س 1647 : كيف يجرؤ المترجم على إضافة كلمات من عندياته إلى كلام الله مثل كلمة "صَلاَتِي" (مز 5 : 3)؟.. ولماذا اختلفت الترجمة القبطية عن البيروتية في نفس العدد؟.. وهل الله لم يكن يسمع ولا يرى من قبل؟
جاء في "الطبعة البيروتية": " يا رب، بِالْغَدَاةِ تَسْمَعُ صَوْتِي. بِالْغَدَاةِ أُوَجِّهُ صَلاَتِي نَحْوَكَ وَأَنْتَظِرُ" (مز 5 : 3)، وجاءت كلمة " صَلاَتِي" بحـروف أصغر، وجاء في مقدمة الطبعة: " أعلم أن ما طُبع من الكلمات في المتن بحرف صغير ليس له وجود في العبراني واليوناني وقد زيد في الترجمة لأجل الإيضاح".. فكيف يجرؤ المترجم على إضافة كلمات من عندياته إلى كلام الله؟!
وجاء في "الترجمة القبطية": " يا رب بالغداة تسمع صوتي. بالغداة أقف أمامك وتراني".. فهل الترجمة الصحيحة " بِالْغَدَاةِ أُوَجِّهُ صَلاَتِي نَحْوَكَ وَأَنْتَظِرُ" أم "بالغداة أقف أمامك وتراني"؟!
وهل قول المُرنّم: " بِالْغَدَاةِ تَسْمَعُ صَوْتِي" يعني أن الرب لم يكن يسمع صوته بالأمس واليوم؟! وهل قول المُرنّم: " بالغداة أقف أمامك وتراني".. يعني أن الرب لم يكن يراه بالأمس واليوم؟!
ج : 1ـ نعم جاءت كلمة " صَلاَتِي" في (مز 5 : 3) بحروف صغيرة، وفعلًا ما طُبع في المتن بحرف صغير ليس له وجود في العبراني واليوناني وقد زيد على الترجمة بهدف الإيضاح، غير أنه تم التفريق بينه وبين بقية الكلمات، فالقارئ عندما يقرأ كلمات كُتبت بحرف صغير يدرك أنها ليست من المتن، بل أنها إضافة بهدف التوضيح، وهذا يعد شهادة لأمانة المترجمين، وسلامة الكتاب المقدَّس، فأمانة المترجمين أوجبت عليهم التفريق بين كلام المزمور وكلماتهم القليلة جدًا، ولو لم يفرقوا بين هذا وذاك ما كان الناقد يستطيع أن يكتشف مثل هذه الإيضاحات إلاَّ إذا كان دارسًا وعارفًا للغات العبرية واليونانية.
2ــ لو تأملنا في التعبيرين:
أ - " يا رب بِالْغَدَاةِ تَسْمَعُ صَوْتِي. بِالْغَدَاةِ أُوَجِّهُ نَحْوَكَ وَأَنْتَظِرُ".
ب - " يا رب بِالْغَدَاةِ تَسْمَعُ صَوْتِي. بِالْغَدَاةِ أُوَجِّهُ صَلاَتِي نَحْوَكَ وَأَنْتَظِرُ".
فليس هناك أي فرق في المعنى، فداود النبي يوجه صلاته لله، ويقول أنت يا رب تسمع صوتي، وأنا إليك أوجه صلاتي. إذًا ما هو مفهوم ضمنًا في النص الأول، أبرزه المترجم في النص الثاني بإضافة كلمة " صَلاَتِي" بحرف أصغر، دون أدنى تغيير في المعنى، ونحن نعلم أن المترجم يقوم بالترجمة مع الحفاظ على قاعدتين، لا غنى عن أحدهما، وهما:
أ - الالتزام بحرفيه النص بقدر الإمكان.
ب - الالتزام بالمعنى وروح النص وما قصده الكاتب بالضبط.
ومن المعروف أننا لا نؤمن بالتنزيل الحرفي أي نظرية الوحي الميكانيكية الإملائية التي تفترض أن الوحي يُملئ الكاتب كلمة كلمة، وبهذا يلغي شخصية الكاتب ويحوّله إلى مجرد آلة تسجيل أو جهاز كمبيوتر يتم التدوين عليه، لكننا نؤمن أن الأسفار المقدَّسة القانونية هيَ نتاج عمل مشترك بين الروح القدس والكاتب، فالروح القدس يرافق الكاتب ويرشده وينير ذهنه ويعصمه من أي خطأ دون أن يلغي شخصيته وأسلوبه وعلمه وثقافته، لذلك فإننا نقول أن الأسفار المقدَّسة هيَ كلمة الله التي عبرت خلال الذهن البشري، فاكتسبت لغة وثقافة وعلم وشخصية الكاتب.
