ج: اسم السفر: دُعي سفر الخروج في اللغة العبرية " وإله شيموت " أي " وهذه أسماء " وهما أول كلمتان يبدأ بهما السفر كما دُعي في العبرية أيضًا " حوميش شنى " أي " الثاني من الخمسة"، فترتيب سفر الخروج هو التالي لسفر التكوين من توراة موسى النبي التي تشمل الأسفار الخمسة الأولى.
ودُعي السفر في اللغة اليونانية " أكسودوس " Exodus أي الخروج أو الارتحال أو الهجرة أو النزوح، ورغم أن الخروج يشغل أقل من نصف السفر، إلاَّ أنه الحدث الأهم في تاريخ شعب الله، ولذلك دُعي السفر كله بالخروج.
كاتب السفر: شكَّك بعض النُقَّاد في نسبة سفر الخروج لموسي النبي، فقال البعض " لا حاجة لأن نفترض أن شخصًا كتب سفر الخروج كله، فعلى الأقل السفر نفسه لا يدَّعي هذا. وقد يكون من المستحسن أن نفهم أن مزيجًا من مصادر موسوية مكتوبة، ومادة شفوية نقلًا عن موسى، تم توحيدها بعد ذلك في السفر الذي نعرفه باسم سفر الخروج"(1).
والحقيقة أن موسى النبي هو كاتب السفر، وما أكثر الأدلة على ذلك، ويكفي أن نسوق منها الآتي:
1- شهادة النصوص المقدَّسة: التي نصت صراحة بأن الله أمر موسى النبي بالكتابة، فمثلًا عقب الانتصار على حرب عماليق " فقال الرب لموسى أكتب هذا تذكارًا في الكتاب" (خر 17: 14) وعندما دعى الله موسى للصعود للجبل " فكتب موسى جميع أقوال الرب" (خر 24: 4) وعندما أعطى الله التحذيرات من عبادة الآلهة الغريبة وقطع عهد مع شعوب الأرض " قال الرب لموسى أكتب لنفسك هذه الكلمات" (خر 34: 27).
2- الكاتب شاهد عيان للأحداث بدليل ما ذكره من تفصيلات عديدة مثل:
أ - إرسال ريح شرقية حملت الجراد إلى مصر (خر 10: 13).
ب- إرسال ريح غريبة شديدة حملت الجراد وطرحته في بحر سوف (خر 10: 19).
جـ- إرسال ريح شرقية شديدة أظهرت اليابسة وسط البحر (خر 14: 21).
د - صنع الفصح في اليوم الرابع عشر من الشهر الأول (نيسان) (خر 12: 18) والخروج في اليوم الخامس عشر من نفس الشهر، والرحيل من إيليم إلى برية سين في اليوم الخامس عشر من الشهر الثاني (خر 16: 1).
هـ- الوصف الدقيق للمن (خر 16: 14).
و - الوصف الدقيق التفصيلي لخيمة الاجتماع (خر 25 - 31).
3- ذكر الكاتب أحداث شخصية مثل:
أ - قتل موسى للرجل المصري سرًا، وفضح الأمر بواسطة الرجل الإسرائيلي في اليوم التالي (خر 3).
ب- ظهور الله في العليقة، وتفصيل الحديث الذي دار بين الله وموسى، ومحاولات موسى المتكررة للاستعفاء من الإرسالية، وإصرار الله على إرساله (خر 3، 4).
جـ- قصة عودة موسى مع زوجته وولديه، وما حدث من محاولة الله لقتله، وختان ابنه (خر 4).
4- حوى السفر معلومات لا يعرفها إلاَّ الذي عاصر الأحداث مثل:
أ - عندما شاهد موسى النبي العليقة قال "أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم. لماذا لا تحترق العليقة" (خر 3: 3) وعندما طرح العصا إلى الأرض " فصارت حية. فهرب موسى منها" (خر 4: 3) وعندما ترك أرض مديان " فأخذ موسى امرأته وبنيه وأركبهم على الحمير ورجع إلى أرض مصر" (خر 4: 20) وعندما التقاه الرب في الطريق وطلب أن يقتله " فأخذت صفورة صوَّانه وقطعت غُرلة ابنها ومسَّت رجليه. فقالت أنك عريس دم لي" (خر 4: 25) وعندما حارب عماليق إسرائيل ووقف على التلة يصلي ثقلت يداه " فلما صارت يدا موسى ثقيلتين أخذا حجرًا ووضعاه تحته فجلس عليه. ودعم هرون وحور يديه" (خر 17: 12) وذكر موسى النبي سبب تسمية ابنيه " أحدهما جرشوم لأنه قال كنتُ نزيلًا في أرض غريبة. واسم الآخر أليعازر لأنه قال إله أبي كان عوني وأنقذني من سيف فرعون" (خر 18: 3، 4).. إلخ.
