ج: 1- قال أيوب لله: "بِكَثْرَةِ الشِّدَّةِ تَنَكَّرَ لِبْسِي. مِثْلَ جَيْبِ قَمِيصِي حَزَمَتْنِي" (أي 30: 18). ففي الشطر الأول من البيت يصوّر أيوب الشدة التي حلَّت به من أمراض أدّت إلى النحافة الشديدة، حتى أن كل من يراه يظن أن الملابس التي يرتديها ليست بملابسه، وهذا ما عبَّر عنه بأن ملابسه كأنها تنكَّرت له وقال: ما عرفتك من قبل!! فما عادت تناسبه، ولم تعد مقاسه. ويبدو أن أيوب كان مصابًا بالتهاب شديد في اللوزتين مما تسبب عنها آلام شديدة حزَّمت الرقبة، وكأنه مُحزَّم بجيب أو ياقة قميصه، فقد أحاطت الآلام برقبته كما تحيط بها ياقة قميصه.
وفي " الترجمة السبعينية": "بقوة عظيمة أمسك المرض بردائي، فطوقني كعنق ردائي".
وفي " الترجمة اليسوعية": "قَبضَ الآلَمُ على لباسي بقُوَّة، وشدَّني كما يَشدُّني قميصي".
2- يقول " متى هنري": "يا للبؤس الذي حلّ بأيوب المسكين بسبب عدم العناية بقروحه، وقذارة ملابسه المهلهلة، ويظن البعض أن أيوب كان أيضًا مصابًا بالتهاب اللوزتين التقيحي، أو بانتفاخ في رقبته، وهذا ما شده أو حزمه كالياقة"(1).
3- يقول " لويس صليب": عن أيوب: "انهالت عليه نفسه، وصارت أيام الألم نصيبه، ولم تكن الليالي لتفضل الأيام، لأن الألم الناخر لا يهجع، إذ يعري عظامه من لحمه، وثيابه ماذا منها؟ لم تصبح بعد زينة، بل لصقت بجسمه الهزيل، كما أن "ياقة قميصه" تكشف عن عظم عنقه المسكين. كل ذلك واضح كصورة، وكشيء بغيض المنظر، ومع الأسف فإن أيوب ينسبه جميعًا إلى الله"(2).
4- يقول " القمص تادرس يعقوب": "فقد أيوب ثياب الكرامة بكونه حاكمًا وقاضيًا له دوره وكلمته في المجتمع، ولكن ما هو أخطر أن ثيابه تهلهلت وساء حالها تمامًا بسبب ما حلَّ بجسمه من أمراض وقروح. تحوَّلت ثيابه الخارجية إلى ثياب حداد دائم، أو ثياب حزن، طوَّقت بجسمه ولا تفارقه، مثلها مثل ثيابه الداخلية"(3).
5- أمَّا عن التساؤل: لماذا فعل الله هكذا بأيوب..؟ ففي الحقيقة أن الله لم يفعل هذا وهو لم يضرب أيوب بتلك الآلام والأمراض، ولكن عدو الخير هو الذي فعل هذا، وظل يضغط على أيوب بكل قدرته لكيما يدفع أيوب للتجديف على اسم الله... ولماذا صمت الله إزاء هذا..؟ صمت الله ليعلن للخليقة كلها كمال أيوب الذي شهد له من قبل بالكمال والاستقامة، ولكيما يعلن براءة أيوب كالشمس، ولكيما يُظهِر فشل عدو الخير فشلًا ذريعًا، ولكيما يصير أيوب مثلًا وقدوة على عاقبة الصبر على مدى الأجيال المتتالية، بل وفي الملكوت سيستعلن نجم أيوب بمجد أعظم، ويصمت المحتج صمتًا أبديًا.
_____
(1) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير سفر أيوب جـ3 ص 38.
(2) تفسير سفر أيوب جـ2 ص 97.
(3) تفسير سفر أيوب جـ3 ص 1069.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1588.html
تقصير الرابط:
tak.la/v8b5f2c
