ج: 1- أحس أليهو بمدى الضيقة التي جاز فيها أيوب حتى أنه أراد أن يخاصم الله، لأن الله لم يجبه على تساؤلاته ولم يعطه تفسيرًا لماذا فعل به كل هذا وهو إنسان بريء، فقال أليهو لأيوب: "اللهَ أَعْظَمُ مِنَ الإِنْسَانِ. لِمَاذَا تُخَاصِمُهُ؟ لأَنَّ كُلَّ أُمُورِهِ لاَ يُجَاوِبُ عَنْهَا" (أي 33: 12، 13)، وفيما بعد قال الله على لسان إشعياء النبي: " وَيْلٌ لِمَنْ يُخَاصِمُ جَابِلَهُ. خَزَفٌ بَيْنَ أَخْزَافِ الأَرْضِ. هَلْ يَقُولُ الطِّينُ لِجَابِلِهِ: مَاذَا تَصْنَعُ؟ أَوْ يَقُولُ: عَمَلُكَ لَيْسَ لَهُ يَدَانِ؟" (إش 45: 9).
وهنا يعاتب الله أيوب الذي أراد أن يخاصمه، فقال له: "هَلْ يُخَاصِمُ الْقَدِيرَ مُوَبِّخُهُ أَمِ الْمُحَاجُّ اللهَ يُجَاوِبُه".
وفي "الترجمة اليسوعية": "هل يُخاصم القديرَ لائِمهُ ويُجيبُ الله مُوَبَخهُ".
وجاء في هامش هذه الترجمة: "أراد أيوب أن يخاصم الله، فأجابه الله بسر حكمته الظاهرة في أعماله"(1).
و"الْقَدِيرَ" هنا (بالفتحة على الراء) مفعول به وليس فاعل، فالله يقول لأيوب: "هل مَنْ يعاتب ويلوم الله يصل به الحال إلى مخاصمة الله؟! وهبْ يا أيوب أن إنسانًا أخذ يحاج الله ويجادله، تُرى هل يستطيع هذا المجادل أن يجيب الله على أسئلته؟ بالقطع لا، ونفس المعنى جاء في " ترجمة كتاب الحياة " بصورة أبسط: " أيُخاصمُ الاَّئمُ القديرَ؟ ليجِبِ المُشتكي على الله".
وفي " الترجمة العربية المشتركة": "هل يُخاصمُ القديرَ لائمهُ ويُجيبُ اللهَ من يَشتكيه؟".
وماذا كان رد فِعل أيوب..؟ أجاب أيوب قائلًا: "هَا أَنَا حَقِيرٌ، فَمَاذَا أُجَاوِبُكَ؟ وَضَعْتُ يَدِي عَلَى فَمِي" (أي 40: 4)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وعاد الله وسأل أيوب: "الآنَ شُدَّ حَقْوَيْكَ كَرَجُل. أَسْأَلُكَ فَتُعْلِمُنِي. لَعَلَّكَ تُنَاقِضُ حُكْمِي. تَسْتَذْنِبُنِي لِكَيْ تَتَبَرَّرَ أَنْتَ؟" (أي 40: 7، 8).
2- يقول "متى هنري": "هل تُعتبَر حكمةً أن يخاصم القديرَ موبخه..؟ كلاَّ، فهذه هي منتهى الحماقة في العالم. هل من الحكمة أن تخاصم من إذا قاومناه عرَّضنا أنفسنا لأشد الأخطار، وإذا خضعنا له كسبنا رضاه؟
وطلب ردًا سريعا: "أَمِ الْمُحَاجُّ اللهَ يُجَاوِبُه " أي من يحاول أن يعيّر الله يجب عليه أن يريح ضميره، ويرد على السؤال قائلًا: حاشا لي أن أخاصم القدير أو ألقنه تعليمًا. ليته يرد (الذي يحاجج الله) إن استطاع، على كل تلك الأسئلة التي وضعتها. ليته يرد أمام محكمة العدل الإلهي... إن من يعترضون على أي شيء يقوله الله أو يفعله، إنما يبرهنون على أنهم يفكرون في أنفسهم أفكارًا عالية، ويفكرون في الله أفكارًا وضيعة"(2).
3- يقول " القمص تادرس يعقوب": "يسأل الله أيوب: هل للمخلوق أن يملئ إرادته على خالقه؟ أو يعترض على حكمته ومشيئته؟ يليق بالشخص أن يجاوب سريعًا مستنكرًا أن يخاصم القدير أو يقف أمام حكمة الخالق. كأن الله يقول له: إنك إلى الآن لم تُدرِك حكمتي من جهة سماحي بالتجربة أن تحل عليك. إنك تتطلع إلى سموَّك وبرَّك ولم تضع في اعتبارك حكمتي ورعايتي لك. أما تعلَّمت من حيوانات البرية والطيور الجارحة أن تلتصق بي؟
فأجاب أيوب الرب: لقد اقتنع أيوب، فرؤيته لله قد تجاوزت كل الحدود وأصبح لديه تقدير جدير لعالم الله بما فيه من آفاق جديدة وتوافق وانسجام.
ها أنا حقير فماذا أجاوبُكَ؟ وضعتُ يدي على فمي: لقد فاق أيوب كل أهل زمانه في الفضيلة، واستطاع في الحوار أن يغلب أصدقاءه، لكن إذا تحدَّث الله معه اعترف بحقارته وضعفه، واضطر أن يضع يده على فمه ليصمت في سكون رهيب..."(3)
_____
(1) الكتاب المقدَّس - العهد القديم - مطبعة دار المشرق ص 1101.
(2) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير سفر أيوب جـ3 ص 245.
(3) تفسير سفر أيوب جـ4 ص 1323، 1324.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1616.html
تقصير الرابط:
tak.la/sm925wk