St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1609- أين هي المصاريع التي تستطيع أن تحجز ماء البحر؟ وهل اندفق البحر من الرحم (أي 38: 8)؟ وهل للبحر ينابيع؟ وأين مقصورة الغمر (أي 38: 16)؟

 

ج: 1- قال الله لأيوب: "وَمَنْ حَجَزَ الْبَحْرَ بِمَصَارِيعَ حِينَ انْدَفَقَ فَخَرَجَ مِنَ الرَّحِمِ. إِذْ جَعَلْتُ السَّحَابَ لِبَاسَهُ، وَالضَّبَابَ قِمَاطَهُ، وَجَزَمْتُ عَلَيْهِ حَدِّي، وَأَقَمْتُ لَهُ مَغَالِيقَ وَمَصَارِيعَ، وَقُلْتُ: إِلَى هُنَا تَأْتِي وَلاَ تَتَعَدَّى، وَهُنَا تُتْخَمُ كِبْرِيَاءُ لُجَجِكَ؟" (أي 38: 8-11). وواضح أن هذا الأسلوب أسلوب شعري ولذلك يقول عن السحاب أنه لباس البحر، والضباب قماطهُ، ففي بدء الخلقة كانت الأرض مغمورة في المياه (تك 1: 2). ثم: "قَالَ اللهُ: لِتَجْتَمِعِ الْمِيَاهُ تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ. وَكَانَ كَذلِكَ. وَدَعَا اللهُ الْيَابِسَةَ أَرْضًا، وَمُجْتَمَعَ الْمِيَاهِ دَعَاهُ بِحَارًا" (تك 1: 9، 10)، وبذلك ظهرت البحار في الفجوات الأرضية العميقة فلا تتعداها، واليابسة التي أحاطت بالبحار صارت مثل مصاريع أي حواجز تمنع مياه البحار من الامتداد أكثر من هذا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ويتبخر الماء من على سطح البحار ويصعد كبخار يمثل سُحب وضباب تسقط أمطارًا وتجري عبر الأنهار وتصب ثانية في البحار، والرب حفظ كل هذا بقوانين دقيقة، وبذلك ظلَّت البحار بحارًا واليابسة يابسة كقول المُرنِّم: "وَضَعْتَ لَهَا تَخْمًا لاَ تَتَعَدَّاهُ. لاَ تَرْجعُ لِتُغَطِّيَ الأَرْضَ" (مز 104: 9)، وقال سليمان الحكيم: "لَمَّا وَضَعَ لِلْبَحْرِ حَدَّهُ فَلاَ تَتَعَدَّى الْمِيَاهُ تُخْمَهُ" (أم 8: 29)، وقال الرب: "أَإِيَّايَ لاَ تَخْشَوْنَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَوَلاَ تَرْتَعِدُونَ مِنْ وَجْهِي؟ أَنَا الَّذِي وَضَعْتُ الرَّمْلَ تُخُومًا لِلْبَحْرِ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً لاَ يَتَعَدَّاهَا، فَتَتَلاَطَمُ وَلاَ تَسْتَطِيعُ، وَتَعِجُّ أَمْوَاجُهُ وَلاَ تَتَجَاوَزُهَا" (إر 5: 22)، وقال المُرنِّم: "أَنْتَ مُتَسَلِّطٌ عَلَى كِبْرِيَاءِ الْبَحْرِ. عِنْدَ ارْتِفَاعِ لُجَجِهِ أَنْتَ تُسَكِّنُهَا" (مز 89: 9).

 

2- تصوّر الأعداد (أي 38: 8-11) البحر تصويرًا بديعًا كطفل يخرج من رحم الأم، والرحم هنا يشير للغمر العظيم الذي انبثقت منه البحار، وبالرغم من جبروت مياه البحر فهي مضبوطة بكلمة الله، فلا يمكن للبحر أن يعصى الله أو يتمرَّد عليه، ويقول " فرانسيس أندرسون": "هنا نجد وصفًا (للبحر) باستخدام الاستعارة لميلاد طفل، ومن العبث أن تعتبر ذلك وصفًا علميًا حيث أن كل إسرائيلي كان يعرف، كما نعرف نحن الآن، أن الشعراء يستخدمون مثل تلك الصور الخيالية، ولا يتوقعون منَّا أن نُصدِّق أن الله يخلق المطر بسكب الماء من (أزقاق) (أي 38: 37) وتتوالى الأسئلة، ويصبح الخيال أكثر وضوحًا، وكلمة (حجز) في عدد (8) توحي باحتجاز البحر في حدوده الحالية كما هو موصوف في (تك 1: 9) وفي عددي (10، 11)... من أنشأ البحر داخل الأبواب؟ من استقبله عندما خرج من الرحم..؟

ومقارنة السُحب المتحركة بقماط المحيط الوليد صورة رائعة، وكما في (تك 1) فالغمر الأولي كان في حالة (ظلام دامس)... والصورة في عددي (10، 11) أقرب إلى الواقع، فما أن " البحر " يتخذ تصويرًا مجسمًا كإنسان، فهو ليس طفلًا رضيعًا بل عنصر تهديد يجب أن يوضع له حد، وهنا نجد تعبير المصاريع والمغاليق وهي أشياء لازمة لحماية المدن، وهي أقرب ما تكون إلى الحاجز الذي يبعد البحر منه إلى السجن لكي يحجز فيه"(1).

 

3- سأل الرب أيوب: "هَلِ انْتَهَيْتَ إِلَى يَنَابِيعِ الْبَحْرِ، أَوْ فِي مَقْصُورَةِ الْغَمْرِ تَمَشَّيْتَ؟" (أي 38: 16) فهو يشير إلى قاع البحار والمحيطات المملوءة أسرارًا وعجائب وكائنات بحرية غريبة تعيش في الأعماق تحت ضغط كبير، حتى أنها إذا خرجت إلى سطح البحر تنفجر. إنك يا أيوب لم ترَ أعماق البحار ولا تعرف مقدار عمق المحيطات، وكلما اكتشف الإنسان أمورًا كان يجهلها من قبل كلما دخل في معرفة جديدة، وكلما أدرك مقدار جهله، فما زال ما يجهله الإنسان أكثر بكثير جدًا مما يعرفه.

ويقول " نيافة الأنبا إيساك " الأسقف العام: "سُئل أحد علماء الولايات المتحدة الأمريكية عن التطلعات العلمية التي يتمنى العلماء إنجازها في القرن القادم، فقال: إننا لم نصل بعد إلى أبعد نقطة في أعماق المحيطات! فسرُّ المياه الشاسعة التي في البحار والمحيطات... ما زال غامضًا أمام علماء البشر... تُرى ما الذي يجعل هذا الكم الهائل من الماء لا ينخر اليابسة ويذيبها ويبتلعها..؟ ونحن نعرف تأثير المياه على تراب الأرض ورمالها وصخورها ومعادنها. لقد بقيت القارات اليابسة وكل جزر البحار كما هي تقريبًا منذ آلاف السنين. اليابسة منفصلة عن المياه بسر عجيب، هذا السر هو كلمة الله، حيث أمر الرب مياه البحار أن لا تنخر في اليابسة فأطاعت، والتزمت حدودها التي وضعها الله لها"(2).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - أيوب ص 319.

(2) تساؤلات الله في سفري أيوب والمزامير ص 71، 72.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1609.html

تقصير الرابط:
tak.la/wd7v88q