3ـ جاءت هذه الآية في "الترجمة البيروتية": " يا رب بِالْغَدَاةِ تَسْمَعُ صَوْتِي. بِالْغَدَاةِ أُوَجِّهُ صَلاَتِي نَحْوَكَ وَأَنْتَظِرُ".
وفي "الترجمة اليسوعية": " يا رب في الصباح تسمع صوتي. وفي الصباح أتأهَّب لك وأترقب".
وفي "ترجمة كتاب الحياة": " في بواكير الصباح تصغى إلى صوتي يا رب. وفي الصباح أتوجه إليك منتظرًا إياك".
وفي "الترجمة العربية المشتركة": " في الصباح باكرًا تسمع صوتي. وباكرًا أتأهَّب وأنتظر".
وفي "الترجمة السبعينية": " يا رب في الصباح تسمع صوتي. في الصباح أقف أمامك وتراني".
وفي "الترجمة القبطية": " يا رب بِالْغَدَاةِ تَسْمَعُ صَوْتِي. بِالْغَدَاةِ أُوَجِّهُ صَلاَتِي نَحْوَكَ وَأَنْتَظِرُ ".
وواضح أن الترجمات البيروتية واليسوعية وكتاب الحياة والعربية المشتركة حملت نفس المعنى الذي يظهر فيه عنصر الانتظار والترقب، فداود النبي يرفع صلاته وينتظر كمن ينتظر انبثاق ضوء الفجر بعد ليل طويل، وهكذا قال ميخا النبي فيما بعد: " وَلكِنَّنِي أُرَاقِبُ الرَّبَّ، أَصْبِرُ لإِلهِ خَلاَصِي. يَسْمَعُنِي إِلهِي" (مي 7 : 7) وقال حبقوق النبي: "عَلَى مَرْصَدِي أَقِفُ، وَعَلَى الْحِصْنِ أَنْتَصِبُ، وَأُرَاقِبُ لأَرَى مَاذَا يَقُولُ لِي، وَمَاذَا أُجِيبُ عَنْ شَكْوَايَ" (حب 2 : 1) " أَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ" (إش 40 : 31).. " اِنْتِظَارًا انْتَظَرْتُ الرَّبَّ، فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي" (مز 40 : 1).
وفي الترجمة القبطية قال: " بالغداة أقف".. فلماذا يقف؟.. بلا شك أنه يقف ليوجه صلاته، والوقوف عكس الرقاد، فإن كان الرقاد يشير للاسترخاء والراحة، فإن الوقوف يشير للاستعداد للعمل الجاد. إذًا المعنى الضمني واضح تمامًا أن داود سيقف، وأنه سيقف في حضرة الله " وتراني" وهذا ما أوضحته هذه الترجمة... إنسان يقف في الحضرة الإلهيَّة ليوجه صلاته وينتظر الاستجابة، ومعنى " تراني" أن تنظر لحالتي وتستجيب لي، فالله يرى الأبرار ويبسط عنايته وحمايته ورحمته ومحبته عليهم، أما الأشرار فيصرف نظره عنهم... ولا تنسى أن سفر المزامير سفر شعري، والشعر هو ميدان البلاغة، فيظهر معنًا ويخفي آخر ليستشفه السامع.
4ــ قول المُرنّم: " بِالْغَدَاةِ تَسْمَعُ صَوْتِي" لا يعني على الإطلاق أن الرب لم يكن يسمع صوته بالأمس واليوم، وأيضًا قوله: " بالغداة أقف أمامك وتراني" لا يعني على الإطلاق أن الرب لم يكن يراه بالأمس واليوم، وهل لو قال لك صديق عزيز لديك: "غدًا ألقاك بمشيئة الله" فهل يعني قوله هذا أنه لم يكـن يلقاك من قبل؟!، وهل لو قال آخر: "غدًا أذهب إلى العمل بمشيئة الله"، فهل هذا يعني أنه لم يكن يذهب للعمل من قبل، أو أنه لن يذهب للعمل بعد هذه المرة؟!!
وعندما قال داود: " بِالْغَدَاةِ تَسْمَعُ صَوْتِي" أي عندما أستيقظ ستكون أنت يا رب أول من أتحدث معه، أبث إليه آلامي وإشتياقاتي، ضيقاتي ورغباتي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فإليك أصلِّي وأنت تسمع صوتي وتراني، ففي الصباح يحتاج الإنسان أن يتزود بالقوة ليجابه ما يأتي عليه خلال اليوم، وعندما قال داود " بالغداة أقف أمامك وتراني" فربما كان يقصد بالغداة يوم انطلاقه من الجسد، في فجر القيامة حيث ينهض الإنسان من نوم الموت ويترأى أمام الله، أما من جهة الله، فأنه يراه في كل لحظة، أما داود فطالما هو في الجسد فأنه يشعر أنه متغرب عن الله، ولكن بعد أن يخلع الجسد سيكون أمام الله دائمًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1647.html
تقصير الرابط:
tak.la/w6442f7