يقول " د. محمد علي البَار " عن الله: "واستمر في استعراض قوته ويحدثه عن بهيموث، الثور الذي على قرنه ترسو الأرض"(1).
وجاء في هامش الصفحة: "جاء في قاموس الكتاب المقدَّس: بهيموث: كلمة مصرية قديمة معناها ثور الماء، وبناء على ذلك فبهيموث هو فرس البحر الموجود قديمًا في أرض مصر، والآن في أعالي النيل... وأمَّا علماء اليهود فيزعمون أن بهيموث حيوان كبير الحجم جدًا ذو قدرة عظيمة ومنظره هائل، ومن شأنه أنه كان ولا يزال يسمن منذ ابتداء الخليقة إلى مجيء المسيح، فإذا جاء قُدّم عندها وليمة للمؤمنين"(2).
ج: 1- بعد أن تحدَّث الله مع أيوب عن أمور كثيرة من الطبيعة والحيوانات والطيور، تطرق الحديث إلى حيوانين، أحدهما بهيموث والآخر لوياثان، وكليهما ضخم الجسم، سميك الجلد، يَسْبَح في الماء ويصعب صيده، أحدهما أمكن للإنسان أن يخضعه أمَّا الثاني فلم يقدر أحد أن يذلّلـه، أحدهما يأكل النباتات والآخر يأكل اللحوم، أحدهما مُسالِم للإنسان والآخر في منتهى الخطورة، وقد اختارهما الله كإعلان بسيط منظور لقوته فيهما دون سائر الحيوانات الأخرى. وقال الله عن الأول: "هُوَذَا بَهِيمُوثُ الَّذِي صَنَعْتُهُ مَعَكَ يَأْكُلُ الْعُشْبَ مِثْلَ الْبَقَرِ. هَا هي قُوَّتُهُ فِي مَتْنَيْهِ، وَشِدَّتُهُ فِي عَضَلِ بَطْنِهِ. يَخْفِضُ ذَنَبَهُ كَأَرْزَةٍ. عُرُوقُ فَخِذَيْهِ مَضْفُورَةٌ. عِظَامُهُ أَنَابِيبُ نُحَاسٍ جِرْمُهَا حَدِيدٌ مَمْطُولٌ. هُوَ أَوَّلُ أَعْمَالِ اللهِ. الَّذِي صَنَعَهُ أَعْطَاهُ سَيْفَهُ... تَحْتَ السِّدْرَاتِ يَضْطَجعُ... هُوَذَا النَّهْرُ يَفِيضُ فَلاَ يَفِرُّ هُوَ. يَطْمَئِنُّ وَلَوِ انْدَفَقَ الأُرْدُنُّ فِي فَمِهِ" (أي 40: 15-23).
وجاء في هامش هذه الترجمة (فانديك) أمام كلمة بهيموث: "لعله الحيوان الموجود في نيل مصر المعروف بفرس البحر أو البهيموث".
وكلمة " بهيموث " كلمة عبرية، وهي جمع كلمة " بهيمة"، ومعناها بهيمة عظيمة، وجاء في " دائرة المعارف الكتابية": "ويبدو أن كلمة " بهيموث " هي صيغة مشدَّدة من كلمة " بهيمة" (وهي في العبرية والعربية شيء واحد معنى ومبنى)، وبذلك فهي تعني " بهيمة " شديدة الضخامة، ويوصف " بهيموث " بأنه أول أعمال الله (أي 40: 19)، ولعل المقصود من ذلك هو أنه أفضل ما تظهر فيه قوة الله"(3).
كما جاء في " دائرة المعارف الكتابية " أيضًا عن هذا الحيوان: "ويقول الله لأيوب عنه " الذي صنعته معك " إشارة إلى أن الله خلق الحيوانات في اليوم السادس الذي خلق فيه الإنسان (تك 1: 24-26)، ويقول البعض أن كلمة " بهيموث " العبرية هي جمع " بهيمة" (وهي نفس الكلمة العربية لفظًا ومعنى) التي تُطلق على الحيوانات الأليفة والمتوحشة.
ويقول البعض الآخر أنها ليست جمع " بهيمة " ولكنها كلمة مصرية الأصل تعني " ثور الماء"، ويقول بعض المفسرين أن المقصود منها هو الخرتيت أو الفيل، ولكن الوصف المذكور في أيوب (أي 40: 15-24) أكثر انطباقًا على " فرس النهر "الذي يعيش في نهر النيل وبعض أنهار أفريقيا، وبخاصة الإشارة إلى ضخامة حجمه وأكله العشب وارتياده المياه " هُوَذَا النَّهْرُ يَفِيضُ فَلاَ يَفِرُّ هُوَ" (أي 40: 23)، فهو يقضي معظم نهاره في المياه وبين الأشجار، حتى إذا خيم الليل خرج إلى الحقول على ضفاف النهر، فيتلف مزروعاتها وأشجارها"(4).
