St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1538- ما هذه الألغاز التي تكلَّم بها بلدد الشوحي (أي 8: 16)؟! فمن هو هذا الرطب تجاه الشمس؟! وما هي جنته التي تنبت عليها خراعيبه؟! وكيف إذ قطِع يجحده مكانه؟!

 

ج: 1- انقسم حديث بلدد إلى قسمين:

     القسم الأول (أي 8: 1-7): تناول فيه بلدد الحديث عن العدالة الإلهيَّة، ويبدو أن بلدد كان متشبعًا بهذه الفكرة إلى أقصى درجة حتى أنه تغافل تمامًا الرحمة الإلهيَّة، ولهذا أطلق سهمًا طائشًا تجاه قلب أيوب إذ قال له: "إِذْ أَخْطَأَ إِلَيْهِ بَنُوكَ، دَفَعَهُمْ إِلَى يَدِ مَعْصِيَتِهِمْ" (أي 8: 4)، وبينما المثل العامي يقول: "اذكروا محاسن موتاكم " فإن بلدد يتهمهم ظلمًا وجورًا، وإنهم بسبب شرهم اقتص الله منهم بحسب عدالته المُطلقة، ويتهم بلدد الله بأنه هو الذي هوى بالبيت على أبناء أيوب جميعًا فحطم رؤوسهم، والله بلا شك بريء من هذه التهمة التي نسبها إليه بلدد دون قصد.

 القسم الثاني (أي 8: 8-12): استشهد بلدد بأحاديث الأقدمين لإثبات صحة نظريته، وأخذ يتكلَّم عن رجاء الرجل الفاجر الذي يخيب: "وَرَجَاءُ الْفَاجِرِ يَخِيبُ" (أي 8: 13) وبيته الذي يصير خاويًا كبيت العنكبوت: "وَمُتَّكَلُهُ بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ! يَسْتَنِدُ إِلَى بَيْتِهِ فَلاَ يَثْبُتُ. يَتَمَسَّكُ بِهِ فَلاَ يَقُومُ" (أي 8: 14، 15). ثم قال بلدد عن هذا الرجل الفاجر أنه: "رَطْبٌ تُجَاهَ الشَّمْسِ وَعَلَى جَنَّتِهِ تَنْبُتُ خَرَاعِيبُهُ. وَأُصُولُهُ مُشْتَبِكَةٌ فِي الرُّجْمَةِ، فَتَرَى مَحَلَّ الْحِجَارَةِ. إِنِ اقْتَلَعَهُ مِنْ مَكَانِهِ، يَجْحَدُهُ قَائِلًا: مَا رَأَيْتُكَ!" (أي 8: 16-18).

وفي " الترجمة اليسوعية": "إنَّما هو شَجرة تخضرُّ تجاه الشَّمس وتنبسطُ أغصانها على بستانها. وتشتبك عروقها في الحصى، وتتوغل في جوف الصُّخور. ولكنَّها إذا استؤصلت من مكانها أنكرها قائلًا. لم أراكِ قط".

وفي " ترجمة كتاب الحياة": "يزْدهرُ كشجرةِ أمام الشّمس، تَنْتَشرُ أعضائها فوقَ بُستَانها. تَتَشابكُ أُصولُهُ حول كوْمةِ الحجارةِ. وتلتفُّ حول الصُّخور. ولكن حَالَما يُستأصلُ من موضعهِ ينكرهُ مكانهُ قائلًا: ما رأَيتك قطُّ. يمدُّ غصونه على البستانِ. فتتشبكُ عروقُه في الرُّجمة، وبين الصُّخور يستمدُّ حياتُه. لكنَّك لو خَلَعتَهُ من مكانهِ. لأنكرته قُلتَ: ما رأيتك!".

St-Takla.org Image: The sun, solar flare. صورة في موقع الأنبا تكلا: الشمس، ألسنة اللهب الشمسية.

St-Takla.org Image: The sun, solar flare.

صورة في موقع الأنبا تكلا: الشمس، ألسنة اللهب الشمسية.

