St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1581- هل القصائد الثلاث التي جاءت في سفر أيوب عن الحكمة (أي 28) وعن بهيموث (أي 40: 15-24) وعن لوياثان (أي 41: 1-31) ليست من أصل السفر بل دخيلة عليه؟

 

     قال البعض أن هناك مُحرَر أضاف قصيدة الحكمة (أي 28) للسفر في نحو القرن الرابع قبل الميلاد، وذلك كختام للمناقشات التي دارت بين أيوب وأصدقائه (راجع جان ليفيك - أيوب الكتاب والرسالة ص 8، 9، 46). ورأى بعض النُقَّاد أن الأصحاح (28) يُعتبر لغز لأنه لا يرتبط بما سبقه ولا بما يلحقه، ويظهر كوحدة مستقلة كان يجب أن يأتي بعد (أي 42: 6)، وشكَّك بعض النُقَّاد في نسبة هذه الأصحاح لأيوب لأنه يعبر عن نبرة هادئة، بينما أحاديث أيوب هنا ملتهبة، فقال البعض أن هذا الأصحاح يعد استكمال لكلام صوفر، ولا سيما إذا اعتبرنا أن ما جاء على لسان أيوب (أي 27: 7-23) كلام صوفر، وقال البعض الآخر ربما الذي نطق به هو بلدد الشوحي.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- عندما تُرجم السفر ضمن الترجمة السبعينية منذ القرن الثالث قبل الميلاد، حوى السفر القصائد الثلاث مما يؤكد أصالتها في أصل السفر، كما عُثر على نسخة كاملة للسفر باللغة الأرامية يرجع تاريخها إلى نحو 150-100 ق. م ضمن مخطوطات قمران في الكهف رقم (1)، وهذا دليل آخر يؤكد أصالة القصائد الثلاث، وإنها من متن النص الأصلي.

 

2- من شدة الصدمات التي تعرَّض لها أيوب صار متأرجحًا، وبالرغم من عدم توافق الأصحاح 28 مع مزاج أيوب وانفعالاته، لكنه ليس بمستبعد عن أيوب أن ينطلق بكلمات هذا الأصحاح، فجاءت نبرة أيوب في هذا الأصحاح مختلفة عما سبقها، ففيما سبق كان تركيز أيوب ينصب على آلامه، ومما زاد من إحساسه بقسوة الآلام إحساسه بأنه إنسان بار وبريء، أمَّا في هذا الأصحاح فقد نسى أيوب أوجاعه وآلامه وبِرّه، وبدأ يتكلَّم كفيلسوف حكيم وفنان ماهر. والذي يدقق في هذا الأصحاح والأصحاح السابق له يُدرِك الرابطة الخفية بينهما، ففي الأصحاح 27 تحدَّث أيوب عن الغني الفاجر الذي لا يثبت غناه، إنما هو إلى ضياع، وفي هذا الأصحاح يكشف أيوب النقاب عن الغني الحقيقي الذي يدوم غناه إلى الأبد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.

 

3- يقول " لويس صليب": "يستطرد أيوب في مناجاته فيحدثنا في الأصحاح السالف عن قضاء الغنى الفاجر ليقيم مبانيه بين هذا النوع من الغنى وبين الغنى الحقيقي الذي لن يضيع، وصلة الارتباط واضحة، والانتقال طبيعي وملفت. فالجزء الاستهلالي من أصحاحنا هذا الثامن والعشرين يصف الجهد والاهتمام اللذين يدفعان الناس للسعي وراء الذهب... ثم ينتقل إلى الغنى الحقيقي، الحكمة! أين توجد؟ البحث عنها في الأرض والبحر هباء... إنما تحصيلها من خلال إعلان الله... والأصحاح كله جميل ونبيل في أفقه وتعبيره، ينبئنا أن المُتكلَّم يعرف ذلك الشخص المبارك الذي يصفه، وهذا الأصحاح يثبت أن أيوب لم يكن هو الشخص المرائي الفاجر، الذي أراده أصحابه أن يكونه.

على أن الأصحاح برمته بعيد عن جو الخصومة. أيوب لا يحاول فيه أن يتمسَّك ببرِّه، بل أنه ولو مؤقتًا على الأقل ينسى ذاته، ويتنسم هواء الحق الذي لم تفسده أنفاس سامة من البِرّ الذاتي وعدم الإيمان... لقد فهم أيوب شيئًا مهمًا وهو أنه من هذه التجربة التي أجازه فيها الرب سيخرج إيمانه كالذهب اللامع من بوتقة الصائغ (أي 23: 10)، لكن الشيء الذي يجهله هو الشوائب التي عليه أن يتخلَّص منها" يُوجَدُ لِلْفِضَّةِ مَعْدَنٌ، وَمَوْضِعٌ لِلذَّهَبِ حَيْثُ يُمَحِّصُونَهُ" (ع 1 انظر أيضًا زك 13: 9، ملا 3: 3). هذا الموضع هو بوتقة التجربة والآلام، إن الرب كالصائغ الحكيم يعرف مقدار قوة النار ومدتها لتنقية فضته وذهبه، أي مفدييه الأعزاء"(1).

