يقول الخوري بولس الفغالي " أسئلة عديدة تُطرح علينا هنا: كيف استطاع هارون أن يصنع عجلًا من مجوهرات ذهبية؟ كيف استطاع موسى أن يسحق تمثالًا من ذهب، ويجعله رمادًا في الماء ويسقي منه الشعب..؟ لن نجد الأجوبة التي ترضينا. لهذا نبحث عن التعليم الذي يريد الراوي أن يوصليه إلينا"(1).
ويقول ليوتاكسل " وما يثير الدهشة هنا أن هارون أخ موسى، أي الكاهن الأكبر هو من سكب العجل لهم، فقد جمع حلي النساء والبنات اليهوديات لهذا الغرض. ولكن التوراة لم تقل لنا: من هم النحاتون السباكون والصُياغ الذين عملوا مع الكاهن الأكبر المرتد؟ ولم يستغرق سبك العجل العملاق سوى ليلة واحدة، ولو نُفذ العمل نفسه في معمل جيد لأستغرق إنجازه أشهر عدة، أما البدو فقد أنجزوه في وقت قياسي... علينا أن نعترف أن تحويل الذهب إلى " رماد " برميه في النار، عملية خفى سرها على كل حي إلاَّ موسى، ثم مات السر مع موت زعيم اليهود. أضف إلى هذا أن التوراة أوضحت لنا أن مسحوق الذهب مادة صالحة للشرب بعد حلها في الماء، وهذا ليس أمرًا هينًا. فمن المعروف أن الذهب ينحل مع الكبريت، وليس صعبًا على أحد أن يتخيل ذلك الطعم الذي يجعل الأحشاء تقفز من الجوف"(2).
ج: 1- ليس من الصعب أن يُسبك العجل في فترة وجيزة بين يوم وليلة، ولاسيما أن هذا الشعب عايش المصريين المهرة في سبك الأصنام وصناعتها، وليس بالضرورة أن ملامح العجل كانت دقيقة كاملة ناطقة، فربما التمثال كان له بعض ملامح العجل فقط، ولكن بريقه هو الذي جذب الأنظار إليه، ويقول الأرشيدياكون نجيب جرجس " يرى البعض أنه عمل عجلًا من الخشب وغشاه بأوراق الذهب، أو أنه عمل سبيكة من الذهب ونحت منها تمثالًا للعجل، والأرجح أنه صوَّر بالأزميل قالبًا من الخشب، وصهر الذهب وصبَّه في القالب، فأصبح عجلًا مسبوكًا ثم هذَّبه ونقَّحه بالأزميل أيضًا. و(الأزميل) هو المنقار الذي كان يستعمل كأداة للنحت والخراطة والنقر"(3).
2- قال الكتاب " ثم أخذ العجل الذي صنعوه وأحرقه بالنار وطحنه حتى صار ناعمًا وذراه على وجه الماء وسقى بني إسرائيل" (خر 32: 20) وفي موضع آخر يقول موسى النبي " وأما خطيتكم العجل الذي صنعتموه فأخذته وأحرقته بالنار ورضضته وطحنته جيدًا حتى نعم كالغبار. ثم طرحت غباره في النهر المنحدر من الجبل" (تث 9: 21) فواضح أن موسى ألقى بتمثال العجل في النار حتى تشوهت معالمه وصار كتلة واحدة بلا شكل، فلم يضع موسى الذهب في إناء ضخم وأشعل النيران أسفله حتى يحتفظ الذهب بكيانه، إنما أشعل أتونًا وألقوا في جوفه العجل، وصاروا يطرحون عليه الأخشاب الجافة، حتى أشتد سعير النار، وصار الذهب سائلًا مختلطًا بجمر الآتون ورماده، حتى أنه لم تعد هناك قدرة على تمييز هذا المعدن النفيس من رماد الآتون، بل أن الظاهر للعين هو الرماد أكثر من الذهب، وهذا ما حطمه موسى ورضضه وطحنه وذراه على سطح الماء المتدفق من صخرة حوريب بغزارة شديدة، وبالتالي فإن نسبة هذه الذرات إلى كمية المياه التي تكفي لأكثر من مليوني شخص مع مواشيهم، هي نسبة ضئيلة جدًا لا تمثل مشكلة ما. ويقول الأرشيدياكون نجيب جرجس " فرأى الشعب شناعة عملهم وحقارة الإله الذي صنعوه، وعجزه عن حماية نفسه، وفي شربهم من الماء ومعه ذرات الذهب علامة على أنهم يحملون وزر خطاياهم ويستحقون العقاب"(4).
3- يقول القمص تادرس يعقوب " لماذا تصرَّف موسى هكذا؟ لقد أحرق العجل بالنار وسحقه وذراه على الماء لكي يشرب الشعب من هذا الماء الممتزج بالمسحوق علامة على أن كل إنسان يلتزم بأن يشرب ثمار خطاياه"(5).
4- ذكر القرآن سبك العجل عندما قال " وأتخذ قوم موسى من بعده من حُليهم عجلًا جسدًا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلًا" (سورة الأعراف 148) وأيضًا ذُكر في سورة البقرة 920 كما ذكر القرآن سحق تمثال العجل وتذريته على سطح الماء عندما قال " وأنظر إلى إلهك الذي ظلَّت عليه عاكفًا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفًا" (سورة طه 97).. " وأشربوا في قلوبكم العجل بكفرهم" (سورة البقرة 93).
_____
(1) في رحاب الكتاب 1- العهد الأول ص223.
(2) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 183، 184.
(3) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر الخروج ص 357.
(4) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر الخروج ص 361.
(5) تفسير سفر الخروج ص 212.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/706.html
تقصير الرابط:
tak.la/x8mxq26