يقول " ليوتاكسل".. " فاللاهوتيون يؤكدون تأكيدًا قاطعًا بأن الله يعرف كل شيء، وأن المستقبل مكشوف أمامه كراحة الكف، وإذا كان الأمر كذلك، ألم يكن عليه أن يعرف ماذا سيحدث؟ أفلا يقع كل شيء بإرادته فقط؟ أليس الله نفسه هو من أراد للإنسان أن يسقط في الخطيئة؟"(1).
ج: 1- لقد وهب الله لآدم هبات عظيمة، إذ هيأ له جنة عدن ليعيش فيها، وجعله ملكًا على الخليقة المنظورة، وخلق له حواء وأقرنه بها، فأراد الله أي يهيئ الفرصة لآدم للتعبير عن حبه المتبادل لله، وبهذا أوجد هذه الشجرة، فطالما أن آدم لم يمد يده إليها، فمحبة الله كائنة في قلبه، أما إن تجرأ وأكل منها حينئذ تكون محبة الله تكون قد اهتزت في أعماقه.
2- لا يظن أحد أن محبة الله لآدم كانت ناقصة، ولذلك نصب له هذا الفخ، فالحقيقة أن الله أراد أن يتمتع آدم بحريته الشخصية، ويمارس حرية الإرادة، ولذلك وضع له هذه الشجرة، وترك له حق الاختيار، فيقول الأستاذ رشدي السيسي " أن الله وضع آدم وحواء في الجنة ومنحهما الهبة الكبرى، وهي حرية الاختيار أو حرية الإرادة، وبديهي أن هذه الحرية لا تتيسر حيازتها وممارستها إلاَّ إذا كان هناك شيئان متعارضان أمام الحائز على هذه الحرية حتى يوازن بينهما ويتخيَّر أحدهما بمحض إرادته، ولهذا كان من المحتم أن يضع الله في الجنة شجرة معرفة الخير والشر، كي يمارس الإنسان هذه الهبة العظمى الممنوحة له من خالقه العظيم، أعني حرية الإرادة، وكان هذا دليلًا عمليًا رائعًا على ما خص الله به الإنسان من تقدير لشخصه واحترام لرأيه على الرغم من سقطته وعصيانه! أما حب الله للإنسان فقد تجلى بصورة رائعة قبل السقوط وبعده، فقد وضع (الله) شجرة الحياة بجانب شجرة المعرفة قبل السقوط، ليأكل منها ويعيش، ولكنه أغفلها وأكل من الشجرة المُحرَّمة بإرادته فسقط!.. وهكذا تجلى حب الله للإنسان حتى بعد العصيان والسقوط بتدبيره أمر الفداء العجيب!"(2).
3- هناك فرق بين علم الله السابق، وبين حرية الإنسان في الاختيار، وتحمله مسئولية هذا الاختيار، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فإذا بشَّر المعلم طالبًا جادًا بأنه سيتفوق، وأنذر طالب آخر متهاون بأنه سيفشل، فهل يكون هذا المعلم هو السبب في تفوق الواحد وفشل الآخر؟ كلاَّ... وهل يتحمل المعلم مسئولية فشل الطالب المتهاون؟ كلاَّ... لقد أنذره ليستدرك الأمر قبل فوات الأوان ولكن الطالب لم ينتبه لهذا الإنذار، وهذا ما فعله الله تبارك اسمه مع أبونا آدم، إذ أنذره ونهاه عن الأكل من شجرة المعرفة، موضحًا له عقوبة هذه المخالفة، وهي الموت الأبدي، ومع ذلك سقط آدم في المخالفة، ومع هذا فإن محبة الله تجلت أيضًا بعد السقوط، إذ ألبس الله آدم وحواء أقمصة من جلد، وتعهد ذريتهما بالأنبياء والناموس، وأخيرًا تجسد، وحمل في جسده عقوبة مخالفة آدم وبنيه، ومات هو بالجسد لكي يحيا آدم، ورفعه من الفردوس الأرضي الذي عاش فيه قبل السقوط إلى ملكوت السموات... فما أعظم هذه المحبة..؟! ولكن البعض يرى أن الله نصب فخًا لآدم عن طريق شجرة المعرفة ليصطاده للموت الأبدي ويطرده بدون رجعة من الفردوس.
4- هناك فرق بين إرادة الله، وسماح الله. فإرادة الله خيرة، فهو لا يشاء إلاَّ الخير والصلاح، ولكن إن أصرَّ الإنسان على الخطأ، فإن الله الذي يحترم الحرية الشخصية للإنسان، يسمح له بالسقوط. أما لو منعه من السقوط في الخطأ - الذي يريده الإنسان بمطلق حريته - لأصبح الإنسان مُصيَّرًا فاقدًا لحريته مشابهًا الحيوان الأعجم.
5- يقول القس ميصائيل صادق عن شجرة الحياة " ولماذا يخفيها الله إذا كانت هي وسيلة اختبار آدم وطاعته، فإخفائها يتعارض مع الغرض منها، وإخفاءها يجعل الإنسان مسيرًا وليس مُخيَّرًا"(3).
6- يقول أبونا أغسطينوس الأنبا بولا " الله بسابق علمه كان يعرف طبعًا أن آدم سيأكل من شجرة معرفة الخير والشر، ولكن الله أعطاه الحرية، ولا يمكن أن يسلبها منه ثانية. الله يريد أن يسير الإنسان في طريق الخير بإرادته الحرة وليس بالإكراه"(4).
