يقول الدكتور سيد القمني " بظهور النبي (موسى) يتوقف ذكر (إيل) في الكتاب المقدَّس، أيظهر إله جديد يحمل اسمًا جديدًا يختلف في تنغيمه ما بين (ياو، ياه، ياهو، أهيه) أما اسمه الأشهر فهو " يهوه".. ورغم أن قانون الإيمان اليهودي بالإله (يهوه) يقول " لويهي لك إلوهيم أحريم " ويعني مُحرم عليك الإيمان بغيري، أو على الأصح لا إله إلاَّ الله، فإن ما يجب التأكيد عليه أن هذا الإله، بهذا الاسم، كان معروفًا قبل نبوءة (موسى) بقرون طويلة كإله وثني عبدته شعوب مختلفة بصفته مشاركًا مع آلهة أخرى... والملاحظ للاسم (ياوه، ياهو، ياه، أهيه، يهوه) يشعر فيها بزمجرات الطبيعة وأصوات الريح والوحوش... ويرى شتاءة Stade أن معناه هو السقط الذي يسقط البروق على الأعداء، لأن هوى بمعنى سقط... بينما يذهب " فلهاوزن " Wellhausen إلى أن الاسم (يهوه) من هوى في العربية يعني الهواء، فمعناه يهب أي أنه إله العاصفة، وظن (فلهاوزن) أقرب إلى الصحة، حيث أن يهوه في نصوص الكتاب المقدس كان لا يظهر إلاَّ بين العواصف والغيوم والرياح، ومن الرياح (يرح) أحد أسماء إله القمر..؟! وسبق وأنشئ لإله القمر (يرح) معبد عظيم سُميت به البلدة التي أنشئ فيها بكاملها فسميت (أريحا)..
وقد قدم (ديتلف نيلسون) عددًا من البراهين على قمرية الإله الموسوي (يهوه) نوجز أهمها في الآتي:
1- إنه كان يُرسم في صورة ثور مُقدَّس، وسبق أن عرفنا الثور والشياه رموزًا للقمر في هيئة الهلال.
2- إن الليل كان الوقت المقدس لتجلى (يهوه) لعباده، ووقت أعياده.
3- أنه كان لدى اليهود احتفالات خاصة بالبدر والهلال.
4- أن يوم السبت والأعياد الأسبوعية الأخرى ترتبط عند العرب واليهود بأيام المحاق الثلاثة، وترتبط كل شهرين بموقع القمر.
5- أن التعبيرات التي اُستخدمت في الكتاب المقدس عند ظهور (يهوه) اصطلاحات فلكية قمرية.
6- أن الديانة الإسرائيلية قبل السبي كانت تُوصف بأنها ديانة قمرية وشمس كواكب كما في سفر أرميا (أر 8: 2).
7- عبور اليهود البحر في مصر عبر خليج السويس وقت الجزر، والقمر هو الذي يسبب المد والجزر.
8- ظهوره في سيناء لليهود يرتبط بوقت ظهور القمر في اليوم الثالث من الشهر. كما أن أول الشهر القمري ومنتصفه يومان مقدَّسان، كما أن الأعياد الكبرى ترتبط بليلة تجلي القمر.
9- أن التضحية ارتبطت بموطن القمر، فكان عدد الأضاحي بعدد أيام الشهر حتى اليوم الخامس عشر تذبح خمس عشرة ذبيحة (ديتلف نيلس - الديانة العربية القديمة) وهكذا نجد (نيلسون) يدفعنا إلى تقرير قمرية الإله اليهوي الموسوي الجديد (يهوه) كما كان (إيل) من قبل إلهًا للقمر"(1).
كما يقول القمني أيضًا أن ميلاد (يهوه) في أفق الديانة اليهودية بدأ من تمثله في نار تلتهب في عليقة، وأن الأثاري (ديتلف نيلسون) قطع بأن (يهوه) كان إلهًا للقمر، ومن الأدلة أيضًا على قمرية الإله يهوه أن الثور الذي عبده بنو إسرائيل في غياب موسى له قرنان يشبهان قرني القمر، وأن مذبح المحرقة كان له قرون تمسَّك بها أدونيا. وأن زخارف هيكل سليمان حوت صور الثيران، وأن يربعام بن ناباط أقام عجلي ذهب، وعبدها بنو إسرائيل قائلين: هذه آلهتك بإسرائيل التي أخرجتك من أرض مصر، وأن جبل حوريب دُعي جبل الطور (أي الثور)، وأن اسم يثرون حمى موسى أو يثران هو تحريف للفظة " ثيران " وأن نطق اسم " يهوه " نطقًا دقيقًا " جاهوفاه " Jahuvah به تقليد لخوار البقر(2).
