وقد أورد " جيمس هنري برستيد" James Henry Breasted فقرة من متون الأهرام كانت تتلى عند الاحتفال بحرق البخور جاء فيها " أن النار تُهيأ والنار تُضئ... أن البخور يوضع على النار والبخور يضئ... وشذاك يأتي للملك (وناس) يا أيها البخور... وشذى الملك (وناس) يأتي إليك أيها البخور... وشذاكم يأتي للملك (وناس) أنتم أيها الآلهة... وشذى الملك (وناس) يأتي إليكم أيها الآلهة... إن الملك (وناس) معكم يا آلهة... وأنتم مع الملك (وناس) يا أيتها الآلهة... والملك (وناس) يعيش معكم يا أيتها الآلهة... وأنتم تعيشون مع الملك (وناس) يا أيتها الآلهة والملك (وناس) يحبكم يا أيتها الآلهة... فحبوه يا أيتها الآلهة"(1).
ج: 1- واضح من الفقرة السابقة أنها تشير للجاذبية المتبادلة بين شذى الملك (وناس) وشذى البخور، وأيضًا تشير للجاذبية المتبادلة بين شذى الملك (وناس) وشذى الآلهة، وهذا لا نجد له أثرًا على الإطلاق فيما ورد بشأن البخور في الكتاب المقدَّس، فلم يقل الله في سفر الخروج أن هذا البخور يُحرق ليتبادل شذاه الملك أو رئيس الكهنة أو الكاهن، ولا توجد في سفر الخروج أية إشارة لتعدد الآلهة.
2- في سفر الخروج نرى مذبحًا خاصًا لتقديم البخور عليه في كل صباح (خر 30: 1- 8) والبخور الذي كان يُقدم كان له مواصفات خاصة، فكان يُصنع من " ميعة وأظفارًا وقنَّة عطرة ولبانًا نقيًا تكون أجزاء متساوية" (خر 30: 24) فالميعة أسمها بالعبرية " ناتاب " Natap أي قطرات، وهي عبارة عن الصمغ الناتج من شجرة اللبني Opobalsamum وهي تنمو في فلسطين وسوريا بكثرة، وجاء ذكر الميعة في المزمور كوصف لرائحة ثياب الملك المعطرة " المر والميعة والسليخة من ثيابك" (مز 45: 8 الترجمة السبعينية) وجاءت في الترجمة البيروتية باسم " العود"، والأظفار عبارة عن أصداف بحرية، تُدعى بالصدف المجنح، وعندما تُحرق تفوح منها رائحة عطرة جدًا، والقنة نوع من الصمغ ذو لون أصفر غامق ذو رائحة عطرة، يُنتَج من نبات القنة Ferula galbaniflua واللبان النقي نوع من الصمغ أو العصارة المستخرجة من أشجار " بوزويليا " Baswellia التي تنمو في جنوب الجزيرة العربية، وهذه العصارة متى جفت فأنها تتحوَّل إلى فصوص بيضاء من اللبان النقي، ولذلك سُميت بالعبرية " لبوناه " Lebonah أي أبيض(2) وكان يُضاف لهذه الخلطة الملح، لأنه يزيد من اشتعال هذه المواد، ولذلك قال الكتاب " بخورًا عطرًا صنعه العطار. مُملَّحًا نقيًا مقدَّسًا" (خر 30: 35) فمعنى البخور المملح هو البخور المضاف إليه الملح.
3- لم يسمح الله لأحد بتقديم بخور بغير المواصفات السابقة، وأيضًا حرَّم استخدام هذا البخور في المنازل، ومن يفعل هذا يقطع من شعب الله (خر 30: 37، 38) وكان البخور يُقدَم في الهيكل على مذبح البخور يأخذ جمرات نار من على مذبح المحرقة، وكل هذه الأمور لم نجد لها شبيهًا لدى الفراعنة.
4- يرمز البخور إلى الصلوات الطاهرة النقية التي تصعد أمام العرش الإلهي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولهذا قال المُرنم " لتستقم صلاتي كالبخور قدامك" (مز 141: 2) وتنبأ ملاخي النبي عن انتشار المسيحية في كل أرجاء الأرض فقال " لأنه من مشرق الشمس إلى مغربها أسمي عظيم بين الأمم وفي كل مكان يُقرَّب لأسمي بخور وتقدمة طاهرة لأن أسمي عظيم بين الأمم قال رب الجنود" (ملا 1: 11) وأوضح سفر الرؤيا معنى البخور عندما قال " قيثارات وجامات من ذهب مملوءة بخورًا هي صلوات القديسين" (رؤ 5: 8).
5- هناك أمور مشتركة بين ما جاء في الحضارات القديمة وبين ما جاء في العهد القديم، مثل الأصوام والصلوات والصدقات والطقوس وبعض العقائد الخاصة بوجود الله، والبعث... إلخ، فهل معنى هذا أن الكتاب المقدَّس أخذ كل هذه الأمور من هذه الحضارات القديمة؟! كلاَّ، فإن كل الديانات القديمة هي تعبير عن نزوع الروح البشرية نحو جابلها، وإن جاء هذا التعبير خاطئًا في وسائله. أما الديانة اليهودية (وهي الأساس الذي بُنيت عليه المسيحية، فهي ديانة سماوية، كل ما جاء فيها بإرشاد ووحي من روح الله القدوس.
_____
(1) فجر الضمير ص 103.
(2) راجع شرح سفر الخروج دير القديس أنبا مقار ص 686.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/699.html
تقصير الرابط:
tak.la/3vmxjk4