ج: 1- قال داود النبي " أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السموات فأنت هناك وإن فرشت في الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر فهناك أيضًا تهديني يدك وتمسكني يمينك" (مز 139: 7 - 10) فالله مالئ كل مكان، ولذلك يقول الكتاب أيضًا " إذا اختبأ إنسان في أماكن مستترة أفما أراه أنا يقول الرب. أما أملأ أنا السموات والأرض يقول الرب" (أر 23: 23، 24) ومع هذا فإنه يكلمنا بلغتنا التي ندركها، ولذلك يقول الكتاب أن الله ينزل ويمشي " هوذا الرب يخرج من مكانه وينزل ويمشي على شوامخ الأرض. فتذوب الجبال تحته وتنشق الوديان كالشمع قدام النار... كل هذا من أجل إثم يعقوب ومن أجل خطية بني إسرائيل" (مي 1: 3 - 5) ونحن ندرك جيدًا أن الله لا ينزل ولا يصعد لأنه مالئ كل مكان، وما هذا إلاَّ تعبير مجازي يشرح لنا تدخل الله في حياة البشر، وقال أحد علماء اليهود تعليقًا على هذا الموقف أن الله نزل عن عرش رحمته إلى عرش قضائه، لأن الرحمة أعلى من القضاء، وهكذا تعبير الكتاب أيضًا " فنزل الرب لينظر " تعبير مجازي، ونحن ندرك جيدًا أن الله علَّام الغيوب، وعيناه تخترقان أستار الظلام، ومع أن الله هو العارف بكل الأمور، لكنه في اليوم الأخير سيقول للأشرار " إني لم أعرفكم قط. أذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (مت 7: 23) وسيقول للعذارى الجاهلات " الحق أقول لكنَّ إني ما أعرفكن" (مت 25: 12).
2- لماذا يحتج الأستاذ علاء أبو بكر وغيره، مع أن تعبير " نزل الله " متعارف عليه في الفكر الإسلامي، فذكر القرآن نزول الله فوق الجبل ورؤية موسى النبي له " ولما جاء موسى لميقاتنا وكلَّمه ربه وقال ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن أستقر مكانه فسوف تراني.." (سورة الأعراف 142) وجاء في الحديث " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الأخير يقول من يدعوني فأستجيب له. من يسألني فأعطيه. من يستغفر لي فأغفر له"(2).
3- يقول الخوري بولس الفغالي " نزل الرب لينظر... لا تتنافى هذه الكلمات وعلم الله الشامل وحضوره في كل مكان. لا يحتاج الله إلى أن ينزل ليرى عمل البشر، ولكن الكاتب يلجأ إلى الطريقة الأنثروبرمورفية ليشبه بها الله بملك من الملوك جاء يزور مدينه من مدنه. جاء الله لينظر هذا البرج الذي سيرتفع إلى السماء. وماذا يستطيع أبناء آدم الضعفاء أن يفعلوا بوجه سلطة الله المطلقة، نتذكر كلام المزمور التالي {الجالس في السموات يضحك. الرب يستهزئ بهم}"(3).
4- يقول القس ميصائيل صادق " أن تعبيرات " نزل"، و" تعب"، و" حزن"، و" تأسف " كلها تعبيرات قيلت لتناسب عقل الإنسان، وعند غير المسيحيين قيل أن الرحمن على العرش استوى، فعلام الاعتراض؟!"(4).
5- يقول أبونا أغسطينوس الأنبا بولا " أن الوحي يخاطبنا بأسلوبنا البشري لكي ندرك المعنى. لكن الله يملأ كل الوجود، فهو لا ينزل ولا يصعد، بل هو تعبير بلاغي يعبر عن شدة فحصه لنيات أهل بابل، وشدة بعدهم عنه بسبب شرورهم وآثامهم. ويرى بعض الآباء في هذه الآية تمهيدًا لنزول الكلمة وتجسده {ليس أحد صعد... إلاَّ الذي نزل... الذي هو في السماء}"(5).
6- يقول أحد الآباء الرهبان بدير مار مينا العامر " ليست كل التعبيرات تؤخذ بالمعنى الحرفي الملموس، إذ لها معنى روحي أو معنى رمزي، ومثال ذلك القول " عين الرب على خائفيه" (مز 33: 18) ولكن لأن الرب روح أي ليس له عينان لذا فكلمة عين هنا في المزمور تعني عناية الرب. وعلى ذلك فالقول " نزل الرب لينظر المدينة والبرج" (تك 11: 5) لا تؤخذ بالمعنى الحرفي، فهذا قول يناسب الفكر البشري، ويعبر عن أن الأمر هام، وأن ما سيحدث هو بقدرة الله وإرادته. ونضيف أن الله وهو في سماه عَلِم أن أهل بابل " قالوا هلمَّ نبنِ لأنفسنا مدينة وبرجًا" (تك 11: 4) فبما أنه عَلِم بما قالوه فلابد أنه كان يعلم أيضًا بما يعملون "(6).
7- يقول الأستاذ توفيق فرج نخلة " نزول الله معناه أنه أعلن عن عمله في مكان معين بطريقة تدركها الحواس، فنزل ليعاقب أهل بابل (تك 11: 5) ونزل ليعاقب أهل سدوم وعمورة (تك 18: 21) ونزل لينقذ شعبه (خر 3: 7، 8) ونزل ليعطي الشريعة على جبل سيناء (خر 19: 18 - 20) وفي العهد الجديد نزل ليُخلص من الهلاك الأبدي عن طريق التجسد والفداء (يو 3: 16، 6: 38)"(7).
_____
(1) البهريز جـ 1 س 164.
(2) صحيح البخاري جـ 1 ص 200.
(3) المجموعة الكتابية - سفر التكوين ص 171، 172.
(4) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(5) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(6) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(7) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/441.html
تقصير الرابط:
tak.la/z7tfbc2