ج: 1- اسم " إيل " كاسم من أسماء الله أُستخدم لدى شعوب المنطقة، وظهر في الحضارات المختلفة قبل عصر موسى النبي، وأيضًا لم يتوقف استخدام اسم " إيل " بعد موسى النبي، بدليل أن اسم إسرائيل مرتبط بإيل، وظل الاسم مستخدمًا حتى في فترة السبي، فنجد من الثلاث فتية اسم "ميصائيل".
2- لم يستجد اسم " يهوه " أيام موسى النبي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. بل كان مستخدمًا منذ عصر الآباء، ويلتقي بهذا الاسم عدة مرات في سفر التكوين(3) غير أن معناه ومغزاه كان مخفيًا حتى أعلنه الله لموسى النبي، وليس معنى استخدامه قبل موسى النبي أنه مقتبس من الشعوب الوثنية، أو أنه إله وثني، ولا يوجد أي دليل على هذه الإدعاءات.
3- لم يتفق النُقَّاد على رأي محدَّد، فمنهم من قال أن يهوه إله البركان كقول الأستاذ كمال الصليبي في كتابه خفايا التوراة وأسرار شعب الله(4)، ومنهم من قال أن " يهوه " هو إله الحرب كقول الخوري بولس الفغالي " يهوه إله الحرب، وهو بهذا يختلف عن إله الآباء والإله إيل، هو إله حارب من أجل شعبه ضد فرعون، وهو إله سيحارب من أجل شعبه على مر تاريخه"(5). ومن النُقَّاد من قال أن " يهوه إله وثني، أو إله الهواء، أو إله القمر كقول الدكتور سيد القمني السابق، وقال برستيد James Henry Breasted أن موسى النبي " أتخذ من أهل مدين " يهوه " إلهًا له. ولما كان أهل " مدين " قوم بدو سذج ليس لهم من المهارة في الفنون ما يمكنهم من صنع تماثل لإلههم، فإنه ترك " يهوه " دون أن يصنع له صورة أو تمثالًا ما، كما كان الحال عند أهل " مدين " من قبل"(6).
وبهذا نرى تضارب آراء النُقَّاد في اسم " يهوه " هل هو اسم إله البركان أم إله الحروب أم اسم إله وثني أم إله الهواء أم إله القمر، أم إله مديان!!
4- اسم " يهوه " اسم عبري معناه " الكائن الذي يكون " فلماذا ينسبه بعض النُقَّاد للغة العربية، ويدَّعون أنه مشتق من فعل " هوى " أي سقطَ، فهو الإله الذي يُسقِط البروق، أو أنه مشتق من الفعل "هوى" أي هواء، فهو إله العاصفة؟!
5- عندما أخطأ بنو إسرائيل وصنعوا عجلًا ذهبيًا وعبدوه في غياب موسى، لم يكن القصد هو عبادة إله القمر، إنما هذا يعكس مدى تأثرهم بالعبادات المصرية القديمة، ومنها عبادة العجل أبيس ، فقد عبد المصريون عجل أبيس في مدينة منف على أنه رمز الخصوبة، واعتبروه أنه روح الإله "بتاح" ولذلك كان يتوَّج بوضع قرص الشمس بين قرنيه.