ب - في ضربة البرد ذكر تتابع المحاصيل الزراعية "فالكتان والشعير ضُربا لأن الشعير كان مُسبّلاُ والكتاب مُبزّرًا. وأما الحنطة والقطاني فلم تُضرب لأنها كانت متأخرة" (خر 9: 30، 31).
جـ - ذكر نمو الحلفا على حافة النهر (خر 2: 3).
د - توافر خشب السنط القوي في صحراء سيناء، وهو ما صُنع منه خشب خيمة الاجتماع (خر 25: 5).
هـ - ذكر غطاء الخيمة الأعلى من جلود التُخَس، وهو عبارة عن جلد حيوان بحري يُدعى (الأطوم) وهو حيوان ثديي يعيش في البحر الأحمر.
5- لأن موسى النبي هو كاتب السفر لم ينسب العظمة لنفسه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولو كان الكاتب شخص يهودي آخر مثل هرون أو حور أو يشوع أو غيرهم لعظم موسى ورفعه إلى درجة أعلى من الكواكب، ولكننا نجد العكس أن السفر يذكر ضعفات موسى النبي وأخطاءه بصراحة ووضوح، مثل قتله للرجل المصري (خر 2: 12) وخوفه وهروبه من أرض مصر (خر 2: 14، 15) ومحاولة استعفاءه من الإرسالية التي كلفه بها الله (خر 4: 1 - 14) وعندما أتت المقابلة الأولى مع فرعون بثمار عكسية عاتب الله (خر 5: 22، 23) ولما دعاه الله ليدخل إلى فرعون ثانية ذكر ضعفه وعجزه (خر 6: 12).
1- يستكمل سفر الخروج ما انتهى إليه سفر التكوين، فقد انتهى سفر التكوين بدخول يعقوب وأولاده إلى مصر، وموت يوسف، فيكمل سفر الخروج قيام ملك جديد لا يعرف يوسف، واضطهاده لبني إسرائيل، ولذلك بدأ سفر الخروج بحرف العطف " و".
2- دعى الرب يسوع سفر الخروج بكتاب موسى، فعندما قال للصدوقيين " أفما قرأتم في كتاب موسى أمر العليقة كيف كلمه الله قائلًا أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب.." (مر 12: 26، 27) وفي قصة المن " فقال لهم يسوع الحقَّ الحقَّ أقول لكم ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء" (يو 6: 32).
3- يمثل موسى الشخصية الرئيسية بلا منازع من الأسفار الأربعة من الخروج للتثنية، وهو أقدر إنسان يستطيع أن يسجل الأحداث كما جرت في مصر، وفي سيناء، فقد تهذَّب بكل حكمة المصريين أربعين سنة، واختبر حياة البرية أربعين سنة أخرى.
4- اعتراف اليهود والمسيحيين بأن موسى هو كاتب السفر.
زمن كتابة السفر: قال بعض النُقَّاد " بعض الكتَّاب اللاهوتيين يقولون أن عملية التدوين النهائية كانت في أيام يشوع، والبعض الآخر يقول أنها كانت في عهد صموئيل النبي، وعلى جانب آخر هناك من يفضلون أيام عزرا. وقد تبنى كل رأي من هذه الآراء كاتب أو أكثر"(3).
وهكذا شأن النُقَّاد هو الاختلاف في القضايا، وعدم إعطاء رأي واضح وصريح، وما دمنا مقتنعين بأن موسى هو كاتب السفر وليس شخص آخر، إذًا لا بُد أنه كُتب في زمن موسى النبي، وهذا واضح من الأوامر الإلهية الصادرة لموسى بالكتابة (خر 17: 14، 34: 27) أن موسى هو الذي دوَّن هذا السفر مع بدايات رحلة البرية.
وإن كان البعض قد اعترض على نسبة السفر لموسى النبي بحجة:
1- أن موسى كان قائدًا وليس كاتبًا، فقد سبق الرد على هذا الاعتراض (راجع مدارس النقد جـ 1 س 29 ص 195، 196).
2- أن الكتابة لم تكن معروفة في زمن موسى، فقد سبق الرد على هذا الاعتراض (راجع مدارس النقد جـ1 س 30 ص 197 - 203، ومدارس النقد جـ 5 س 309 ص 15).
