ج: 1- طرح أليهو أفكار أيوب الخاطئة مثل قوله بأن الإنسان لا ينتفع شيئًا لكونه مرضيًا عند الله (أي 34: 5-9) وبدأ يرد على اتَّهام أيوب لله بالظلم (أي 34: 10-30)، وركز أليهو على كمال صفات الله، فأكد على عدالة الله الكاملة، فهو الحق المُطلَق (أي 34: 10-12، 17، 19، 23)، وهو صاحب السلطان المُطلَق (أي 34: 13-15)، وهو صاحب القدرة الكلية (أي 34: 20، 24)، وهو العالِم بكل شيء (أي 34: 21، 22، 25)، وهو لا يهادن الخطية ولا الخطاة المتمسكين بخطاياهم (أي 34: 26، 28) وهو صاحب العناية الفائقة (أي 34: 29، 30)، وعالج أليهو هذا الأمر ببراعة ومهارة عالية، حتى أن أيوب الذي أبكم أصدقائه جلس يتعلَّم كتلميذ مطيع لمعلمه، وأكد أليهو أنه من المستحيل أن الله يرتكب ظلمًا، وقال لأيوب هل تريد أن تنصّب نفسك قاضيًا وحاكمًا؟!: "أَلَعَلَّ مَنْ يُبْغِضُ الْحَقَّ يَتَسَلَّطُ، أَمِ الْبَارَّ الْكَبِيرَ تَسْتَذْنِبُ؟" (أي 34: 17).
وفي " الترجمة اليسوعية": "أَلعَلَّ من يُبغِضُ الحَقَّ يَحكمُ، أم تَؤَثَم البارَّ العَظيم؟".
وفي " ترجمة كتاب الحياة": "أيُمكنُ لمُبغِضِ العَدل أن يَحكُمَ؟ أتدَينُ البارَّ القَديرَ؟".
وفي " الترجمة العربية المشتركة": "أتظُنُّ من يُبغِضُ الحقَّ يسودُ؟ وهل تَدينُ الديَّان العادِل؟".
فالله هو الحق المُطلَق، العدل المُطلَق، ويظهر أيوب بجوار الله كمن يبغض الحق، فأليهو يقول لأيوب: هل تريد أن تتسلط وتحكم وتسود وأنت بعيد عن قول الحق؟!، وهل تريد أن تستذنب وتُؤَثّم وتدين الكبير البار العظيم القدير الديان العادل؟!
ويقول " متى هنري": "فهذا أمر سخيف، كما أنه من السخافة منح سلطة للمعروف عنه بأنه عدو للحق والعدل: "أَلَعَلَّ مَنْ يُبْغِضُ الْحَقَّ يَتَسَلَّطُ" (أي 34: 17). الرب إله الحق يحب الحق، أمَّا أيوب فيمكن القول عنه -بالمقارنة مع الله- أنه يبغض الحق، وهل يليق به أن يتسلط؟ هل يليق به أن يدعي بأنه يرشد الله، ويصحح ما تمَّمه الله؟ أيليق بمخلوقات مثلنا تبغض الحق أن تصدر أوامر لإله الحق؟ أيليق به أن يأخذ التعليمات منَّا؟ عندما نذكر فساد طبيعتنا ومغايرتها لناموس العدالة الأبدي، لا يمكن إلَّا أن نحكم بأنه من الوقاحة أن نفرض على الله إرادتنا"(1).
ويقول " القمص تادرس يعقوب": "يعجب أليهو من موقف الإنسان نحو الله، فيجسر ذاك الذي يخضع للقانون أن يُدين الله الكلي العدل والبر وواضع الناموس للبشر، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. يا للعجب! الذي يحتاج إلى قانون يحكمه، يضع نفسه في مركز القاضي ليدين واضع القانون، أو ذاك الذي يبغض القانون ويحاول التخلُّص منه يود أن يحكم على مؤسّس القانون"(2).
2- جاء النص في " الترجمة السبعينية " ونحن نعلم أنها ترجمة تفسيرية: " لننظر (في الأمر) ألا يعتقد أن من يكره المظالم ويهلك الأشرار هو الذي أبدي وعادل".
ويُعلِّق " القديس يوحنا الذهبي
الفم " على هذا قائلًا: "هل رأيتَ؟ أن
أليهو لم يتجاسر على انتزاع
الاستنتاج بأنه (يقصد الله) عادل، وبإفراز عظيم تحاشى تأكيد هذا، وهذا ليس فقط
بدءًا من الكون أو الخليقة... بل أيضًا من طبيعته نفسها ومن ذات أعماله، أنه
يكره الأشرار ويحب (الصالحين من) البشر. أنه ليس مثلنا، نحن الذين نبتعد عن
الشر ليس كرهًا للرذيلة، بل عن خوف من العقوبة الآتية. من أين أتى هذا الخوف؟
فأجاب
أليهو: من كونه يكره المظالم ويهلك الأشرار، وأضاف قوله:
" هو الذي أبدي وعادل".
إن أليهو كان محقًا في ذكر الأبدية حتى لا نطالب الله بالحساب عن كل يوم ولأجل كل عمل مما حدث في الماضي: فمرارًا يقدم الله أمرًا ينبغي أن يمتد تحقيقه على فترة زمنية طويلة، فلا تنتظر (تتوقع هذا) التحقيق (للأمر الآن)، ولا تسعى أيضًا قبل أن يكون كل شيء قد تم تمامًا، حتى تفهم حكم الله، لأنك لن تستخلص شيئًا من سعيك على هذا النحو. لهذا قال أليهو: أنه أبدي وعادل، وعلى ذلك فكل الماضي يشهد له، فهل سيتغير (هو) هذا اليوم (من عدله)؟"(3).
_____
(1) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير سفر أيوب جـ3 ص 126.
(2) تفسير سفر أيوب جـ4 ص 1190.
(3) سفر أيوب - إصدار مكتبة المحبة ص 186، 187.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1597.html
تقصير الرابط:
tak.la/j2pzad2