناء لإلههم، فهو يحفظهم بقوته، ولا تقوى عليهم تلك الشعوب، ولكن عندما يسلكون حسب أهوائهم يتخلى عنهم ويتركهم للأمم يؤدبونهم، ويقول " الأب دانيال": "ترك الأمم لا لينزع سلام الشعب ولا يصيبهم ضرر، إنما لعلمه أن في هذا خيرهم. فإذ يضايقهم الأمم بالهجوم يشعرون باحتياجاتهم إلى العناية الإلهيَّة"(1).
جـ- أقام شعب إسرائيل في منطقة كنعان وتخللته الشعوب المعادية أصحاب الأرض الذين يتحينون الفرصة لاسترداد أراضيهم والانتقام من ذلك الشعب الإسرائيلي، في الوقت الذي كان فيه الجيل الجديد الذي وُلِد في أرض الموعد عديم الخبرة بفنون الحرب، فلهذا أبقى الله هذه الشعوب " إنما لمعرفة أجيال بني إسرائيل لتعليمهم الحرب. الذين لم يعرفوها قبل" (قض 3: 2) فقد أبقى الله هذه الشعوب ليتعلم بنو إسرائيل الحرب، فيستطيعون الدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم وأراضيهم، ويكونوا شعبًا قويًا متماسكًا له مكانته بين الشعوب، ولا يتعرضون للانقراض.
د - كان من الضروري أن يتعلَّم هذا الشعب كيف تكون الحروب، لأن بيئة ذلك الزمان لم تخلو من الحروب والغزوات، فالحروب والغزوات كانت أمور متعارف عليها في ذلك الزمان بين الشعوب والقبائل، فكان لا بُد لهذا الشعب أن يكون لديه رجاله المدربون على الدفاع عنه، ولا نتعجب فمنذ عصر قريب كان هذا هو سلوك الأمم العظمى التي فرضت سيطرتها على الشعوب الضعيفة، فالشمس لم تكن تغرب مثلًا عن الأراضي التي فرضت الإمبراطورية البريطانية سطوتها عليها، حتى وصلت إلى الهند والصين وأمريكا، ومنذ عدة سنوات بين ليلة وضحاها ابتلع " صدام حسين " دولة الكويت محتجًا بأنها جزء من أرض العراق، ولولا وقفة العالم الحر ضده ما كان هناك وجود للكويت اليوم.
_____
(1) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير سفر القضاة ص 32، 33.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/990.html
تقصير الرابط:
tak.la/x9ww5p5