2- في وصف بهيموث قال عنه الله: "قُوَّتُهُ فِي مَتْنَيْهِ وَشِدَّتُهُ فِي عَضَلِ بَطْنِهِ " فقوته في حقويه، فإن كانت قوة الفيل في رقبته، وقوة الأسد في مخالبه، وقوة الفرس في صدره، فإن قوة فرس النهر في متنيه، وشدته في سرة بطنه، وأيضًا هنا إشارة إلى هضمه الطعام بسهولة وتكاثره الجنسي، وقول: "عُرُوقُ فَخِذَيْهِ مَضْفُورَةٌ " أي قوية متشابكة، وكذلك " عِظَامُهُ أَنَابِيبُ نُحَاسٍ " إذا قورنت عظامه بعظام بقية الحيوانات فإنها تشبه أنابيب النحاس، وقوله: "جِرْمُهَا حَدِيدٌ مَمْطُولٌ " أي أضلاعه مثل الحديد المطروق، وقوله: "أَعْطَاهُ اللهِ سَيْفَهُ " إشارة لأنيابه الطويلة التي يأكل بها الكلا والنباتات، وأيضًا كناية عن قوته ورعبه، وقول: "تَحْتَ السِّدْرَاتِ يَضْطَجعُ " والسدرات أشجار تنمو على شطوط مصر قيل أنها أشجار النبق، وكل هذه المواصفات لا تصف حيوان أسطوري خيالي، بل تصف حيوان يعرفه أيوب أو على الأقل سمع عنه، وهو فرس البحر.
3- يقول " القمص تادرس يعقوب": "جاءت بهيموث في صيغة الجمع " بهيمة " behemah أي حيوان، ولا تزال تُستخدم في مصر لتعني حيوانًا أليفًا مثل الغنم والحمير والخيول... إلخ.، وهي تختلف عن الكلمة العبرية chaytow الخاصة بالحيوانات البرية المتوحشة. يرى البعض أنه يشير هنا إلى فرس البحر أو البرنيق أو جاموس البحر hippopotamus... يتسم هذا الحيوان بضخامة جسمه مع قوته، فلا يقدر إنسان أن يدخل معه في مصارعة، فكيف يريد مقاومة خالقه.
لأَنَّ الْجِبَالَ تُخْرِجُ لَهُ مَرْعًى وَجَمِيعَ وُحُوشِ الْبَرِّ تَلْعَبُ هُنَاكَ: يرى البعض هنا صلاح الله العجيب، فمع ضخامة جسم هذا الحيوان، ومع قدرته لكنه ليس مفترسًا كالأسد أو النمر. لو كان مفترسًا يعيش على لحوم الحيوانات، فمع ضخامة جسمه لاحتاج إلى افتراس الكثير من الحيوانات، لأنه يحتاج إلى كمية هائلة من الطعام. لكن طعامه هو العشب الذي يوجد بوفرة على الجبال. وإذ يعيش على الخضروات لا تخشاه وحوش البر الأضعف منه جسمانيًا، بل تلعب معه.
تُظَلِّلُهُ السِّدْرَاتُ بِظِلِّهَا. يُحِيطُ بِهِ صَفْصَافُ السَّوَاقِي: إذ تلعب معه وحوش البر لا يحتاج أن يكمن في أماكن مظلمة أو يختبئ في كهوف حتى ينقض فجأة على فريسته. إنما في أمان يضطجع تحت الأشجار المظللة (السدرات) ينام في سلام وتلتف حوله الحيوانات متهللة تلعب معه"(5).
4- يقول " لويس صليب": "وبهيموث هو المعروف باسم " هيبوتوس " أو المعروف عند العامة بِاسم " سيد قشطه " وقد يطلق عليه أيضًا " فرس النهر " أو " ثور النهر " والتسمية الثانية هي الأرجح لأنه يشبه الثور أكثر مما يشبه الفرس. لا شك أن له خصائصه الخاصة التي يتميز بها ولكنه كثير الشبه بالثور من حيث الشكل والعادات، والحيوانات المشار إليهما كانا معروفين في مياه نهر النيل وكذلك في بلاد العرب في الصحراء حيث كانت تقطن الشخصيات المتحدثة في سفر أيوب والتي لا بُد كانت تعرفها عن طريق الأخبار إن لم يكن بالزيارة الفعلية لمصر... " هُوَذَا بَهِيمُوثُ الَّذِي صَنَعْتُهُ مَعَكَ يَأْكُلُ الْعُشْبَ مِثْلَ الْبَقَرِ".