     فالإنسان الفاجر كما هو واضح من الترجمات السابقة هو رطب أي أخضر يترعرع على ضوء الشمس، فهو أشبه بجنة ترتفع أغصانها (خراعيبها) مثل نبات اللبلاب، وتمتد جذورها، وهذا المنظر البراق هو تعبير عن النجاح المظهري، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولكنه إذ هو إنسان فاجر فلا يتحمل أشعة شمس العدالة الإلهيَّة متى أشرقت عليه، فسريعًا ما يجف، وتجف فيه الحياة، وتلك الجذور المتشابكة في الرجمة أي في كومة الحجارة يسهل اقتلاعها، فهو في الحقيقة أشبه بتلك البذور التي سقطت على الأماكن المُحجِرة، فنبتت ولكن إذ لم يكن لها عمق أرض فحالما أشرقت الشمس جفت، وإذ لم يكن له أصل فقد جفَّ (مت 13: 5، 6). وهنا ينبر بلدد على أن أيوب رجل خاطئ فاجر ذو قلب حجري لا يلين، ولذلك تعرَّض للاقتلاع من جذوره. وعندما يُقتلع الإنسان الفاجر فإنه حتى المكان الذي عاش فيه سيّدًا متسلطًا، وسار على ثراه وأنفه في السماء، فإذ بهذا المكان وكأنه يتنكر له، ويقول له ما رأيتك من قبل... ولماذا نتعجب..؟!  فإن الإنسان كثيرًا ما يرجع إلى مكانه الذي وُلِد وتربى ونشأ فيه بعد غيبة نصف قرن، وإذ به يصرخ من عُمق قلبه قائلًا: "عدت إلى مكاني فما وجدت زماني".

     وما قاله بلدد وافق عليه أيوب البار الذي شبه سرعة زوال الحياة بالريح، والسحاب، وقال متى مات الإنسان فإنه: "لاَ يَرْجعُ بَعْدُ إِلَى بَيْتِهِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مَكَانُهُ بَعْدُ" (أي 7: 10) ولك أن تتصوَّر أن أحد ملوك الفراعنة نهض من موته وعاد إلى قصره في يومنا هذا فوجد كل المعالِم قد اختلفت تمامًا، والقصر صار مبنى ضخم من عشرين دور... تُرى ماذا يكون شعوره؟! أم أن مكانه الذي عاش عليه كملك وسط حاشيته وجنوده يتنكر له ويقول له ما رأيتك من قبل؟!! وردَّد صوفر النعماتي كلام بلدد الشوحي عندما قال عنه الرجل الشرير: "عَيْنٌ أَبْصَرَتْهُ لاَ تَعُودُ تَرَاهُ، وَمَكَانُهُ لَنْ يَرَاهُ بَعْدُ" (أي 20: 9). وجاء داود النبي ليقول: "قَدْ رَأَيْتُ الشِّرِّيرَ عَاتِيًا، وَارِفًا مِثْلَ شَجَرَةٍ شَارِقَةٍ نَاضِرَةٍ. عَبَرَ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَالْتَمَسْتُهُ فَلَمْ يُوجَدْ" (مز 37: 35، 36).

 

2- يقول " متى هنري": "(1) تأمل في هذه الشجرة، وكيف أنها جميلة ومزدهرة (ع 16): "مِثْلَ شَجَرَةٍ شَارِقَةٍ نَاضِرَةٍ" (مز 37: 35) تحتفظ بخضرتها رغم أشعة الشمس المُحرقة، " وَعَلَى جَنَّتِهِ تَنْبُتُ خَرَاعِيبُهُ " في حماية سور جنته، وتنتفع بتربة جنته. لاحظ ثبات هذه الشجرة، وتأمل جذورها العميقة في الأرض، لا تزعزعها الريح العاصفة، لأن " أُصُولُهُ مُشْتَبِكَةٌ فِي الرُّجْمَةِ" (ع 17). إنها تنمو في أرض ثابتة، وليس مثل البردي في الطين والماء. هكذا عندما ينجح الشرير في العالم يظن نفسه مطمئنًا، ويعتقد في غروره أن ثروته مثل سور عالٍ في قصوره (أم 18: 11).

(2) تأمل كيف تُقطَع هذه الشجرة وتُنسى: "إِنِ اقْتَلَعَهُ مِنْ مَكَانِهِ " وتستأصل تمامًا بحيث لا يبقى أي أثر أو أية علامة في المكان الذي كانت فيه، ونفس المكان يقول: "مَا رَأَيْتُكَ"، وكل الناظرين إليها يقولون نفس القول: "الْتَمَسْتُهُ فَلَمْ يُوجَدْ" (مز 37: 36). لقد كانت له مظهر عظيم لفترة وجيزة، وعمل ضجة عظيمة، لكنه اختفى فجأة، ولم يبقَ له أصل ولا فرع (ملا 4: 1)"(1).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير سفر أيوب جـ1 ص 131، 132.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1538.html

تقصير الرابط:
tak.la/d2g4fp5