ويرى " الخوري بولس الفغالي " أن ما سجله سفر يشوع بخصوص هذا الأمر، هو في الحقيقة كان مجرد شعر تنشده الصبايا، وأن ضربة البَرَد جاءت مصادفة، أما وقوف الشمس فهو مجرد نشيد اقتبسه الكاتب من سفر ياشر، فيقول " نتساءل: أما نحن أمام شعر كانت تنشده الصبايا عند المساء؟ فلماذا إذًا نقرأه وكأنه واقع من التاريخ؟ في عُرف الكاتب الملهم، تمت الحرب على يد الله الذي أنزل البَرَد حجارة على أعداء يشوع فهلك من هلك وهرب من هرب، فانتصر بنو إسرائيل. إن النواة التاريخية لهذا الحدث هي حرب وقعت بين يشوع وحلفائه أهل جبعون، من جهة، والملوك الخمسة من جهة أخرى، فانتصر رجال يشوع وحلفاؤهم. غير أن الكاتب المُلهَم أراد أن يضخم عمل الله من أجل شعبه، فضخم دور البَرَد وحسب هذه المصادفة تدخلًا عجيبًا من قبل الله. أما نشيد الشمس فهو شعر ملحمي أقحمه الكاتب في الخبر فحسبناه قسمًا منه. ولكن لماذا الحاجة إلى نهار طويل بعد أن زحف يشوع على الأعداء بغتة عند طلوع الفجر فضربهم ضربة عظيمة وهزمهم؟"(1)(2).
وأورد " زينون كوسيدوفسكي " بعض الافتراضات لتفسير هذا الحدث فقال " واحدة (من هذه الافتراضات) كان لها في زمنها أكبر عدد من الأنصار والمؤيدين: إنها تخلص إلى أن غيمة كبيرة تحمل بَرَدًا، أدت إلى ظلمة قاتمة، وفجأة برزت الشمس التي اختفت وراء الأفق من وراء الغيمة، فشكَّل لمعان أشعتها في قبة السماء المكفهرة نوعًا من النور الفجائي. استغل الإسرائيليون الضوء الفجائي ليقضوا نهائيًا على الكنعانيين"(3).
وقال آخرون أن اليوم لم يطل ولكن لشدة الحرب وعظم الانتصارات على العدو بدأ وكأن اليوم قد طال بمقدار يومين.
ج: 1- التشكيك في المعجزات الكتابية التي ذكرها الكتاب المقدَّس بعهديه القديم والجديد، لأنها تدخل في نطاق الإعجاز الذي يفوق العقل، يقودنا إلى الشك في كل ما جاء بالكتاب المقدَّس، وإن كان مجرد تشكيك هيئة المحكمة في جزئية من القضية يفسد القضية بالكامل، في بالك في التشكيك في المعجزات الكتابية، بالإدعاء بأنها أمور عادية ولكن معاصروها عجزوا عن تفسيرها... ألاَّ يقودنا هذا للشك في الكتاب كله؟! أليس هذا هو هدف عدو الخير أولًا وآخرًا..؟!! لقد درسنا من قبل موضوع المعجزات الكتابية، وقمنا بالرد المستفيض على من ينكرونها(4).
2- يقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس": "أن القرائن تفيد أن ما طلبه يشوع كان إجراء معجزة تتعلق بالشمس والقمر حقيقة، وكان قصده من المعجزة:
(أ) أن يطول النهار حتى يتمم عمله في محاربة الأعداء وطردهم.
(ب) أن يدعم إيمان شعبه، بدليل أن الوحي يقول أنه كلم الرب (أمام بني إسرائيل).
(جـ) ولكي يعطي الشعوب الأخرى درسًا في معرفة الرب وفي مخافته، فترى كيف استجاب الرب لدعاء يشوع وجعل الشمس والقمر يطيعانه بأمر الرب، وربما كان بعض هذه الشعوب تتعبد للشمس والقمر، واستمرارهما ساطعين بصلاة يشوع يبرهن لهذه الشعوب أن يهوه هو الإله الحقيقي الذي له السلطان على كل آلهتهم"(5).
3- يقول " هنري م. موريس": "فلم تعجل الشمس للغروب نحو يوم كامل لكي تعطي بني إسرائيل الوقت الكافي لهزيمة الأموريين تمامًا قبل حلول الظلام، والثانية إرسال عاصفة البَرَد والتي ربما كان لها هدفان، الأول: تخفيف حدة الحرارة على جيش يشوع، والثاني: إبادة أكبر عدد من جنود الأموريين. فإذا أردنا أن نفسر هذه العاصفة علميًا، فمن المرجح أن هذه العاصفة كانت نتيجة عوامل جوية ناجمة عن بطء حركة دوران الأرض. ومن الواضح أننا لم نسمع قط عن يومٍ مثل هذا اليوم حيث يقول الكتاب أنه لم ولن يكون مثل هذا اليوم. فالقول بأن القصة غير حقيقية هو نوع من ضيق الأفق لأننا بذلك نُشكّك في قدرة الله على إيقاف حركة دوران الأرض حول محورها، أو استخدام قوانين أخرى غير معروفة لدينا حتى الآن. فمثلًا قانون الجاذبية الأرضية التي تشدنا إلى الأرض، وقانون الطرد المركزي الذي يتولد من دوران الأرض بسرعة فتنشأ عن ذلك قوة لطرد كل ما على الكرة الأرضية إلى القضاء. هذان القانونان متعادلان تمامًا بكل دقة، ونتيجة لذلك نجد أن الحياة على الأرض مستمرة الآن بطريقة طبيعية جدًا، فلا أحد يشعر بأثر الجاذبية ولا بأثر قوة الطرد المركزي، لأن كليهما يلاشي أثر الثاني تمامًا. ومن ثمَّ فإن هذين القانونين سوف يستمران قائمين إلى اليوم الأخير...
