St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1523- هل يُعقل أن أصدقاء أيوب يقطعون تلك المسافات الطويلة ليأتوا إلى أيوب لتعزيته، وإذ بهم يجلسون صمًا بكمًا على مدار سبعة أيام (أي 2: 13)؟

 

ج: 1- جاء أصحاب أيوب لكيما يعزونه، ولكنهم صُدموا بما آل إليه حال أيوب حتى أن معالم وجهه تغيّرت، فبعد أن كان يرفل في الغنى والعز فإذ به يجلس على الرماد، وبيده شقفة يحك بها جلده: "وَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ مِنْ بَعِيدٍ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَبَكَوْا، وَمَزَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ جُبَّتَهُ، وَذَرَّوْا تُرَابًا فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ نَحْوَ السَّمَاءِ، وَقَعَدُوا مَعَهُ عَلَى الأَرْضِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَ لَيَال، وَلَمْ يُكَلِّمْهُ أَحَدٌ بِكَلِمَةٍ، لأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ كَآبَتَهُ كَانَتْ عَظِيمَةً جِدًّا" (أي 2: 12، 13).

     وكان من العوائد والتقاليد الشرقية أن تُقام خيام أو سرادق في مناسبات السراء والضراء، سواء للتهنئة أو للعزاء، تستمر عدة أيام، وكانت فترة الحداد حينذاك سبعة أيام، فعندما مات يعقوب ودفنه ابنه يوسف " صَنَعَ لأَبِيهِ مَنَاحَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ" (تك 50: 10)، وعندما أخذ أهل يابيش جثث شاول وأولاده وأحرقوها ودفنوا عظامهم في يابيش صاموا سبعة أيام (1صم 31: 13) وعندما التقى حزقيا النبي بالمسبييّن عند تل أبيب على نهر خابور جلس متحيرًا سبعة أيام: "وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ السَّبْعَةِ الأَيَّامِ أَنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ صَارَتْ إِلَيَّ قَائِلَةً" (حز 3: 16)... ومنذ نحو نصف قرن تقريبًا كانت سرادق العزاء تستمر في صعيد مصر إلى سبعة أيام، والآن تم اختصارها إلى ثلاثة أيام.

وهكذا جاء أصحاب أيوب بخيامهم فنصبوها وظلوا صامتين لمدة سبعة أيام نظرًا لهول الصدمة، وجاء في " دائرة المعارف الكتابية": "هكذا المنظر المُرعب جعلهم يصمتون، وبدلًا من أن يواسوه في محنته، ظلوا صامتين مذهولين، فلم ينطقوا بكلمة طيلة سبعة أيام وسبع ليالٍ"(1). وبعد مرور كل هذه الأيام لم يجد أيوب مناصًا من أن يكسر حاجز الصمت، ففتح فاه وسبَّ يومه.

 

2- ظل أصحاب أيوب في صمتهم بجوار أيوب، وفي هذه فائدة أكبر بكثير من أحاديثهم، ففي صمتهم عبَّروا عن المشاركة الوجدانية في أعمق صوَّرها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. بينما عندما تحدثوا إليه قال لهم أنكم منافقون وأطباء باطلون ومعزُّون متعبون، وفي كتاب " الوجود المؤلم " ذهب " ستانلي هوار " ليعزي صديق له في أمه التي انتحرت، وهو لا يعرف ماذا يقول، فاكتفى بالوجود بجواره، وكتب يقول: "حالما سمعت هذا النبأ المأسوي في ذلك الوقت، تذكرت مدى فقر مساعدتي لصديقي، فلم أكن أعرف كيف أو ما الذي يجب أن يُقال؟ لم أكن أعرف كيف أساعده في الخروج من جو هذه الحادثة المفجعة، ليواصل الحياة. كل ما استطعت فعله هو أن أكون بجواره، وساعدني الوقت لأدرك أن وجودي بجواره، هو كل ما يحتاجه، ورغم محدوديتي هذه، إلاَّ أن رغبتي في الوجود معه كانت دليلًا على أن هذه الحادثة المفجعة لا تمنعنا من جميع نواحي النشاط الإنساني، فالحياة يجب أن تستمر... ورثاء الوجود الصامت، هو ما نراه هنا في أصدقاء أيوب، فصمتهم كان أبلغ تعبير"(2).

