ج: 1- قال أيوب: "حَقُّ الْمَحْزُونِ مَعْرُوفٌ مِنْ صَاحِبِهِ، وَإِنْ تَرَكَ خَشْيَةَ الْقَدِيرِ" (أي 6: 14).
وفي "الترجمة اليسوعية": "إنَّ قريبَ اليائس هو الذي يَرحَمهُ، وإلاَّ فقد نَبَذَ مخافةَ القدير".
وفي "ترجمة كتاب الحياة": "الإنسان المكروب يحتاج إلى وفاء أصدقائه. حتى ولو تخلى عن خَشية القدير".
وفي "الترجمة العربية المشتركة": "مَنْ منَعَ الرَّحمة عَنْ صديقيهِ تخلَّى عن مخافة القدير". كما وُضعت ترجمة أخرى بديلة وهي: "يحق للتعِب بعض الرحمة من صديقه وإلاَّ تخلى عن مخافة القدير".
فيقول أيوب أن الرجل الحزين البائس له حق لدى صاحبه، وهو أن يعامله بالرفق ويتعاطف معه ولا يدينه ويزيد من لهيب آلامه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وهو ما عبَّر عنه بالشطر الأول من البيت " حَقُّ الْمَحْزُونِ مَعْرُوفٌ مِنْ صَاحِبِهِ " أو " أنَّ قريب اليائسِ هو الذي يَرحَمه " أو " الإنسان المكروب يحتاج إلى وفاء أصدقائه " أو " يحق للتعِب بعض الرحمة من صديقه". أما الشطر الثاني فطبقًا للترجمة البيروتية أن الإنسان الحزين المتألم حتى وإن فقد مخافة الله في قلبه فهذا لا يمنع صديقه من التعاطف معه، وهذا ما جاء في طبعة كتاب الحياة أيضًا: "حتى ولو تخلى عن خشية القدير". أمَّا الترجمة العربية المشتركة فقد اعتبرت أن الصديق غير الوفي الذي لا يسرع لتضميد جراح صديقه، بأنه تخلى عن مخالفة القدير: "من مَنَعَ الرَّحمة عن صديقه تخلَّى عن مخافة القدير"، وهذا يتوافق مع إحدى الترجمات اليهودية: "من يمنع العطف عن صديقه يترك خشية القدير"(1).
ومما سبق يتضح جليًا أن كلاَّ الترجمتين يُعد مقبولًا، فإذا أخذنا بالمعنى الأول أن الإنسان الحزين البائس حتى لو تخلى عن مخافة الله فهذا لا يمنع صاحبه من العطف عليه، وإذا أخذنا بالمعنى الثاني أن من يتخلى عن مساندة صديقه فقد ترك خشية القدير، والمعنى الأول هو المطابق لمعظم الترجمات وهو الأدق، ونحن نعلم تمامًا أن الترجمات دائمًا تحتمل التنقيح، أمَّا الوحي والعصمة فهما يخصان الأصول، وكلما تقدمت الدراسات التي تقوم بها مدرسة النقد الأدنى كلما وصلنا إلى المعنى الصحيح للنص، وقد سبق مناقشة هذا الموضوع بالتفصيل فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ2 س 89.
2- يقول " لويس صليب": "حق المحزون من صاحبه: أي أنه من حق المحزون أن ينتظر شفقة وعطف من صديقه أمَّا إن أصحابه قد تجردوا من الشفقة والعطف إلى هذا الحد، وذلك ما كان يُمرِضه ويُمرّر نفسه. فقد كان هناك ما يحيره -بجانب اللغز الأكبر في كيف يسمح الله بهذا كله أن يأتي عليه- وهو افتقار المشهد كله من كلمة عطف تأتيه من أي صديق. نعم لم تكن هناك كلمة عطف واحدة بل كل ما هو سطحي ومؤلم للغاية بسبب سوء الحكم المؤسَّس على سوء التقدير"(2).
3- يقول " القمص تادرس يعقوب " تعليقًا على (أي 6: 14): "يوبخ أيوب أصدقاءه على عنفهم وقسوتهم. حقًا لم يتكلَّم سوى أليفاز، لكن ظهرت علامات القبول والموافقة من الصديقين الآخرين. يشعر أيوب أن قسوتهم صارت علة جديدة ليتمنى الموت، لأنه أية راحة له في هذا العالم إن كان أصدقاءه الذين جاءوا ليعزوه صاروا معذبين له؟
أنه من حق الإنسان الحزين أن يُقدِّم له المستريحون عطفًا، ويُظهِروا له محبة خالصة، ويُطيّبوا خاطره، ويستمعوا إلى شكواه، ويمزجوا دموعه بدموعهم. هذا ما يليق بهم كأعضاء مع الحزين في ذات الجسد الواحد. من لا يقدم حنوًا للمتألم يكون قد ترك خشية القدير، أي فقد مخافة الرب لأنه كيف تثبت محبة الرب ومخافته فيمن لا يبالي بآلام أخيه (1يو 3: 17)؟
الشدائد هي محك الصداقة؟ تكشف الأصدقاء بالحق ممن يدَّعون الصداقة. "الأخ فللشدة يُولَدُ" (أم 17: 17).
(ويقول القديس أغسطينوس): "الصديق الأمين دواء الحياة" (ابن سيراخ 6: 16). لا يوجد علاج مؤثر في شفاء الأوجاع مثل الصديق الصادق الذي يعزيك في ضيقاتك، ويدبرك في مشاكلك، ويفرح بنجاحك، ويحزن في بلاياك. من وجد صديقًا فقد وجد ذخيرة. فالصديق الأمين لا شبيه له، فوزن الذهب والفضة لا يعادل صلاح أمانته (انظر ابن سيراخ 6: 14، 15). بحق ليكن لك صديق تدعوه {نصف نفسي}"(3).
_____
(2) تفسير سفر أيوب جـ1 ص 106.
(3) تفسير سفر أيوب جـ1 ص 249، 250.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1534.html
تقصير الرابط:
tak.la/yr9hnrr