ج: 1- سأل الرب أيوب: "هَلْ فِي أَيَّامِكَ أَمَرْتَ الصُّبْحَ؟ هَلْ عَرَّفْتَ الْفَجْرَ مَوْضِعَهُ لِيُمْسِكَ بِأَكْنَافِ الأَرْضِ، فَيُنْفَضَ الأَشْرَارُ مِنْهَا؟ تَتَحَوَّلُ كَطِينِ الْخَاتِمِ، وَتَقِفُ كَأَنَّهَا لاَبِسَةٌ" (أي 38: 12-14).
وفي " الترجمة السبعينية: "قال الرب: وضعتَ فوقك نور الصباح. وكوكب الصبح عرف موضعه. قال الرب: ليمسك نجم الصباح (أي الشمس) بأطراف الأرض. قال الرب: حينئذ وطرد الأشرار منها. هل أنت أخذتَ الطين وصنعت منه كائنًا حيًّا؟ ووضعته على الأرض بعد أن زودته بالنطق؟".
وفي " الترجمة اليسوعية": "أأنت في أَيَامِكَ أمرتَ الصُّبح وعرَّفت الفجرَ مَكانه؟ ليأخذ بأطراف الأرض فينفضَ الأشرارُ عنها؟ تتحول كطين الخاتمَ، فيقومُ كُلُّ شيء كأنَّه مكسُوُّ بالثياب".
وفي " ترجمة كتاب الحياة": "هل أمرتَ مرَّةً في أيامكَ، وأرَيتَ الفجرَ موضِعهُ. ليقبضَ على أكنافِ الأرض وينفُضَ الأشرارَ منها؟ تتشكلُ كطينٍ تحتَ الخاتم، وتبدو معالمها كمعالِم الرداءِ".
وفي " الترجمة العربية المشتركة": "هل أنتَ في أيامكَ أمرتَ الصُّبح وأرسلتَ الفجرَ إلى موضعهِ. ليُمسِكَ بأطرافِ الأرض كلّها حتى يسقُطَ ندى السَّماء عنها. فتتحوَّل كطينٍ أحمرَ وتصطبغَ بمثلِ صَبغِ الرَّداءِ".
ومن الترجمات المختلفة نخلص إلى الآتي:
1- وضع الله للأرض نظامها في الدوران حول الشمس مما يؤدي لتعاقب الفصول، وأيضًا الدوران حول نفسها مما يؤدي لتعاقب الليل والنهار، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وهنا يسأل الله أيوب: هل في أيامك أنت يا أيوب أمرتَ الصبح لكيما يظهر، وهل عرَّفت الفجر موضعه؟ والمقصود "في أيامك" أي في حياتك. فإن الصبح سيأتي والفجر يعرف موضعه أي ميعاد بزوغه، لن يستطِع أحد أن يؤخره أو يقدمه عن ميعاده المحدد، فهل في سلطانك يا أيوب أن تتعجل ظهور نور الصباح قبل أن يحل ميعاده؟! وفي "الترجمة السبعينية" وهي ترجمة كما نعلم تفسيرية جاء المعنى بالإيجاب، فقال الرب لأيوب أنه هو الذي وضع فوقه نور الصباح وكوكب الصبح (الشمس) عرف موضعه، فكل الأشياء تجري بكلمة الله، وجميع المخلوقات تطيعه طاعة تامة كاملة، فلم يحدث قط أن الشمس تأخرت عن ميعاد شروقها أو غروبها في مكان معين، بالرغم من اختلاف مواعيد الشروق والغروب بحسب الفصول.
2- قال الرب لأيوب أن نور الفجر يمسك بأكناف أي أطراف أو أركان الأرض، فيهرب منها الأشرار الذي تستروا بالظلمة ليتمموا شرورهم، عندما أشرق نور الفجر فإنهم يهربون إلى أوجرتهم وأوكارهم، ويقول " لويس صليب": "حسب الأصل العبري: "لينحني مثل الأصابع فيمسك بجوانب الأرض " وهذه حقيقة عرضية لحقيقة انكسار الضوء... فعندما تقابل الأشعة طبقات الجو المحيطة بالأرض تنكسر، مثل ثني الأصابع فتعم المسكونة وتكفل الفائدة لساكنيها. أمَّا عن قوله: "هَلْ عَرَّفْتَ الْفَجْرَ مَوْضِعَهُ"، فمعرفة الفجر لموضعه أمر واقعي، لأن دورة الأرض اليومية حول محورها هي نظامية بهذا المقدار"(1).
3- عندما تغشي الظلمة الأرض تصبح الأرض مثل قطعة الطين قبل ختمها بالختم، فيصعب تمييز معالمها، ولكن عندما يضيئ نور الفجر تتحوَّل الأرض كطين الخاتم، وبحسب " ترجمة كتاب الحياة": "أن الأرض تتشكل كطين تحت الخاتم"، وبحسب " الترجمة العربية المشتركة": "فتتحوَّل كطين أحمر".
أي تظهر معالم الأرض وجمالها وما عليها من كائنات حية، ولذلك جاء في " الترجمة السبعينية": "هل أنتَ أخذت الطين وصنعت منه كائنًا حيًّا. ووضعته على الأرض بعد أن زودته بالنطق " والقصد من التشبيه هنا أن الطبيعة تشكَّلت بإرادة الله كما يتشكَّل الطين اللبن، وختم الله عليها بخاتمه علامة على أنه هو صانعها وليس آخر.
وفي مصر وبلاد ما بين النهرين يصنعون الطوب من الطين اللبن ثم يَختمونه بخاتم غالبًا ما يوضح مكان الإنتاج ثم يُحرق بالنار فتثبت الكتابة على الطوب، ويقول " القمص تادرس يعقوب": "يحمل الطوب في مصر وبابل وآشور ختمًا يميز مصانع الطوب عن بعضها البعض. كانت جرار الخمر المصري والأماكن التي توضع فيها المومياء تُختم بختم على طين. ووُجِد في آشور بعض مستندات عامة عليها طين مختوم بحروف معينة وتميز الختم الرسمي. أيضًا الحجرات التي تُوضع فيها الكنوز كانت تُختم بختم على طين، وربما قبر السيد المسيح خُتم هكذا (مت 27: 66)، وكان الطين يُفضل عن الشمع، لأن الأول يزداد صلابة بالنار، أمَّا الثاني فينصهر بها. مع كل صباح جديد تشرق الشمس على الأرض، فتبدو منيرة كأنها ترتدي ثوبًا جديدًا"(2).
4- يقول " القس وليم مارش": "هَلْ عَرَّفْتَ الْفَجْرَ مَوْضِعَهُ": للفجر وقت معيَّن فلا يمكن أن يتقدَّم أو يتأخر ثانية واحدة، وطبعًا ليس لأيوب ولا لغيره من الناس معرفة أو قدرة على ذلك. والدليل كغطاء للأرض والصبح يمسك به (ع 13) ويكشف عن الأرض فيبدد الأشرار الذين يعملون بالليل.
كَطِينِ الْخَاتِمِ (ع 14): قبل الفجر تكون الأرض كطين بلا هيئة ولا صورة وعند الفجر تظهر هيئتها كالجبال والأودية والأحراج والحقول والألوان المختلفة الجميلة، وهذه المناظر كصور الخاتم من الطين وكلباس للأرض"(3).
_____
(1) تفسير سفر أيوب جـ2 ص 190.
(2) تفسير سفر أيوب جـ4 ص 1291.
(3) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ5 ص 258.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1610.html
تقصير الرابط:
tak.la/jg9q38c