ج: 1- الذي وضع طقس الذبائح الدموية هو الله ذاته، فعندما سقط آدم في المعصية وشعر بالعري وفشل في ستر عريه هو وزوجته بأوراق الشجر، تدخل الله وذبح ذبيحة دموية وستر عري آدم وحواء بجلد الذبيحة، فتعلم الإنسان أن عري الخطية يحتاج إلى الذبيحة الدموية، وعلى ذات الدرب سار هابيل، وقدم ذبيحة دموية من أبكار غنمه وثمانها، وأيضًا سار على نفس الدرب الآباء الأولون نوح، وأيوب، وإبراهيم، وإسحق، ويعقوب... إلخ وهكذا عُرفت الذبائح الدموية من خلال التقليد.
2- أخذت الشعوب الوثنية طقس تقديم الذبائح من الآباء الأولين، وكان الكهنة المصريون يفحصون الذبائح قبل تقديمها بدقة، حتى يتأكدون أن الحيوان بلا عيب، وتُمنح شهادة مختومة بختم الكاهن تثبت أن هذا الحيوان بلا عيب، وتثبَّت هذه الشهادة على قرن الحيوان(1) بينما تطرفت بعض الشعوب في هذه الطقوس، فمنهم من كان يظن أن الآلهة تعيش على هذه الذبائح، ومنهم من قدم الذبائح ليتقي شر الآلهة، وحتى لا ينتقموا من البشر، بل تطرف البعض أكثر فأكثر فقدموا ذبائح بشرية لآلهتهم، ولهذا حلَّ عليهم العقاب الإلهي، فتعرض الكنعانيون للطرد من أرض الموعد بسبب هذه الطقوس الشريرة التي وصلت إلى تقديم أطفالهم ذبائح للأوثان مع ممارسة الرذيلة وأعمال السحر.
3- الهدف من طقس الذبائح الدموية في سفر اللاويين هو إرضاء الله، والتكفير عن الخطايا والآثام، والإعراب عن تقديم الشكر لله... وعندما كانت النيران تلتهم الذبيحة كان مُقدم الذبيحة يشعر بمدى جرمه، إذ أنه هو الذي يستحق الذبح والحرق بالنار، وهذا الحيوان البريء يحمل هذه العقوبة عنه، وعندما تُصعد الذبيحة على المذبح تُصعَد نيابة عن مقدمها، فيشعر أنه يجب أن تكون حياته بكل تفصيلاتها مقدَّسة ومكرَّسة للرب مثل هذه الذبيحة... لقد واكبت المشاعر المقدَّسة تقديم الذبائح لله بينما واكبت الانحرفات والنجاسة تقديم ذبائح الشعوب الوثنية، حتى أنهم اعتبروا أن الزنا من الطقوس المكملة لعبادتهم النجسة... إلخ. إذًا شتان بين طقس الذبائح في سفر اللاويين وبين الطقوس الوثنية.
4- قُدمت الذبائح التي جاء ذكرها في العهد القديم لله، أما الشعوب الوثنية فقد قدمت ذبائحها للأصنام، وبينما كانت الشعوب الوثنية تقدم ذبائحها النجسة على المرتفعات في أي مكان فإن الله حدد لشعبه مكانًا معينًا مقدَّسًا لتقديم الذبائح (تث 12: 14).
5- قصد الله أن يعطي شعبه شرائع كثيرة خاصة بالذبائح والكهنوت حتى يكون هذا الشعب شعبًا متفردًا، لا يختلط بالعبادات الوثنية، ولا يحاكيها، بل حذر الله شعبه بشدة مرارًا وتكرارًا من الغوص في العبادات الوثنية التي عايشها وهو يعيش في أرض مصر، وأيضًا أوصاه من جهة العبادات الكنعانية " متى دخلت الأرض التي يعطيك الرب إلهك لا تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك الأمم... وبسبب هذه الأرجاس الرب إلهك طاردهم من أمامك" (تث 18: 9 - 12) بل أمر الله شعبه قائلًا "تهدمون مذابحهم وتكسرون أنصابهم وتحرقون سواريهم بالنار وتقطعون تماثيل آلهتهم وتمحون اسمهم من ذلك المكان" (تث 12: 3).
6- يقول القديس مارآفرام السرياني " أن الخاطئ إذا أخطأ، يُقدّم إلى الكاهن حيوانًا بلا عيب، يذبحه الكاهن لله عن خطيئته لكي يكون فدية له، لأن الذي أخطأ، قد أوجب الله عليه الموت جزاء خطيئته، لأنه قال في توراته " من أخطأ فليمت موتًا" (تك 2: 17) فإذا أخطأ الإنسان وتنجس، ولزمه الموت، يُقدم حيوانًا طاهرًا بلا عيب. يدخل الإنسان النجس هو وحيوانه الطاهر، ويقفان قدام الرب بين يدي الكاهن: هو نجس وحيوانه طاهر، هو يستحق الموت من أجل نجاسته، وحيوانه لكونه طاهرًا لا يستحق الموت، يضع يده على رأس حيوانه... ويمكّن الكاهن منه بذبحه عوضه"(2).
_____
(1) راجع نجيب جرجس - سفر اللاويين ص 15.
(2) الأب يوحنا ثابت - تفسير لسفر الأحبار منسوب إلى القديس أفرآم السرياني ص 4.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/719.html
تقصير الرابط:
tak.la/a4c2dvt