3- أن سفر الخروج كُتب بصيغة الغائب، فقد سبق الرد على هذا الاعتراض (راجع مدارس النقد جـ1 ص 203 - 204).
4- أن السفر كُتب بصيغة أدبية عالية لا تتناسب مع عصر موسى، فقد سبق الرد على هذا الاعتراض (راجع مدارس النقد جـ 1 ص 205 - 206).
لغة السفر: قال الدكتور وسيم السيسي بأن موسى النبي لم يكتب التوراة باللغة العبرانية، لأن هذه اللغة عُرفت بعد موت موسى بمائة عام(4).
والحقيقة أنه سبق مناقشة هذا الموضوع(5) حيث تم طرح الآراء المختلفة سواء آراء القائلين بأن التوراة كُتبت باللغة المصرية القديمة، أو آراء القائلين أنها كُتبت بالخط المسماري، ورأي قسم ثالث أنها كُتبت بالأبجدية التي استعملها السوموريون، وجزم البعض بأن موسى كتب التوراة باللغة العبرانية، ونضيف هنا تأييد الشماس الإكليريكي ناجي ونيس لهذا الرأي، حيث يقول للدكتور وسيم " بافتراض أن العبرية لم تُعرف إلاَّ بعد موسى بمائة سنة كما تدعي حضرتك... ونحن نعرف أن أبينا إبراهيم يسبق موسى النبي بأكثر من أربعة قرون تقريبًا، فكيف تبرر لي يا أستاذي الفاضل أن هناك الكثير من العبارات والأسماء العبرية، أي ذات المعاني العبرية في عصر إبراهيم وأولاده وأحفاده. فعلى سبيل المثال وليس الحصر فحينما خرج إبراهيم من أور الكلدانيين كان اسمه إبرآم... لما أطاع الله وخرج غير الله اسمه فيما بعد إلى إبراهيم، وإبراهيم من الكلمة العبرية "أبوهام" ومعناه في العبرية "أب لجمهور كثير" فكيف يتسمى باسم عبري ذي معنى عبري ولا تكون هناك أساسًا لغة عبرية... وبذات القياس فإننا نجد أسماء أولاد إبراهيم تحمل معان عبرية... فابنه إسماعيل يحمل اسمًا عبريًا معناه " الله يسمع " وكذلك ابنه إسحق يحمل اسمًا عبريًا معناه " يضحك".. يعقوب يحمل اسمًا عبريًا ومعناه " يعقب " أو يمسك العقب أو الكعب... حينما ولدت ليئة زوجة يعقوب ابنها الثاني قالت (أن الرب قد سمع أني مكروهة فأعطاني هذا أيضًا فدعت اسمه شمعون) وشمعون هو اسم عبري معناه " سماع " فهل تكلمت بلغة ثم أطلقت اسمًا على ابنها بلغة أخرى..؟ كذلك في ولادة ابنها الثالث، فقد قالت (الآن هذه المرة يقترن بي رجُلي لأني ولدت له ثلاثة بنين لذلك دعى اسمه (لاوي) ولاوي هو اسم عبري معناه " مقترن " وكذلك حينما ولدت ابنها الرابع قالت (هذه المرة أحمد الرب، لذلك دعت اسمه يهوذا) ويهوذا اسم عبري معناه " حمد " وكذلك لما ولدت جارية رحيل، قالت الأخيرة (قد صارعت أختي وغلبت فدعت اسمه نفتالي) ونفتال هو اسم عبري معناه " مصارعتي".. فهناك يسَّاكر وهو اسم عبري معنا " سكن أو إقامة " والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: كيف تكون اللغة العبرية قد جاءت بعد موسى بمئة سنة -كما تدعي- ونجد هذه الأسماء العبرية، والتي تحمل معان موجودة قبل موسى بأكثر من 400 سنة؟!"(6).
_____
(1) ترجمة نكلس نسيم - التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - العهد القديم ص 50.
(2) راجع مدارس النقد جـ 1 ص 186 - 194، والأستاذ رأفت شوقي - دراسة علمية في سفر الخروج.
(3) ترجمة نكلس نسيم - التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - العهد القديم ص 55.
(4) مقال بمجلة روز اليوسف بتاريخ 4/11/2006م.
(5) راجع مدارس النقد جـ5 س310.
(6) محاولات سرقة أدب العهد القديم جـ 1 ص 45 - 47.
(7) تم الإجابة على 561 سؤالًا في الأجزاء الخمسة السابقة من مدارس النقد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/562.html
تقصير الرابط:
tak.la/8w7x4my