 

4- يقول "القمص تادرس يعقوب": "يبدأ أيوب في هذا الحديث الختامي بالإعلان عن الله الخالق بكونه وحده الكلي الحكمة، وإن خليقته تكشف عن سمو حكمته... تختلف نغمة هذا الأصحاح تمامًا عن نغمة سائر الأصحاحات الأخرى، حيث نرى قدرًا كبيرًا من الفلسفة الطبيعية والفلسفة الأدبية. يُعتبر هذا الأصحاح أقدم وثيقة عن التاريخ الطبيعي في العالم. هنا نراه يُبيِّن الآتي:

(1)  كيف يسعى بنو البشر وراء الثروة العالمية... فالإنسان يبحث عن الكنوز المخفية تحت الأرض في المناجم، يبحث عما لا تستطيع الطيور والوحوش البلوغ إليه.

(2)  فيما يختص بالحكمة يقول أن الحكمة بصفة عامة ثمنها عظيم، وقيمتها لا تُقدر، ومكانها خفي جدًا. توجد حكمة خاصة بالله لا يعلم مكانها أحد سواه، وتوجد حكمة معلنة لبني البشر. علينا ألا نبحث عن الأولى، بل نجتهد في طلب الثانية، لأن هذا من اختصاصنا. الحكمة موهبة ثمينة للغاية.

من يحصل على الحكمة يصير أكثر غنى وسعادة ممن يحصل على الذهب والحجارة الكريمة. يستطيع الإنسان بواسطة الطاعة لله والتمتع بمخافة الرب الحصول على الحكمة اللازمة للتمييز بين الخير والشر"(2).

 

5- يقول " ى. س. ب هيفينور": "يتكوّن الأصحاح من قصيدة حكيمة جميلة غرضها التعليم أن الحكمة أسمى جدًا من مُتناول يد الإنسان ما لم يكن طلبها في إطار خوف الله (ص 28)، ويشك كثير من الدارسين فيما إذا كان الأصحاح يمكن أن يُنسب إلى الرواية الأصلية ولذا فينظرون إليه كإضافة متأخرة.

فأولًا: الصلة بين أصحاح 27، 28 غير واضحة.

وثانيًا: أن التسليم الهادئ بسمو رفعة الحكمة الإلهيَّة يتباين بغرابة عن كثير من عبارات أيوب قبل هذه المرحلة في السفر وبعدها، ففي المواضع الأخرى، يظهر أيوب " كنسر محبوس في قفص، يرفع جناحيه ويضرب بجسمه قضبان قفصه، أنه قد يرغب أن يُحلق على عرش الله ويلتقط السر من الظلمة" (أ. ب. ديفدسون) (انظر مثلًا 23: 3، 31، 35 وما بعده).

علي أي حال يجب ألا يغيب عنَّا أنه ليس من المعقول أن ننتظر ثباتًا موزون العقل من شخص متألّم. لقد رأينا عدم ثبات عجيب في رأي أيوب عن الله. فلقد أظهر الله أحيانًا كعدو وأحيانًا كصديق. ثم إن الرقَّاص قد تأرجح بخصوص أفكار أيوب عن إمكانية فهم البشر لطرق الله"(3).

 

6- هذا الأصحاح لا يتناسب مع كلام صوفر وأصدقائه، بل أنه يسمو فوق أفكار صوفر وصديقيه. لقد ظن أصحاب أيوب أنهم حكماء، فأراد أيوب أن يُحدِّثهم عن الحكمة الحقيقية ليتبينوا أنهم ليسوا أصحاب حكمة ولم يقتنوها بعد، بل أنهم حكموا عليه ظلمًا، وجاء هذا الأصحاح ليمثل وقفة تأمل فاصلة بين الجولات الثلاث بين أيوب وأصحابه، وبين ما سيأتي فيما بعد من أحاديث أليهو والله، وأظهر هذا الأصحاح أن مأساة أيوب لم تكن مُجرَّد أحزان وآلام وظلمة كاحلة فقط، إنما هناك بصيص من نور الحكمة وإشراقة رجاء وأمل.

ويمكن وضع عنوان رئيسي للأصحاح وهو: أين توجد الحكمة وأين مكان الفهم؟، وتتناوب في الأصحاح ثلاث نغمات الأولى من (1-11) تؤكد أن البحث البشري يعجز عن كشف الحكمة وأن الكشف عن الحكمة يشبه الكشف عن الكنوز في المحاجر وباطن الأرض، والنغمة الثانية من (13-19) توضح أن الثروة تعجز عن شراء الحكمة، والنغمة الثالثة من (21-27) تعلن أن الله وحده عنده الحكمة يهبها لمن يشاء، ويأتي أخيرًا العدد (28) ليُعرّف الحكمة.

ويقول " ديفيد أتكنسون": "أن الحكمة الحقيقية هي عطية الله، عطية النعمة، وكل المهارات الأخرى بما في ذلك القدرة على التعدين، أو الفكر اللاهوتي الذي تقدم به بلدد، أو الفكر اللاهوتي الذي سيتقدم به أليهو أو حتى كمال أيوب وبره واستقامته، كلها أمور لا قيمة لها بدون مخافة الله. فالحكمة هي أن نعيش في خوف الله. وقد كتب " فون راد " Von Rad (في كتابه: الحكمة في إسرائيل) أن أساس كل حكمة حقيقية يعود إلى خضوعنا الكامل لله، فالإنسان يصبح متفوقًا ماهرًا ناجحًا، حينما يتأسَّس برنامج حياته على معرفة الله ومخافته"(4).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) تفسير سفر أيوب جـ2 ص 69، 70.

(2) تفسير سفر أيوب جـ3 ص 994.

(3) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ3 ص 46.

(4) سلسلة تفسير - الكتاب المقدَّس يتحدث اليوم - سفر أيوب ص 137، 138.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1581.html

تقصير الرابط:
tak.la/6dkbywy