يتضح من هذا أننا على حق في تسميته ثور النهر وليس فرس النهر: "هَا هي قُوَّتُهُ فِي مَتْنَيْهِ وَشِدَّتُهُ فِي عَضَلِ بَطْنِهِ. الَّذِي صَنَعَهُ أَعْطَاهُ سَيْفَهُ" (أو منجله - سيف الحصاد)، وهذا بالضبط هو شكل ناب ثور النهر الذي له قوة هائلة في الشق والتقطيع... هو عنوان القوة الجامحة، هو أحد المخلوقات الذي صنعه الله مع أيوب، ولكن ما أرعبه قوة، كل جزء من تشريحه يتحدَّث عن القوة، متناه وجسمه، ساقاه وعظامه، حتى ذنبه. كلها تنبئ عن هذه الشدة، فبأسنانه الشبيهة بالسيف والتي زوده بها الخالق يمضغ العشب كالثور، وهو غير مؤذ ما لم يستفزه أحد. لأن جميع الوحوش تلعب في ذات المرعى الواحد، هو يرقد في حماية الظل ليرتاح، لا يخشى شيئًا ولو حاول الفيض الغاضب أن يجرفه. أيؤخذ في شرك مثل الحيوانات الأقل منه؟ أو يؤخذ بحباله أو بخزامة تثقب في أنفه؟
وبعبارة أخرى هو حيوان غير مروَّض ولا يُضبط، ولا نفع منه للإنسان وإنما الوصف كله صورة للقوة المطلقة، مستخدمة لأغراض أنانية، بمعنى أن هذا الحيوان يعيش لذاته ويأبى أن يستغل الآخرون قوته لخدمتهم، ومع ذلك فليس هو سوى مخلوق زوده الله بالقوة الخارقة للطبيعة لأغراض كلية الحكمة. ألا فليتأمل أيوب وكل من يثقون بقدرتهم البدنية أو قدرة القلب أو قوة الفكر. ليتأملوا هذا المخلوق الجامح المكتفي بذاته. عندئذ كم تبدو تافهة قوتهم"(6).
5- لم يشر سفر أيوب ولا أي سفر آخر لتلك الأسطورة التي تقول أن الأرض محمولة على قرنيّ ثور، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. بل قال أيوب " يُعَلِّقُ الأَرْضَ عَلَى لاَ شَيْءٍ" (أي 26: 7)، وما جاء في قاموس الكتاب المقدَّس أن بهيموث كلمة مصرية قديمة معناها ثور الماء قول مقبول، لأن المقطع الأول من كلمة بهيموث هو "بهيم" والمقطع الثاني "مو" أي الماء، فيمكن أن يُدعى بهيم الماء أو ثور الماء. أمَّا ما يقوله بعض اليهود، وهم بلا شك ليسوا بعلماء، بأن بهيموث حيوان يعيش من بدء الخليقة منذ آلاف السنين إلى مجيء المسيح، وسيُقدم وليمة للمؤمنين، فهو نوع من الأساطير والخرافات التي تفتقر لأي سند موضوعي، والفيصل هو كتابنا المقدَّس، وجاء في " دائرة المعارف الكتابية": "ويقول البعض أن بهيموث المذكور في أيوب، ليس حيوانًا حقيقيًا ولكنه حيوان خرافي، تقول عنه الأساطير المصرية إنه لا يموت، وأن تأكيد هيمنة الله عليه، هو تأكيد للخلود، ولكن واضح من كلام الرب لأيوب أنه يتحدَّث عن حيوان حقيقي كان لأيوب معرفة به"(7).
_____
(1) أباطيل التوراة والعهد القديم 2 - الله والأنبياء في التوراة والعهد القديم ص 498.
(2) المرجع السابق ص 498.
(3) دائرة المعارف الكتابية جـ1 ص 588.
(4) دائرة المعارف الكتابية جـ2 ص 227.
(5) تفسير سفر أيوب جـ4 ص 1332، 1337.
(6) تفسير سفر أيوب جـ2 ص 218، 219.
(7) دائرة المعارف الكتابية جـ2 ص 227.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1617.html
تقصير الرابط:
tak.la/7n9avyd