فإذا حدث واقعة كهذه، فأنه لا بُد أن يكون جميع البشر على سطح الكرة الأرضية قد شعروا بها وتكون آثارهم قد سجلت شيئًا عنها، وعادة فإن مثل هذه التسجيلات تتوارثها الشعوب على صورة أساطير، وهذا ما حدث بالفعل، وعلى سبيل المثال يصف لنا " ت. ر. دون"(6) روايات عن يوم طويل مشابه في تراتيل (ترانيم) أورفيس، وهي من أساطير الهندوس والبوذيين والصينيين وأهالي المكسيك القدامى وغيرهم في شتى أنحاء الأرض. وبعد ذلك، بدلًا أن يقر بصحة ما كُتب عن هذا اليوم في الكتاب المقدَّس، نجده يصل إلى استنتاج مريب فحواه أن روايات الكتاب المقدَّس إنما هي مستمدة من مثل هذه الأساطير. وأيضًا يوري لنا " م. وسترلنج " أسطورة من بين أكثر الأساطير انتشارًا بين قبائل الهنود الحمر، هي سرقة الشمس لمدة يوم كامل، بل أن "هيروديت" المؤرخ اليوناني العظيم يذكر أن بعض الكهنة المصريين أطلعوه على وثائق عن مثل هذا اليوم... وقد جمع " دكتور فيليكونسكي " عددًا من الأدلة المقنعة عن أساطير عدد من الشعوب، فظهر أن هذا اليوم الطويل منصوص عليه في هذه الأساطير بجميع أنحاء العالم (بل وأشار أيضًا إلى عدد كبير من الأدلة التي تدعم حقيقة اليوم الطويل) كل هذا الإجماع إن دلَّ على شيء فهو يدل على أن هذا اليوم الطويل الذي ورد ذكره بالكتاب المقدَّس قد حدث فعلًا، وهو حقيقة راسخة"(7).
4- يقول " ف. ب. ماير " أن بني إسرائيل حاربوا قبل هذا مدنًا منفردة وهي أريحا وعاي، أما الآن فقد اجتمع عليهم خمسة ملوك الأموريين بجيوشهم، وكانت مدينة جبعون هي هدف هذه القوات المتحالفة توطئة للهجوم على إسرائيل، وقاد يشوع جيشه طوال الليل من الجلجال إلى جبعون، مُزوَدًا بالوعد الإلهي " لا تخفهم لأني بيدك قد أسلمتهم. لا يقف رجل منهم بوجهك" (يش 10: 8) ودارت الحرب سجالًا منذ ضوء الفجر " وبعد الظهر أعطى الملك الإشارة للتقهقر، وإذ لم يستطع الكنعانيون أن يصمدوا أمام ضربات إسرائيل الموفقة... ولُّو هاربين كخراف مشتتة مذعورة. ساروا عشرة أميال في هروبهم، حتى وصلوا إلى منحدر بيت حورون. ومن ذلك الموضع ينحدر الطريق الوعر المسالك بطول ميلين وعمق 700 قدم. كانت الصخور مدرَّجة. أسرع الهاربون في ذلك الانحدار لعلهم يصلون إلى حصونهم التي في أسفل الوادي، وكانوا ينتظرون الليل على أحر من الجمر لكي يريحهم من مشقة الهروب. وهنا عصفت عليهم الزوبعة... بغضب لا يحتمل، كأن كل جنود السماء صبت عليهم نيران الغضب فجأة. وحينما وصل يشوع إلى رأس الوادي كانت الجيوش الهاربة على المنحدر... ومن خلفه كانت الشمس تسرع إلى الغيب... تحت هذه الظروف تجاسر يشوع أن يطلب من الله طلبة لم يسبق لها مثيل. أن يطول النهار: لماذا لا تسمح (يا رب) للشمس التي هي خلقة يديك، والتي عبدها أهل هذه الأرض عوضًا عنك طويلًا، بأن تتمم قصدك في إبادة أولئك الذين قدموا لها المجد اللائق بك وحدك؟ ولماذا لا تسمح (يا رب) للقمر الذي طالما شهد قبائح الأموريين بأن يشهد الآن تطهير هذه الرجاسات بالدماء؟ إنهما خلقة يديك يا رب، وهما يأتمران بأمرك، فأصغ لصوتي وأجعلهما أن يقفا...
لا مبرر قط لاعتقاد البعض بأن هذه الأعداد تعطينا وصفًا رمزيًا للحرب وللنصرة الكاملة، كأن ياشر أراد أن يقول أن إسرائيل أتم في هذا اليوم الواحد عمل يومين. فالكلام واضح كل الوضوح أن الكتاب يشير إلى معجزة خطيرة تمت فعلًا. إن قوة الله لا حد لها، فبارئ كل الكائنات هو المتسلط عليهما، ويقينًا أنه من اليسير أن يملي إرادته على الطبيعة"(8).
_____
(1) راجع أيضًا مسيرة الدخول - سفرا يشوع والقضاة ص 56، 57.
(2) المدخل إلى الكتاب المقدَّس جـ 1 التوراة وعالم الشرق القديم ص 48.
(3) ترجمة دكتور محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 196.
(4) فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ 2 من س 63 إلى س 84.
(5) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر يشوع ص 161.
(6) في كتابه " خرافات الكتاب المقدَّس " ص 91.
(7) ترجمة نظير عريان ميلاد - الكتاب المقدَّس ونظريات العلم الحديث ص 41 - 45 .
(8) حياة يشوع ص 171 - 175.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/946.html
تقصير الرابط:
tak.la/c2n2rbs