ج: 1- سبق وتناولنا هذا الموضوع بشيء من التفصيل عند مناقشة رؤية موسى وشيوخ إسرائيل مجد إله إسرائيل(2).
2- كما قلنا أن الإنسان لا يستطيع أن يعاين جوهر اللاهوت ولكنه يعاين شيئًا يسيرًا من المجد الإلهي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فموسى لم يعاين الجوهر الإلهي، والجوهر الإلهي هو ما تم التعبير عنه في سفر الخروج بوجه الله، فعندما قال الله له " لا تقدر أن ترى وجهي " أي أنك لا تستطيع أن تعاين جوهر اللاهوت، ومع هذا فإن الله كان يكلم موسى، وكان موسى يستمع ويصغى ويفهم صوت الله بوضوح، بل كان موسى يسأل والرب يجيب، ولهذا قال الله لمريم وهرون " أسمعا كلامي... إن كان منكم نبي للرب فبالرؤيا استعلن له في الحلم أُكمله. أما عبدي موسى فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي. فمًا إلى فم وعيانًا أتكلم معه لا بالألغاز. وشبه الرب يعاين" (عد 12: 6 - 8) وجاء في نهاية سفر التثنية شهادة يشوع بن نون تلميذ موسى عندما قال " ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجهًا لوجه" (تث 34: 10).
3- ليس لله خلف وأمام، لأنه مالئ الكل بلاهوته لا يخلو منه مكان ولا زمان. أما المقصود بالقول " تنظر ورائي " أي ترى القليل من مجدي بحسب قدرتك واحتمالك وبحسب ما أهبك من نعمة، وهذا ما عبَّر عنه في موضع آخر " وشبه الرب يعاين". أما المقصود بقول الله " وأما وجهي فلا يُرى " أي لا يقدر أحد أن يعاين الجوهر الإلهي، فاللاهوت محتجب عن الإنسان، فالإنسان يعجز عن معاينته تمامًا، ولذلك صرخ إشعياء النبي قائلًا " حقًا أنت إله محتجب يا إله إسرائيل المخلص" (أش 45: 15) فلن يستطع أحد قط أن يعاين النار الإلهية، وبسماح منه يعاين اليسير في المجد الإلهي.
4- جاء في كتاب السنن القويم " أسترك بيدي لما كان الإنسان قاصرًا عن مدركات السماويات ولغته قاصرة عن التعبير عنه أُشير إليها بالاستعارات المادية، والذي نعلمه من هذه الآية أن الله وقى موسى من الهلاك بطريقة عجيبة، كما يُوقَى المرء من الضرر بيد قدير تدفع عنه، وأنه تعالى لم يُرِه إلاَّ لمحة من ضياء مجده وسنى بهائه هي أثر لذلك المجد الأعظم"(3).
5- يقول ج. س. كونيل " ليس معنى أن موسى رأى وجه الله (ع 20) ولكن هذه الكلمات تعني الشركة المباشرة القريبة مع الله، إلى درجة لم تتح لإنسان آخر (عد 12: 18، تث 34: 10) لقد كان الإعلان للآخرين عن طريق الرؤوى والألغاز، وأما لموسى فقد كان فكر الله واضحًا وضوح فكر الإنسان"(4).
6- يرى القديس غريغوريوس النيزنزي أن موسى رأى شيئًا من مجد الله فاشتاق أن يرى المزيد فيقول " وإني أعتقد أن في نفسه المُشتعلة شوقًا (حيث) كان ينمو الحب المتعطش للجمال الإلهي الأصيل. وكان رجاؤه يجذبه دائمًا بما سبق فرآه إلى أن ينال درجة من الرؤيا أكثر ارتفاعًا. فما كان يراه أشعل فيه الرغبة لرؤية ما لا يزال مخفيًا عنه"(5).
7- يقول أحد الآباء الرهبان بدير مارمينا العامر " يذكر القديس يوحنا في رؤياه أنه رأى {شبه ابن إنسان} وكان {وجهه كالشمس وهي تضئ في قوتها. فلما رأيته سقطت عند رجليه كميت، فوضع يده اليمنى عليَّ قائلًا لي لا تخف} (رؤ 1: 16، 17) فأن رؤية الله في مجده أمر رهيب ومخيف لا تحتمله طبيعة أي مخلوق، فالقول {الإنسان لا يراني ويعيش} (خر 33: 20) ينطبق نسبيًا على قول القديس يوحنا {سقطت عند رجليه كميت} وكمثال ملموس نقول أن الإنسان لا يستطيع أن يحملق في قرص الشمس وهي في قوتها، وإن كان الله يسمح للبعض أن يروه فأنهم لا يرونه في مجد لاهوته الكامل، بل هو يُظهر لهم من مجده بقدر ما تحتمل طبيعتهم"(6).
8- قال القمص داود إبرام سليمان(9) أن الفعل الذي ترجم إلى العربية " يرى " في الأصل اليوناني يقابل إحدى عشر فعلًا، أي أن هناك إحدى عشر فعلًا في اللغة اليونانية، وكل فعل له ما يميزه عن الآخر، ومع هذا فأن جميع هذه الأفعال تُرجمت في العربية إلى " يرى"، والفعل " يراني " في عبارة " لأن الإنسان لا يراني ويعيش " يعني يستوعبني أو يجدني بفكره، وفعلًا فأن الله فوق الإدراك، والعقل لا يجده، وحتى عندما يشرح إنسان لآخر موضوعًا، قد يسأله: أنت شايف إيه؟ وهو يقصد ما رأيك؟ ماذا ترى في هذا الأمر؟
9- تقول الإكليريكية إلهام سمير سعد(8) " قال الكتاب أن " الله روح" (يو 4: 24) وهذا يعني أن الإنسان لا يمكن أن يرى الله، لأن جوهر الله غير منظور، ولكن الله قد يمنح الإنسان أن يرى شيئًا من مجده، كما قيل عن موسى النبي " شبه الرب يعاين" (عد 12: 8) وقال بولس الرسول " فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجهًا لوجه" (1 كو 13: 12) أي بعد أن يخلع الإنسان الجسد تزداد معرفته بالله، أما الآن فنرى علامات حضوره، مثل قولنا عند رؤية شرارة تتطاير من سلك كهربائي نقول رأينا الكهرباء"(7).
10- نقول للأستاذ علاء أبو بكر صاحب كتاب البهريز: لماذا تتعجب مما جاء في سفر الخروج بشأن رؤية موسى لله، مع أن القرآن قد أقرَّ هذه الرؤية عندما قال " ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه وقال ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن أستقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا وخرَّ موسى صعقًا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين" (الأعراف 143) والنص واضح أن الله بعد أن قال لموسى لن تراني، عاد ورآه، ولم يقل الأستاذ علاء أن في هذا تناقض، ونحن نقول له أن القصة بكاملها وتمامها ووضوحها وشرحها ستجدها في التوراة، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
_____
(1) البهريز جـ 1 س260، س338، والبهريز جـ2 س276، والبهريز جـ3 س106.
(3) السنن القويم في تفسير العهد القديم ص 498.
(4) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 268.
(5) شرح سفر الخروج - دير القديس أنبا مقار ص 732.
(6) من إجابات أسئلة سفر الخروج.
(7) من أبحاث النقد الكتابي.
(8) إكليريكية البابا أثناسيوس بدمنهور.
(9) في قناة CTV في تفسيره لسفر دانيال يوم الجمعة 26/12/2008 م.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/710.html
تقصير الرابط:
tak.la/w7f68h8