ج: 1 - شدَّد الله على وصية إكرام الوالدين، فمن جانب أقرنها بوعد إلهي قائلًا " أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض" (خر 20: 12) ومن الجانب الآخر وضع العقوبة الشديدة التي تصل إلى حد القتل لمن يشتم والديه " ومن شتم أباه أو أمه يُقتل قتلًا" (خر 21: 17) فإن الوالدين يعتبرا نائبًا عن الله، فمن يعتدي عليهما كأنه يعتدي على الله ذاته. ووصية إكرام الوالدين لم تنسخ، بل هي مستمرة في العهد القديم والجديد، وقد أكد السيد المسيح على هذه الوصية ولآم الفريسيين والكتبة لأنهم تهربوا من هذه الوصية، وقال لهم " لأن موسى قال أكرم أباك وأمك. ومَن يشتم أبًا أو أمًا فليمت موتًا. وأما أنتم فتقولون... مبطلين كلام الله بتقليدكم الذي سلمتموه" (مر 7: 10 - 13) وكان السيد المسيح مثلًا حيًّا في إكرام أمه والاهتمام بها وهو في أصعب اللحظات معلقًا على عود الصليب، فأوصى يوحنا بها. وهل السيد المسيح الذي أمر بمحبة الأعداء يوصي بكراهية وبغضة الوالدين والأخوة والأقرباء؟!
2- أعلن السيد المسيح بسابق علمه أن الإنسان عندما سيؤمن به، فإنه سيتعرض لضغوط من أهله، وهذه الضغوط ستصل إلى حد الاضطهاد والتعذيب والقتل، ولذلك أراد أن يشجع مثل هذا الإنسان، لكيما يقاوم تلك الضغوط بضمير مستريح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فوضع أمامه هذه الوصية، فربما ينظر الجميع له على أنه ابن عاق يبغض والديه، أما من جهته فيجب أن يكون شعاره أنه ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس، وفي تارة أخرى قال السيد المسيح " ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا. فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها والكنَّة ضد حماتها. وأعداء الإنسان أهل بيته" (مت 10: 24-36).
3- استخدمت كلمة " البغضة " في الكتاب المقدَّس بالمعنى المجازي أو الاستعاري، فالمقصود بها هي المحبة الأقل، فعندما أحب يعقوب راحيل أكثر من ليئة، قال الكتاب " ورأى الرب أن ليئة مكروهة" (تك 29: 31)، فالمقصود بالبغضة هنا المحبة الأقل، هذا ما أوضحه السيد المسيح في موضع آخر عندما قال " من أحبَّ أبًا أو أمًّا أكثر مني فلا يستحقني. ومن أحب ابنًا أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني" (مت 10: 37).
4- هذه الوصية (لو 14: 26) وجدت في العهد القديم بصورة أشد، عندما قال "وإذا أغواك سرًا أخوك ابن أمك أو أبنك أو ابنتك أو امرأة حضنك أو صاحبك الذي مثل نفسك قائلًا، نذهب ونعبد آلهة أخرى لا تعرفها أنت ولا آباؤك... فلا ترضَ منه ولا تسمع له ولا تشفق عينك عليك ولا ترق له ولا تستره. بل قتلًا تقتله" (تث 13: 6-9).
5- يقول قداسة البابا شنودة الثالث " هكذا قال الرسول {أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق} (أف 6: 1) وعبارة (في الرب) معناها في حدود وصيا الله. حقًا إذًا ما أجمل الطاعة والخضوع ولكن في الرب. فإن أطعت أبًا أو مرشدًا فيما يخالف وصايا الله فأنكما كلاكما تسقطان في حفرة... كن مطيعًا يا أخي، وأخضع في كل شيء، بكل اتضاع حتى الموت، أنكر ذاتك، وأنكر مشيئتك، وأنكر كرامتك، ولكن لا تنكر ضميرك... تذكر قول القديس أنطونيوس الكبير {إن أُمرت بشيء يوافق مشيئة الله فأحفظه. وإن أُمرت بما يخالف الوصايا، فقل أن الطاعة لله أولى من الطاعة للناس، وأذكر قول الرب: أن غنمي تعرف صوتي وتتبعني وما تتبع الغريب} (يو 10).. الطاعة أولًا وقبل كل شيء وقبل كل أحد، موجهة إلى الله، ثم بعد ذلك نطيع الناس في نطاق طاعتنا لله. أما إذا اصطدمت الطاعتان، طاعة الله بطاعة الناس، فلا شك أن ضمير الإنسان يصغى حينئذ إلى قول بطرس الرسول {ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس} (أع 5: 21) إذًا في حدود وصايا الله وداخل نطاق الوصية، ينبغي لك أن تطيع والديك، فإذا أمرك أب أو أم بكسر وصية من وصايا الله، حينئذ بضمير مستريح لا تسمع لأي منهما. إن الله يطالب بطاعتهما طالما كانت أوامرهما لا تتعارض مع طاعة الله"(1).
_____
(1) الوصايا العشر ص 98 - 100.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/666.html
تقصير الرابط:
tak.la/4dpmvrx