6- ارتبطت العبادات والطقوس والأعياد اليهودية بالتاريخ القمري، لأن التقويم القمري هو الذي كان معمولًا به حينذاك، ولا ننسى أن العرب عبدوا إله القمر، وجعلوا الكعبة مقامًا له، وقالوا أن إله القمر الذكر تزوج بإلهة الشمس الأنثى، وأنجبا اللات والعزى، وذكر المقريزي في كتابه ذكر الخطب والآثار(7) بأن العرب كانوا يصلُّون كل يوم لإله معين، فيوم السبت يصلُّون لزحل، والأحد للمشترى، والاثنين للمريخ، والثلاثاء للشمس، والأربعاء للزهرة، والخميس لعطارد، والجمعة للقمر. كما ارتبطت الأصوام والأعياد الإسلامية بولادة القمر، ولم يقل أحد أن العبادة الإسلامية ارتبطت بإله القمر.
7- ردًا على القائلين بأن الديانة اليهودية كانت ديانة قمرية معتمدين على قول أرميا النبي " في ذلك الزمان يقول الرب يُخرجون عظام ملوك يهوذا وعظام... ويبسطونها للشمس وللقمر ولكل جند السموات التي أحبوها والتي ساروا ورائها والتي استشاروها والتي سجدوا لها" (أر 8: 1، 2) نحن نقول لهم أن أرميا النبي كان يتحدث عن انحرافات مملكة يهوذا التي تركت الإله الحقيقي وعبدت المخلوقات دون الخالق، ولذلك يبكتهم الله في نفس الإصحاح قائلًا " فلماذا أرتد هذا الشعب في أورشليم ارتدادًا دائمًا... ليس أحد يتوب عن شره قائلًا ماذا عملت.." (أر 8: 5-8) ولا ننسى، أن يوشيا أخرج جميع الآنية المصنوعة للبعل وللسارية ولكل أجناد السماء وأحرقها خارج أورشليم كما قضى على كهنة الأصنام وعلى الذين يوقدون للشمس والقمر وأجناد السماء (2 مل 23: 4، 5) إذًا قول نيلسون بأن الديانة اليهودية قبل السبي وُصفت بأنها ديانة قمر وشمس وكواكب قول جانبه الصواب، لأن ما حدث من بعض الشعب لا يعبر عن روح الديانة اليهودية إنما يعبر عن انحرافات سقط فيها شعب الله، حتى أنهم عبدوا الأصنام وقدموا أطفالهم ذبائح بشرية لهذه الأصنام.
8- ردًا على قول الدكتور سيد القمني بأن الجَزر الذي صنعه القمر هو الذي ساعد بني إسرائيل على عبور البحر، نقول له لم يعبر بنو إسرائيل منطقة مياه ضحلة، وقد تأثرت بعوامل المد والجزر الناتجة من القمر، ولكنهم عبروا مياه عميقة " والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم" (خر 14: 23) ونفس الماء الذي عبر فيه بنو إسرائيل هو الذي غرق فيه فرعون وجيشه ومركباته وفرسانه " لم يبقَ منهم ولا واحد" (خر 14: 28).
9- القول بأن جبل حوريب دُعي جبل الطور أي الثور، وأن أصل اسم "يثرون" هو "يثران" وهذا تحريف للفظة "ثيران" هو تحميل للنص أكثر مما ينبغي، فجبل الطور هو جبل تابور على بُعد خمسة أميال غربي الناصرة بأرض فلسطين، وليس هو جبل حوريب في أرض سيناء، ويبلغ ارتفاعه 1843 قدمًا فوق مستوى سطح البحر، وقال المرنم " الشمال والجنوب أنت خلقتهما. تابور وحرمون باسمك يهتفان" (مز 89: 12) وجاء في سفر أرميا " حي أنا يقول الملك رب الجنود اسمه كتابور بين الجبال" (أر 46: 18) وهناك تقليد يرجع للقرن الرابع الميلادي يذكر أن الجبل الذي تجلى عليه السيد المسيح هو جبل تابور، ولذلك أقيمت عليه كنيسة التجلي(8).
_____
(1) الأسطورة والتراث ص 175 - 178.
(2) راجع قصة الخلق ومنابع سفر التكوين ص163 - 167.
(3) راجع دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 380.
(4) ص 262، 263.
(5) تعرف إلى العهد القديم مع الآباء والأنبياء ص 53.
(6) فجر الضمير ص 239.
(7) الجزء الأول ص 45، 167.
(8) راجع دائرة المعارف الكتابية جـ 2 ص 331، 332.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/589.html
تقصير الرابط:
tak.la/t6kq7g4