يقول "المستشار محمد سعيد العشماوي": " لفظ مسيح ورد عدة مرات، وهو يعني داود لأن صموئيل النبي مسحه بالدهن حتى يكون ملكًا. وهو أسلوب مصري قديم حيث كان كل ملك لا بد أن يُمسح بزيت الزيتون من الكاهن الأعظم، إشارة إلى أنه بالمسح صار مسيح الله واكتسب صفات روحية خاصة" (81). وجاء في نصوص شمرا عن الإلهة الأم الكبرى: "عانات يترجرج باطنها بالضحك" فقال "عاطف عبد الغني" أن هذا انعكس على قول المُرنّم: " اَلسَّاكِنُ فِي السَّمَاوَاتِ يَضْحَكُ" (مز 2 : 4) (راجع ناجح المعموري - أقنعة التوراة ص 80 - 83، وشفيق مقار - الجنس في التوراة ص 211).
ج : 1- قال المزمور: " قَامَ مُلُوكُ الأَرْضِ وَتَآمَرَ الرُّؤَسَاءُ مَعًا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ" (مز 2 : 2)، وإن كان المسح بالزيت أو بالدهن عادة قديمة عُرفت في الحضارات المصرية والبابلية، إلاَّ أنها ظهرت أيضًا في إسرائيل في وقت مبكر، فعندما هرب يعقوب من عيسو، وهو في طريقه إلى خاله لاَبَانَ بات ليلته وحلم بالسلم الصاعد إلى السماء، وعندما استيقظ: " قَالَ: حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ فِي هذَا الْمَكَانِ... مَا أَرْهَبَ هذَا الْمَكَانَ! مَا هذَا إِلاَّ بَيْتُ اللهِ وَهذَا بَابُ السَّمَاءِ. وَبَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ وَأَخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي وَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَأَقَامَهُ عَمُودًا وَصَبَّ زَيْتًا عَلَى رَأْسِهِ" (تك 28 : 16 - 18).
وشاع استخدام الزيت أو الدهن للمسح في بني إسرائيل، فكانوا يمسحون الملوك والكهنة والأنبياء، فعندما اختار الله شاول مسحه صموئيل إذ صبَّ الدهن على رأسه وقبَّله (1صم 10 : 1) فُدعيَ مسيح الــرب، وقــال له صموئيل: " إِيَّايَ أَرْسَلَ الرَّبُّ لِمَسْحِكَ مَلِكًا عَلَى شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ" (1صم 15 : 1) فدُعيَ شاول مسيح الرب، هكذا دعاه داود عندما حرضه رجاله على قتله فقال: " حَاشَا لِي مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ أَنْ أَعْمَلَ هذَا الأَمْرَ بِسَيِّدِي، بِمَسِيحِ الرَّبِّ، فَأَمُدَّ يَدِي إِلَيْهِ، لأَنَّهُ مَسِيحُ الرَّبِّ هُوَ" (1صم 24 : 6).. " فَمَنِ الَّذِي يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى مَسِيحِ الرَّبِّ وَيَتَبَرَّأُ" (1صم 26 : 9). إذًا لم يقتصر لقب " مَسِيحُ الرَّبِّ" على داود فقط، بل دُعي شاول ملك ممسوح بأنه مسيح الرب، ومن يقاومه فكأنه يقاوم الرب. بل أن "كورش" الملك الوثني الذي لم يُمسح بالدهن المقدَّس، دعاه الله بمسيح الرب، لأنه اختاره وأقامه لتنفيذ إرادته الصالحة تجاه شعبه: "هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ لِمَسِيحِهِ، لِكُورَشَ الَّذِي أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ.." (إش 45 : 1).
2ــ عرف بنو إسرائيل الإله الحقيقي ساكن السموات والمالئ كل مكان، خالق كل شيء، ومدبر كل شيء، وضابط كل شيء، غير المحدود وغير المتناهي، بينما اعتقدت الأمم الوثنية بآلهة هيَ من صنع الخيال، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. مثل الإلهة "عانات" التي تمثل المياه العذبة وزوجها الإله "أبسو" الذي يمثل المياه المالحة واعتقدوا أن المياه أزلية، مع أنه لا يوجد كائن قط أزلي غير الله وحده، وتحكي الأسطورة عن ذبح الإله "أبسو" بيد الإله "أيَّا" الحكيـم، ثـم قتـل "عانات" (تيامات) بيد الإله "مردوخ" الذي صنع من جسدها الكون كله... إلخ. وصنع الإنسان آلهة عديدة قال عنها المُرنّم: " أَصْنَامُهُمْ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ. لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ. لَهَا آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُ. لَهَا مَنَاخِرُ وَلاَ تَشُمُّ. لَهَا أَيْدٍ وَلاَ تَلْمِسُ. لَهَا أَرْجُلٌ وَلاَ تَمْشِي، وَلاَ تَنْطِقُ بِحَنَاجِرِهَا. مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا" (مز 115 : 4-8).. وهل مجرد تشابه عبارة في المزمور مع جملة من هذه الأسطورة الطويلة يعني أن المزمور أُقتبس من الأسطورة؟.. ثم أن هناك فرقًا شاسعًا بين مفهوم الضحك في كليهما، فالله يضحك ويستهزئ بالأشرار أي أنه يبطل مشوراتهم وخططهم التي حبكوها حول غيرهم، بينما عانات هيَ أسطورة من وحي الخيال الجامح ولا وجود لها على أرض الواقع، فالقول بأن باطنها يترجرج بالضحك هو وهم وخيال، ولنا عودة لمفهوم الضحك عند الله في السؤال التالي.
_____
(81) الأصول المصرية لليهودية ص 205.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1638.html
تقصير الرابط:
tak.la/h4x3s69