ويقول " ديفيد أتكنسون": "أمَّا " الأسقف " جون تايلو " فيعلّق في كتابه الشفيع: وصف لي مؤخرًا أحد الزملاء حالة امرأة هندية تقطن شقة بلندن، وكان زوجها قد مات في حادثة وقعت في الشارع، فضربها الحزن كالصاعقة، فغاصت في ركن من الأريكة متشنجة لا تسمع لوقت طويل. أربكَتْ غيبوبتها هذه عائلتها وأصدقائها الذين التفوا حولها، وبعد ذلك أتت إليها مُدرسة أحد صغارها، وهي امرأة إنجليزية لترى حقيقة الأمر، وبدون أن تفتح فمها بكلمة وضعت ذراعيها فوق كتفها، وضمتها بكل قوة إلى صدرها وعانقتها، وحينئذ فاضت عينا المرأة الإنجليزية بالدموع، وقد بقيتا على هذا الوضع لفترة من الزمن، حتى بدأت المرأة الهندية تشهق وتبكي، وقد حدث كل ذلك ولم تفتح المرأة الإنجليزية فمها بكلمة واحدة. حينئذ قام المعزون وانصرفوا تاركين لها مسئولية مساعدة هذه الأسرة، وهكذا يعانقنا الله، مانحًا إيانا قُبلة الحياة. أنه الحضن الحقيقي، والذي يدرك ما يجيش في نفوسنا من اضطرابات"(3).

 

3- الرقم سبعة عدد يعبر عن الكمال، فمثلًا:

أ- قال أليفاز التيماني عن الإنسان الصديق: "فِي سِتِّ شَدَائِدَ يُنَجِّيكَ، وَفِي سَبْعٍ لاَ يَمَسُّكَ سُوءٌ" (أي 5: 19).

ب- قال موسى النبي: "يَجْعَلُ الرَّبُّ أَعْدَاءَكَ الْقَائِمِينَ عَلَيْكَ مُنْهَزِمِينَ أَمَامَكَ. فِي طَرِيق وَاحِدَةٍ يَخْرُجُونَ عَلَيْكَ وَفِي سَبْعِ طُرُق يَهْرُبُونَ أَمَامَكَ" (تث 28: 7).

ج-  قالت حنة أم صموئيل: "الْعَاقِرَ وَلَدَتْ سَبْعَةً، وَكَثِيرَةَ الْبَنِينَ ذَبُلَتْ" (1صم 2: 5).

د- قال سليمان الحكيم: "الصِّدِّيقَ يَسْقُطُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَقُومُ" (أم 24: 16).

هـ- قال أليشع لنعمان السرياني: "اذْهَبْ وَاغْتَسِلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الأُرْدُنِّ" (2مل 5: 10).

و- قال إشعياء النبي: "فَتُمْسِكُ سَبْعُ نِسَاءٍ بِرَجُل وَاحِدٍ" (إش 4: 1).

 

4- يقول أحد الكُتَّاب: "مشهد هذه الدراما الإلهيَّة، تبدأ بوصول هؤلاء الأصحاب وما أن دنوا من صاحبهم حتى وقعت عيونهم على مشهد، ما كان أقساه على عواطفهم! هل ذلك الإنسان التاعس، البغيض المنظر، الذي اكتسى كل بدنه بقروحٍ رديئة، الجالس على ذرات الرماد يمكن أن يكون هو صديقهم الجليل، أعظم كل بني المشرق؟!

انفجروا باكين، ومزقوا ثيابهم وقعدوا معه على الأرض، هي صورة مؤثرة، تليق بالموقف، والصمت الذي ران عليهم سبعة أيام يؤكد حقيقة رثائهم، بكوا مع الباكين. إذ لم يكن في مقدورهم أن يعينوا بالكلام فإن سكوتهم يكشف عن عميق تأثرهم. وفي نفس الوقت كانت أفكارهم جميعًا مشغولة بلا ريب، فبعد أن أفاقوا من الصدمة الأولى بسبب حالة أيوب المرعبة. لا بد أنهم أخذوا بالضرورة يفكرون لماذا حلَّ هذا الشر بأخينا؟!"(4).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) دائرة المعارف الكتابية جـ1 ص 579.

(2) سلسلة تفسير الكتاب المقدَّس يتحدث اليوم - سفر أيوب ص 40.

(3) سلسلة تفسير الكتاب المُقدَّس يتحدّث اليوم - سفر أيوب ص 41.

(4) لويس صليب - تفسير سفر أيوب جـ1 ص 64.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1523.html

تقصير الرابط:
tak.la/sq23h6t