يقول ناجح المعموري " إن بني إسرائيل انتقلوا بين مرحلتين، تمت فيهما عبادة إلهين، واحد باسم إيل وأحيانًا باسم ألوهيم أي الإلهة، والآخر باسم " يهوه". لكن الأمر في الحقيقة لم يكن مقصورًا على هذين الإلهين فقط... عبد بنو إسرائيل العجل المصري أبيس في سيناء... من الآلهة التي عبدوا العبران هو الإله... " بعل فغور".. {وأقام بنو إسرائيل في شطيم وأخذ الشعب يزنون مع بنات موآب. فدعونَ الشعب إلى ذبائح آلهتهنَّ، فأكل الشعب وسجدوا لآلهتهنَّ، وتعلَّق إسرائيل ببعل فغور. فحمى غضب الرب على إسرائيل. فقال الرب لموسى خذ جميع رؤوس الشعب وعلَّقهم للرب مقابل الشمس فيرتد حمو غضب الرب على إسرائيل} (عد 25: 1 - 4).. {وكان بعد موت جدعون أن بني إسرائيل رجعوا وزنوا وراء البعليم وجعلوا لهم بعل بريث إلهًا. ولم يذكر بنو إسرائيل الرب إلههم الذي أنقذهم من يد جميع أعدائهم من حولهم. ولم يعملوا مع بيت يربعل جدعون نظير كل الخير الذي عمل مع إسرائيل} (قض 8: 33 - 35).. {وعاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم والعشتاروث وآلهة آرام وآلهة صيدون وآلهة موآب وآلهة بني عمون وآلهة الفلسطينيين وتركوا الرب ولم يعبدوه} (قض 10: 6، 7)"(1) وراح ناجح المعموري يعدّد المرات التي سقط فيها ملوك وشعب إسرائيل في عبادة الآلهة الغريبة مثلما أقام يربعام عجلين في بيت إيل ودان (راجع 1 مل 12: 29) ومثلما بنى شعب يهوذا مذابح على المرتفعات وأنصابًا وسواري على كل تل مرتفع وتحت كل شجرة خضراء (راجع 1 مل 22: 23) وقد قدم الملك أحاز ابنه قربانًا لبعل (راجع 2 مل 16: 13).
ج: 1- يقول الأستاذ ناجح المعموري بأن بني إسرائيل عبدوا إلهين، ففي مرحلة عبدوا "إيل" (وأحيانًا ألوهيم أي الإلهة) وفي مرحلة أخرى عبدوا " يهوه"، وهذا القول قد جانبه الصواب... لماذا؟
أ - " إيلوهيم " صيغة الجمع لإيل، فهو لا يعني الإلهة (مؤنث الإله). ولم يستخدم الكتاب المقدَّس اسم "إيلوهيم" بصيغة الجمع للتعبير عن التكريم والتعظيم والتفخيم، لأن هذا غير معروف في اللغة العبرانية، ولا يحمل اسم "إيلوهيم" أثرًا من أثار العبادات الوثنية التي كانت منتشرة في الشعوب المجاورة، لأن الكتاب في مواضع كثيرة جدًا يشدّد على وحدانية الله، فعندما استخدم الكتاب اسم " إيلوهيم " كان يشير للوحدانية الجامعة، كما أن هذا الاسم يحمل إشارة مبكرة للثالوث القدوس.
ب - إيل، ويهوه ليس إلهان عبدهما بني إسرائيل، بل هما اسمان للفظة الجلالة، لله الواحد، واسم "إيل" هو اسم جنس يشير للإلوهية، وكان معروفًا، قبل استخدامه في الكتاب المقدَّس، لدى الشعوب المجاورة. وقد قرن الكتاب المقدَّس اسم "إيل" بأسماء أخرى وصفية، مثل " إيل عليون" (تث 32: 8) أي العلي، و" إيل شداي " أي القدير، و" إيل رئي" (تك 16: 13، 14) أي إله الرؤيا، و" إيل أولام" (تك 21: 33) وهو يشير لله الأزلي الأبدي (السرمدي) و" إيل إله إسرائيل" (تك 33: 20) و" إيل بيت إيل" (تك 35: 7) أي الله هو إله بيت إيل.
أما الاسم "يهوه" فهو اسم شخصي لله وليس كصفة من صفاته، وهو يشير للوحدانية والوجود المطلق. كما دعا الكتاب الله باسم "يهوه صباءوت" (1 صم 1: 3) أي رب الجنود، و"الرب يراه" (تك 22: 14) أي الرب يدبر، و"يهوه دفا" (خر 23: 25) أي الرب شافينا، و" يهوه نسّيْ" (خر 17: 15) أي الرب رايتي، و" يهوه شلوم" (قض 6: 24) أي الرب سلامنا، و" يهوه روعي" (مز 23: 1) أي الرب برنا، و" يهوه شمه" (خر 48: 35) أي الرب هناك.
كما دعى الكتاب الله بأسماء أخرى مثل "أدوناي" أي السيد أو المولى... فكل هذه أسماء للإله الواحد، وليست آلهة متعددة(3).
2- سقط بنو إسرائيل مرات عديدة في عبادة الأوثان والأصنام. هذه حقيقة، فعبدوا "العجل الذهبي" عندما غاب موسى عن أعينهم، وعبدوا " بعل فغور " إكرامًا لبنات موآب، وعبدوا " البعل" و"عشتروت".. إلخ ولكن يجب التمييز بين:
أ - ما نصَّ وحضَّ عليه الكتاب المقدَّس، وهو التشديد على وحدانية الله، والتحذير الشديد من عبادة الآلهة الغريبة، وهذا أمر ثابت لا غبار عليه.
ب- أخطأ الشعب الإسرائيلي وسقوطه في عبادة الأصنام وتحطيم الوصية الإلهية، وهذا أمر ثابت أيضًا، وقد نال عليه الشعب التأديب الإلهي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وسفر القضاة خير شاهد على هذا، فلا يصح خلط الأوراق، وتحميل كتاب الله المقدَّس تصرفات خاطئة لشعب عنيد.
3- يقول الأستاذ الباحث رمزي زكي " أن التحوُّل إلى عبادة الأوثان يحدث عندما ينكر الإنسان ما يعلمه عن الله، فيعبد آلهة تتفق مع أفكاره، هي من صنع يديه مثل التماثيل المعدنية أو الحجرية أو الخشبية، فيصوُّر الله على شبهه عوضًا أن يكن هو على صورة الله، ويعيد المخلوقات دون الخالق " وأبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفنى والطيور والدواب والزحافات" (رو 1: 23) وفي برية سيناء ظهر مدى تأثر بني إسرائيل بديانة المصريين القدماء، فظنوا أن الإنسان يستطيع أن يعبد آلهة أخرى مصنوعة بجوار إيمانه بالله (يهوه) فحذرهم الله بشدة من عبادات الأوثان والتي كانت منتشرة في أرض كنعان المزمعين أن يأتوا إليها"(2).
_____
(1) أقنعة التوراة ص 214، 215.
(2) من أبحاث النقد الكتابي.
(3) راجع كتابنا: أسئلة حول ألوهية المسيح ص 85 - 96، وكتابنا: شهود يهوه... هوة الهلاك ص 42 - 44، ومدارس النقد جـ 1 س23 ص 133 - 145.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/822.html
تقصير الرابط:
tak.la/n8asg76