ج: 1- قال أيوب: "فَقُلْتُ إِنِّي فِي وَكْرِي أُسَلِّمُ الرُّوحَ، وَمِثْلَ السَّمَنْدَلِ أُكَثِّرُ أَيَّامًا" (أي 29: 18)، وفي هامش هذه الترجمة (فانديك) وضع مقابل " السَّمَنْدَلِ " أو " الرمل " إذًا فالأصل العبري للكلمة يحمل معنيين هما: السمندل، والرمل، وأيضًا يحمل معنى النخلة، والعامل المشترك بين الثلاثة طول السنين:
أولًا: طائر السمندل: وهو طائر أسطوري بالهند قيل أنه يعيش مئات السنين من نحو 500 إلى 1000 سنة، ثم يحرق نفسه وعشه وينهض ثانية من وسط الرماد ليعيش مئات السنين الأخرى وهلم جرا(5) ودُعيَ هذا الطائر في " الترجمة العربية المشتركة " بالفينق Phoenix، فجاء في الترجمة: "فقلتُ سأموتُ في فراشي وكطيرِ الفينقِ أزدادُ أيامًا"، وجاء في هامش الترجمة: "الفينق: طير أسطوري عاش قرونًا عديدة. أُحرق فوُلِد من جديد من رماده. الفينق أو: النخلة. ازداد أيامًا أو: تكثر أيامي كالرمل"(1).
وجاء في " دائرة المعارف الكتابية": "سمندل: يُقال أنه طائر بالهند يأكل البيش (نبات مثل الزنجبيل رطبًا ويابسًا، وربما نبت فيه سم قاتل لكل حيوان أو طائر آخر) وأنه يستلذ بالنار ولا يحترق بها. والكلمة العبرية المترجمة " سمندل " هنا هي "حول"، وقد تُرجمت في جميع المواضع الأخرى إلى " رمل"، وهكذا جاءت في الترجمة الكاثوليكية، كما تُرجمت " حبات الرمل " في كتاب الحياة"(2).
إذًا ليس بالضرورة أن الكلمة تحمل معنى طائر السمندل بل تحمل معنى الرمل أيضًا.
ثانيًا: الرمل: وهذا ما جاء في " الترجمة اليسوعية": "وكنتُ أقولُ إني سأموتُ في عُشّي وكالرَّمل أزداد أيامًا".
وفي " ترجمة كتاب الحياة": "ثم حدَّثتُ نفسي. إنّي سأموتُ في خيمتي وتتكاثر أيامي كحبَّات الرَمْلِ".
ثالثًا: النخلة: وهذا ما جاء في " الترجمة السبعينية": "حياتي ستُعمّر مثل جذع النخلة سأعيش طويلًا".
وفي " الترجمة القبطية": "كُنتُ أقولُ: إنّي أشِيخُ (سأموت) في وكري ومثل سعف النخيل أحيا سنين كثيرة".
فبعد أن فقد أيوب كل شيء حتى صحته لبث في عشه، وبدأ جسده ينحل بينما روحه ظلت كامنة كطير في وكره، وكان في الماضي يمني نفسه بسنين طويلة من العمر وشيخوخة صالحة، أمَّا الآن فأنه يشتهي الموت للتخلُّص من آلامه وأوجاعه.
ويقول " القديس يوحنا الذهبي الفم": "ليس أنني كنتُ أسلك بهذا الرجاء، إنما أنا توقعت شيخوخة طويلة كثمرة لضمير صالح وآمال فاضلة"(3).
2- يقول "القمص تادرس يعقوب": "حسب أيوب نفسه في وكر، يهرب إليه حيث يقيم فيه مطمئنًا، أو عشًا يستقر فيه كما في قمة شجرة مطمئنًا من أية مخاطر تلحق به حتى تأتي لحظة تسليم روحه، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. كان يظن أنه يقضي كل أيامه في سلام بعيدًا عن أية عواصف تقدر أن تحطم وكره أو تزعزع عشه. العجيب أن أيوب يتطلَّع إلى حياته بكونها كالرمل (السمندل) الذي على شاطئ البحر، وكأنه كان يظن أن عمره يطول جدًا، ولم يدرك أنه كحبات الرمل التي تتساقط من الساعة الرملية، وتنفذ في وقت قصير.
ويقول البابا غريغوريوس الكبير:
وكنت أقول إني سأموت في عُشي وكالنخلة أزداد أيامًا: يليق تشبيه حياة البار بالنخلة، وذلك لأن النخلة من تحت خشنة في ملمسها، وبطريقة ما هي مغلَّفة باللحاء الجاف، ومن فوق تحمل ثمارًا. من تحت مضغوطة بلحائها المنبسط، ومن فوق منبسطة بخضرةٍ عظيمة. هكذا هي حياة المختارين، محتقرة من أسفل، وجميلة في الأعالي..."(4).
_____
(1) الكتاب المقدَّس - الترجمة العربية المشتركة ص 645.
(2) دائرة المعارف الكتابية جـ4 ص 432.
(3) تفسير سفر أيوب - إصدار مكتبة المحبة ص 164.
(4) تفسير سفر أيوب جـ3 ص 1046، 1047.
(5) راجع القس وليم مارش - السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ5 ص 234.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1585.html
تقصير الرابط:
tak.la/37xtwf6