ج: 1- قال أيوب لله: "تَحَوَّلْتَ إِلَى جَافٍ مِنْ نَحْوِي. بِقُدْرَةِ يَدِكَ تَضْطَهِدُنِي. حَمَلْتَنِي، أَرْكَبْتَنِي الرِّيحَ وَذَوَّبْتَنِي تَشَوُّهًا" (أي 30: 21، 22). لقد نجح عدو الخير في إقناع أيوب أن النكبات التي حلَّت به هي من قِبل الله، ألم يخبره أحد الغلمان بأن "نَارُ اللهِ سَقَطَتْ مِنَ السَّمَاءِ فَأَحْرَقَتِ الْغَنَمَ وَالْغِلْمَانَ وَأَكَلَتْهُمْ" (أي 1: 16)؟ وطالما حاول أصدقاؤه أن يقنعوه بأن كل ما أصابه من كوارث من موت أولاده وفقد ممتلكاته هو من قِبل الله، وفعلًا تصوَّر أيوب أنه مضروب من الله، ولهذا قال لزوجته: " أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟" (أي 2: 10)، ولهذا أخذ أيوب يحتج بشدة أمام الله قائلًا: "بِقُدْرَةِ يَدِكَ تَضْطَهِدُنِي".
وفي " الترجمة السبعينية": "وضربتني بيدٍ قوية".
وفي " الترجمة القبطية": "وجلدتني بيد قوية".
وفي " الترجمة اليسوعية " و"الترجمة العربية المشتركة": "وبقوَّة يدِكَ حَملتَ عليَّ".
وفي " ترجمة كتاب الحياة": "وبقُدرةِ ذراعيكَ تضطهدُني. خطفتني وأركبتني على الريحِ، تُذيُبني في زئيرِ العاصِفة".
ولم يكن الوقت المناسب قد جاء ليعلن الله لأيوب أن هذه الضربات وتلك الجلدات مصدرها هو عدو الخير، وليست يده الحنونة، وهذا هو محك التجربة ومحورها، وهو أن أيوب بالرغم من أنه اعتقد أن كل هذه المصائب منحدرة من السماء، وبلا مُبرِّر، ولكن مع ذلك لم يُجدِّف على الاسم المبارك.
أمَّا قول أيوب: "حَمَلْتَنِي أَرْكَبْتَنِي الرِّيحَ وَذَوَّبْتَنِي تَشَوُّهًا" فهو بهذا يُعبِّر عن عنف الكوارث التي حلَّت به فأفقدته اتزانه، فهو لا يعرف ولا يدرك: لماذا فعل الله به كل هذا وهو بريء..؟ رأى أيوب الله جافيًا في معاملاته معه، قاسيًا لا يسمع لصرخاته وتضرعاته، بل يطوح به في الهواء ويذريه بالتشوهات، وجاء في هامش "الكتاب المقدَّس الدراسي": "ينقل أيوب الآن محور تركيزه ليكون على الله بدلًا من البشر، وهو يتَّهم الله بإساءة استخدام قوته بالهجوم عليه على الرغم من التماسات الرحمة المتكرّرة التي قدمها"(1).
2- يقول " لويس صليب": "يصرخ إليه تعالى مستنجدًا به، ولكن لا جواب من الأعالي، هو يقوم في كل تعاسته قدام الله الذي ينظره ولكن بغير إشفاق... فالله ينتبه إليه فعلًا بمعنى النظر إليه وعدم التأثر بويلاته " تَحَوَّلْتَ إِلَى جَافٍ مِنْ نَحْوِي". آه، لو أن أيوب عرف المحبة اللطيفة التي كان بودّها أن تعفيه من كل آلامه لولا خيره! فهو لم يعلم أن الرب كثير الرحمة ورؤوف، وسيعلم ذلك حينما يرى " عاقبة الرب"... أمَّا الآن فهو لا يرى سوى اليد القوية الممتدة لتصنع معه حربًا، هي تلك الريح الصرصر التي رفعت المتألم الهزيل كالعصافة وحملته لكي يذوب ويتلاشى في العاصفة القاتلة"(2).
3- يقول " القمص تادرس يعقوب": "في مرارة نفسه يرى أيوب كأن الله قاسٍ، يستخدم كل قوة يده ضده. ليس من تناسب بين قدرة يد الله القوية وضعف الإنسان، فكيف يمكن له أن يتحمل مقاومة الله..؟ يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن الله يبدو جافًا أو عنيفًا مع قديسيه، ليس لأن فيه قسوة وعنف، إنما يبدو هكذا بمقاومته لإرادتنا، فنحسبه هكذا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.
حَمَلْتَنِي أَرْكَبْتَنِي الرِّيحَ وَذَوَّبْتَنِي تَشَوُّهًا... جاء في ترجمة NKJ: "رفعتني إلى الريح، وأركبتني إياه، وأفسدت نجاحي". لعل أيوب حسب أيام رخائه كمن كان قد رفعه الله إلى الريح، فصار عاليًا جدًا، صارت الرياح مركبته الفائقة، لكن بقدر ما ارتفع سمح له الله أن يسقط، فيتحطم كل ما قد ناله! حقًا إن مجد العالم الزائل مجد باطل، هو جلوس على الريح غير الآمن. فبقدر ما يحسب الإنسان نفسه طائرًا كما على الريح يكون سقوطه مدمرًا له تمامًا"(3).
_____
(1) الكتاب المقدَّس الدراسي ص 1234.
(2) تفسير سفر أيوب جـ2 ص 98.
(3) تفسير سفر أيوب جـ3 ص 1072.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1589.html
تقصير الرابط:
tak.la/x5z5k7r