ج: 1- القول " اَللهُ يَخْزِنُ إِثْمَهُ لِبَنِيهِ " لا تُعبِّر عن وجهة نظر أيوب، ولكنها وجهة نظر خاطئة يوردها أيوب، ويرد عليها في أسلوب شعري، ولهذا التبس الأمر على الناقد، ولو كلَّف نفسه بالرجوع لبعض الترجمات الأخرى لتبيَّن بسهولة قصد أيوب من هذا، ففي " الترجمة السبعينية": "أيدّخرُ اللهُ عقابَ الشّرّيرِ لبنيه. بل فليُكافِئه فيَعَلم".
وفي " ترجمة كتاب الحياة": "أَنتُمْ تقُولُونَ: إنَّ اللهَ يدَّخِرُ إثمَ الشّرير لأبنَائِه. لا! إنَّهُ يُنزلُ العِقَابَ بالأثيمِ نفسِهِ، فيَعلَمُ".
وفي " الترجمة العربية المشتركة": "أيدّخِرُ اللهُ ذُنوبَهُم لبَنيهِم؟ ليتَهُم يُجازِونَ الآنَ فيعَلَمون".
2- حتى لو كان القصد من العبارة أن الله يحاسب الأبناء على خطايا آبائهم، فهناك شرط هام يجب توفره، وهو أن هؤلاء الأبناء يسلكون في ذات الدرب الذي سلكَ فيه آبائهم، أي يعصون الله ويطوحون بوصاياه، وقد قال الرب: "لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ" (خر 20: 5)، فالشرط أن هؤلاء الأبناء يسيرون في درب البغضة لله ولوصاياه " أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ وَفِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنَ الَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي" (تث 5: 9)، وهذا ما أوضحه الله في سفر إرميا: "فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لاَ يَقُولُونَ بَعْدُ: الآبَاءُ أَكَلُوا حِصْرِما،ً وَأَسْنَانُ الأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ" (إر 31: 29) وأيضًا في سفر حزقيال النبي قال الله: "مَا لَكُمْ أَنْتُمْ تَضْرِبُونَ هذَا الْمَثَلَ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، قَائِلِينَ: الآبَاءُ أَكَلُوا الْحِصْرِمَ وَأَسْنَانُ الأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ..؟ هَا كُلُّ النُّفُوسِ هي لِي. نَفْسُ الأَبِ كَنَفْسِ الابْنِ، كِلاَهُمَا لِي. اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هي تَمُوتُ" (حز 18: 2، 4)... " اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هي تَمُوتُ. اَلابْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ" (حز 18: 20). وقد سبق مناقشة هذا الموضوع بالتفصيل فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ6 س663.
3- يقول "القمص تادرس يعقوب": "أحيانًا يترك الله الأشرار ينجحون، لكنهم يُورّثون الفشل لنسلهم، فيرث البنون مع الثروة التي نشأت عن الظلم والإثم اللعنة والدمار. ربما يتساءل البعض: وما ذنب الأبناء ليرثوا عن آبائهم الشرور المحزنة؟
أولًا: الله ليس بظالم فلا يعاقب الأبناء من أجل شرور آبائهم. فإن النفس التي تخطئ تموت. إنما أراد الله توبة الآباء ليخزِنوا لأبنائهم البرّ الإلهي. فلا ننكر ما لحياة الآباء من أثر على أولادهم، لكن بعض الأشرار كان أولادهم قديسين، فصارت أكاليل أبنائهم عظيمة، لأنهم لم يكملوا مكيال آبائهم في الشر، بل قَبِلوا الله أبًا لهم، يسلكون بروحه القدوس. وأيضًا وُجد أبناء أشرار عن آباء قديسين، فصارت قداسة حياة آبائهم علة دينونة بالأكثر.
ثانيًا: يُهدّد الله الأشرار بما سيحل بأبنائهم بسبب شرورهم، لأن غالبًا ما لا يبالي الإنسان بما سيحل به قدر ما يحزن بشدة على ما يحل بأبنائه. وكان هذا التهديد غايته توبة الآباء خشية هلاك أبنائهم"(1).
_____
(1) تفسير سفر أيوب جـ2 ص 827.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1569.html
تقصير الرابط:
tak.la/rk6gdg8