St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1586- هل أيوب البار يشتِم مبغضيه حتى أنه يقول أنه كان يُفضِّل الكلاب عن آبائهم (أي 30: 1) وأنهم مثل الحمير ينهقون (أي 30: 7) وهم أبناء الحماقة (أي 30: 8)؟

 

ج: 1- كان أيوب يشكو من تَبدُّل وتغيُّر حاله، وتحوُّل أمجاده وكرامته إلى شقاوة ومهانة، فبعد أن عرض أمجاده قال: "وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ضَحِكَ عَلَيَّ أَصَاغِرِي أَيَّاما،ً الَّذِينَ كُنْتُ أَسْتَنْكِفُ مِنْ أَنْ أَجْعَلَ آبَاءَهُمْ مَعَ كِلاَبِ غَنَمِي"، فقد كان أيوب من الأغنياء وله ثروة حيوانية ضخمة، وعندما مال به الحال خرج " الأصاغر " ليستهزئوا به، وليس المقصود بالأصاغر أنهم أصغر منه سنًا لكنهم أقل منه في المكانة والكرامة التي كان فيها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. حتى أنه لم يكن يقبل آبائهم كرعاة لأغنامه، لأنهم لم يكونوا على قدر من الوفاء والأمانة والقدرة على العمل مثل عبيد أيوب الآخرين، ففيهم " عجزت الشيخوخة " أي أن الشيخوخة قد أدركتهم فضعفت قوتهم، وإذ لم يجدوا الطعام كانوا يأكلون الملَّاح وهو نبات حمضي لا يأكله إلَّا المعدمين، مع جذور الرَّتم المُرّة، والرَّتم أشجار لها زهور وبذورها كالعدس، وهو نبات صحراوي تؤكل جذوره في وقت المجاعة، فكان أيوب يُقدِّم لهم الطعام والكسوة ويصرفهم، ولا يسمح لهم بالعمل مع رعاته الأُمناء المُخلصين الأقوياء الذين يصحبون معهم كلاب الحراسة. وأيضًا يمكن أن يؤخذ المعنى على أن أيوب يتحدَّث عما كان يمكنه أن يفعله ولكنه لم يفعله.

 

2- يقول " لويس صليب": "الَّذِينَ كُنْتُ أَسْتَنْكِفُ مِنْ أَنْ أَجْعَلَ آبَاءَهُمْ مَعَ كِلاَبِ غَنَمِي": آه يا أيوب، كم أنت لاذع في أقوالك، وكم تستطيع أن تضرب بعمق إذا أحسَّست بأنك مُهآن! لقد كان يستنكف أن يجعل آباءهم مع كلاب غنمه! فقط لنتأمل في هذا، وهو يعطينا السبب فيقول: "قُوَّةُ أَيْدِيهِمْ أَيْضًا مَا هي لِي " أي ما فائدة قوتهم لي. إن أيوب كان رجلًا عاقلًا وإذ كان عنده عبيد فأنهم كانوا من العبيد الذين يستطيعون أن يؤدوا واجبهم على الوجه الأكمل... ولذلك فهو يقول: "فِي الْعَوَزِ وَالْمَحْلِ (الجدب) مَهْزُولُونَ عَارِقُونَ الْيَابِسَةَ (البرية) الَّتِي هي مُنْذُ أَمْسِ خَرَابٌ وَخَرِبَةٌ الَّذِينَ يَقْطِفُونَ الْمَلاَّحَ (نبات حمضي يأكله الفقراء) عِنْدَ الشِّيحِ وَأُصُولُ الرَّتَمِ خُبْزُهُمْ (أي يصنعون خبزهم من جذور نبات الرَّتم وهو أمر يلجأ إليه الفقراء في أيام القحط والمجاعات) مِنَ الْوَسَطِ (وسط الناس) يُطْرَدُونَ يَصِيحُونَ عَلَيْهِمْ كَمَا عَلَى لِصٍّ".

كانوا في منتهى العار والشنار وما كان أيوب ليقبل بحال من الأحوال أن يستخدم واحدًا منهم بين عبيده. كان يسره جدًا أن يعطيهم طعامًا إذا كانوا جياعًا، وإن كانوا في حاجة إلى كساء كان يمّن عليهم بذلك أيضًا. ولكنه كان يستفظع جدًا أن يضحك عليه أمثال هؤلاء الناس أو أن يسخروا من آلامه ولم يكن الأمر قاصرًا على ما يفعله أولئك الناس بصفة عامة بل أن الصغار أيضًا كانوا يحاولون أن يعرقلوا خطواته المتداعية المترنحة لأن باطن قدميه كانت مضروبة بالقروح"(1).

 

3- يصف أيوب آباء هؤلاء الأصاغر الذي يستخفون ويهزأون به الآن وصف لاذع، فيقول عنهم " بَيْنَ الشِّيحِ يَنْهَقُونَ. تَحْتَ الْعَوْسَجِ يَنْكَبُّونَ. أَبْنَاءُ الْحَمَاقَةِ، بَلْ أَبْنَاءُ أُنَاسٍ بِلاَ اسْمٍ، سِيطُوا مِنَ الأَرْضِ" (أي 30: 7، 8)، فشبههم بالحُمر الوحشية التي تنهق وتجلس تحت شجيرات الشوك (العوسج)، فيأبى أيوب أن يدعوهم كأناس ينطقون، بل كحمير ينهقون وذلك بسبب طبعهم الوحشي وانحطاطهم الحيواني بعد أن تخلوا عن الصفات الإنسانية النبيلة، وعاشوا في بلاهة وحماقة، فسيطُوا من الأرض أي طُردوا من الأرض تحت وطأة السياط، فهم أبناء أناس لا اسم ولا كرامة لهم بل هم محتقرون.

ويقول "القمص تادرس يعقوب": "يصور أيوب البار الأشرار الحاقدين، وقد جاءوا للسخرية به بالحمير الوحشية التي تعيش في البَرِّية، متى اجتمعت معًا بين شجيرات ينهقون بنغمة منفّرة ومقزّزة للنفس. أي صاروا كحيوانات وحشية تجتمع معًا لتنهق، تطلب طعامًا لها، الذي هو أذية الغير وإصابتهم بكوارث: يتكدَّسون معًا تحت العوسج حيث يطلبون مأوى، فإذا بهم يتعثرون وسط أشواك الكراهية وحسك الحقد بلا سبب، بمعنى آخر حتى في اجتماع الأشرار معًا ما يتمتعون به هو الوحشية والتصرفات الحيوانية بغير تعقل أو اتزان مع حرارة أشواك الخطية الخانقة.

أبناءُ الحماقَةِ أبناءُ أُناسٍ بلا اسمٍ دُحِروُا من الأرض: إذ يرتبطوا بالجهل والحماقة يحسبون أبناء الحماقة عوض كونهم أبناء بشر، وإذ يحملون البغضة والحقد تطردهم الأرض، فيصيرون كمتجولين في البراري ليس لهم موضع يستقرون فيه"(2).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) تفسير سفر أيوب جـ2 ص 94.

(2) تفسير سفر أيوب جـ3 ص 1061، 1062.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1586.html

تقصير الرابط:
tak.la/xd6hamb