7- يقول أبونا يؤانس الأنبا بولا " خلق الله الإنسان حرًا مريدًا، والله يحترم هذه الحرية، فلذلك يُقدم له وصايا وليس أوامر، ولهذا أُطلق على لوحي الشريعة الوصايا العشر وليس الأوامر العشر، وقال الرب لإبراهيم {لأني عرفته لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب ليعملوا برًا وعدلًا لكي يأتي الرب لإبراهيم بما تكلم به} (تك 18: 19)"(5).
8- يقول أحد الآباء الرهبان بدير مار مينا العامر " أعطى الله الإنسان حرية الإرادة لكي يختار الخير لكي يحيا أو يختار الشر فيموت، ولم يخلق الإنسان كالبهائم العجماوات التي ليس لها عقل. ولكي يُثاب الخيّر ويُعاقب الشرير يجب أن يكون هناك حرية الاختيار بين الخير والشر، فهناك وصية إذا أطعناها نُثاب وإذا خالفناها نُعاقب، وإلاَّ فما معنى الحساب في اليوم الأخير، وعلى أي أساس يُعاقب الشرير ويُمدح الصديق..؟! وأيضًا إخفاء شجرة معرفة الخير والشر لم يكن يمنع جنوح آدم وحواء إلى الخطأ، وها الشيطان لم يكن أمامه مجال للخطأ، ولكنه نزح بإرادته إلى العصيان"(6).
9- يقول أبونا تيموثاوس السرياني " لم يشاء الله سقوط الإنسان، ولكنه سمح به لغرض حكيم وعظيم، فما كان الإنسان يمكنه أن يعرف الله حق المعرفة عن طريق الخليقة وحدها، بل قدمت الخطية فرصة لإعلان نعمة الله العجيبة، وحكمته السرمدية، ومحبته الأزلية، فنحن لا ننكر أن الخطية أفسدت وشوهت الجمال الذي عمله الخالق، لكن هذا التشويه عينه، والقبح الذي أصاب الخليقة بسبب السقوط، أعطى للجمال قيمة مضاعفة. إن مدافع نابليون التي شوهت وجه " أبو الهول " أظهرت في نفس الوقت قوته وصلابته، هكذا فعلت الخطية... فكيف يمكن أن تظهر قوة الله وحكمته وبره ونعمته ومحبته لولا الخطية، هذا أولًا. أما السبب الثاني لعدم منع آدم من الأكل هو أن آدم قد خُلق على صورة الله ومثاله، وأهم شيء في هذه الصورة هي حرية الإرادة، فالإنسان مخلوق حر يتصرف بحريته، حتى لو رفض الحب الإلهي المُقدَّم له {قد جعلت قدامك الحياة والموت والبركة واللعنة فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك} (تث 30: 19)"(7).
10- تقول الدكتور نبيلة توما " خلق الله الإنسان حرًا ومريدًا وعاقلًا، واحترم الله هذه الحرية، فللإنسان الحق في أن يختار الالتصاق بالله دون إكراه أو خوف، وله أن يرفض، فالله يريد أبناء وليس عبيد، فالابن له الدالة والحرية والميراث، أما العبد فليس له كل ذلك... لقد وفر الله للإنسان المناخ الذي يتيح له السعادة والفرح والإبداع، وتحاور معه كصديق، ومنحه سلطان على الخليقة، وطلب منه أن يعمل ويحفظ الجنة كإنسان مسئول، فالذي سأل هذا السؤال مازال عبدًا وليس ابنًا، يريد الأوامر والنواهي وليس النصح والإرشاد والتوجيه والحب والدالة، لكن الله يريدنا أبناء وورثة لملكوته"(8).
11- يقول الدكتور يوسف رياض " خلق الله الإنسان على صورته في أمور كثيرة منها الحرية المطلقة، فالله يريد أن الإنسان يتمم الوصية بكامل إرادته، وليس عن طريق إخفاء شجرة معرفة الخير والشر... الله بسابق علمه يعرف أن الإنسان سيخطئ، ولذلك رتب له طريق الخلاص قبل إنشاء العالم"(9).
12- يقول الأستاذ توفيق فرج نخلة " الله يعلم كل شيء، ولكن علمه السابق لا يعطل حرية الإنسان واختياره. علم العالِم ليس سببًا في فعل الفاعل، فقد يعرف الطبيب أن هذا المرض سيقتل ذلك الشخص، ولا يعتبر الطبيب سببًا للمرض"(10).
13- يقول الدكتور ملاك شوقي إسكاروس " أن الله وضع هذه الشجرة ولم يخفها عن آدم لأنها كانت بمثابة اختبار لأمانة الإنسان وطاعته لخالقه، لقد سمح الله للإنسان بالأكل من شجر الجنة ولم يمنع عنه إلاَّ شجرة واحدة، مثل ملك غائب في سفر وترك قصره الواسع لخادمه يستخدمه كما يشاء بجميع حجراته وصالاته وحدائقه، وطلب منه أن لا يدخل حجرة واحدة حيث يوجد سريره، فهل يوجد عذر لذاك الخادم لو اقتحم حجرة سيده؟! أو هل يكون الملك مسئولًا عن خطأ الخادم الذي لم يطع هذه الوصية البسيطة جدًا؟!!(11).
_____
(1) أورده السيد سلامة غنمي - التوراة والأناجيل بين التناقض والأساطير ص 126.
(2) مجلة الكرازة في 19/9/1975م ص 7.
(3) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(4) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(5) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(6) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(7) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(8) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(9) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(10) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(11) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/355.html
تقصير الرابط:
tak.la/jnz2fj9