St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1499- ما هي سمات سفر أيوب؟ وما هي أهدافه؟ وما هي أقسامه؟

 

     يقول " م. ريجسكي": "كان مؤلفو ومحررو كُتب العهد القديم يرون إحدى أهم مهامهم في تبجيل يهوه وحماية عبادته في النضال ضد عبادة الآلهة الأخرى. والكثير من المقاطع في تلك الكتب يحمل طابع الجدل المباشر بين أنصار يهوه وأتباع الديانات الأخرى. لكننا نجد أحيانًا في أعمال العهد القديم جدلًا ضد نوع آخر من أعداء يهوه، ضد المتشائمين وأصحاب الفكر الحُر الذين كانوا ينفون (أو يشككون بـ) صفات يهوه الأساسية: الجبروت الكلي والدراية الشاملة والحكمة والعدالة والرحمة أو حتى مُجرد حقيقة وجوده كإله... وأحد تلك الأعمال هو كتاب أيوب بشكله الأولي"(1).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: أولًا: تصوير ريجسكي بأن مؤلفي ومحرري كُتب العهد القديم كتبوا يدافعون عن يهوه ضد أتباع الديانات الأخرى، قول غير صحيح، لأنهم لم يكتبوا لأصحاب الديانات الأخرى إنما كتبوا لشعبهم اليهودي، والديانة اليهودية هي ديانة حافظة حفظت الإيمان وأقوال الله، ولم تكن ديانة كارزة مثل المسيحية، والذين كتبوا الأسفار المُقدَّسة لم يكتبوا من عندياتهم ولم يكن لهم أهداف ذاتية، إنما كتبوا بوحي إلهي مسوقين من الروح القدس، كتبوا ما يريده الله بالضبط، فالأسفار المُقدَّسة جميعها كلام الله الذي عَبَرَ من خلال الذهن البشري فاكتسب لغة وثقافة وعلم وشخصية الكاتب، دون أدنى تغيير في المحتوى الأساسي، فما أراده الله أن يُكتب هو الذي كُتب بالضبط مع الحفاظ على أسلوب الكاتب. وإن كان هناك نوعًا من المقارنة بين يهوه وآلهة الأمم الذين هم شياطين، فكان ذلك بهدف معرفة الحقيقة، والحقيقة فقط بدون مزايدة.

     وأيضًا يصوّر ريجسكي أن سفر أيوب يُعبِّر عن نوع من الجدل بين المحافظين الممثَّلين في الأصدقاء، وبين النُقَّاد أصحاب الفكر الحُر الذين يشكّكون في صفات يهوه الأساسية ممثَّلين في أيوب، وهذا ما عبَّر عنه ريجسكي في موضع آخر قائلًا: "في بضع مداخلات يُعبِّر أيوب عن سخطه لعدم عدالة يهوه: لأجل ماذا استحق أيوب كل هذه المعاناة، فهو لم يذنب بشيء أمام الإله؟ لكن ما يجري لأيوب يفتح عينيه على ما يجري من حوله. فالناس في كل مكان يعانون وفي كل مكان يسود الظلم والشر، ويهوه يسمح بذلك. يأخذ أصدقاء أيوب على عاتقهم دور المدافعين عن الإله، واعتراضاتهم على أقوال هذا المُعذَّب تشغل الجزء الأساسي من الكتاب وتشكل نقاشًا فلسفيًا بين أنصار النظرية الأرثوذكسية في الديانة اليهودية... وبين نقادها ممثَّلين بأيوب"(2).

     والحقيقة أن سفر أيوب ليس مؤلَّفًا كُتب بقصد تسجيل وجهات نظر متعارضة، إنما هو قصة حقيقية دارت أحداثها على أرض الواقع، وما حدث تم تسجيله بالضبط بدون تشذيب، فأحاديث أيوب والأصدقاء وأليهو والله هي أحاديث جرت حقيقةً على أرض الواقع، وليست تخيّلات كاتب سطَّرها بقلمه، ولذلك فنحن نعترف بالسفر كسفر قانوني مُوحى به من الله، له سماته وأهدافه.

 

ثانيًا: من سمات سفر أيوب:

1-   باستثناء المقدمة والخاتمة اللتان كُتبتا بالنثر جاء السفر عبارة عن ديوان شعري رائع، في صورة ملحمة درامية، يُعد من روائع الأدب العبراني بل العالمي، فيستخدم السفر المقابلات الشعرية الموزونة، فكل بيتين يقابل أحدهما الآخر،
أو يكمله في المعنى، أو يناقضه، فالسفر ملئ بالبلاغة، فمثلًا يشبه الحياة بأنها:

أ - أسرع من الوشيعة (مكوك النساج) (أي 7: 6).

ب- هي ريح (أي 7: 7).

جـ- أنها سحاب يضمحل (أي 7: 9).

د - هي ظل (أي 8: 9، 14: 2).

هـ- أنها أسرع من عداء (أي 9: 25).

و - كنسر ينقض إلى قنصه (أي 9: 26).

ز - كزهر ينحسم (يذبل) (أي 14: 2).

 

2-   يُعبِّر السفر عن المشاعر الإنسانية الصادقة من ألم وضيق وغضب مُقدَّس، ويقول " فرانسيس أندرسون": "وقد عالج السفر أهم المشكلات المُلِحّة في العلاقة بين البشر والله معالجة لاهوتية قوية تحوي شعرًا رائعًا لا يضاهيه شعر آخر في الأدب القديم أو الحديث من حيث جَماله أو عاطفته... سفر أيوب كتاب شامل من حيث تعدّد ما فيه من أفكار تضم قطاعًا عريضًا من الخبرة البشرية وعمق المشاعر الإنسانية وسمو الفكرة عن الله، وأخيرًا وليس آخرًا وذلك الأدب السامي الرفيع... والسفر يتعامل مع كل مشاكل الوجود... أنه يسبر غور اليأس البشري والغضب المقدَّس، وآلام البعد عن الله والهجر منه، وهو يتحدث عن آلام نفس بشرية ثم يذهب للحديث عن سر الله بطريقة تعجز عنها أي كلمات أو تأويلات، فالله وحده هو الذي يجلب الفرح لأيوب في النهاية... إن دراسة هذه المشكلات كما يثيرها سفر أيوب قد أنتج أدبًا عظيمًا"(3).

3-   ينطق سفر أيوب بوحدانية الله، وكمال صفاته الإلهيَّة، وعدالته المطلقة، وحكمته العجيبة، وقدرته اللانهائية، وسيطرته على جميع مجريات الأمور، فهو ضابط الكل، وعظمته لا توصف.

 

ثالثًا: من أهداف سفر أيوب:

1-   يوضِّح السفر عجز الحكمة البشرية عن إدراك الحكمة الإلهيَّة التي تسمو فوق الفكر البشري، وشقاء الإنسان وآلامه لا تعني دائمًا أن هذا الإنسان شرير يجوز في العقوبة، فربما كانت هذه آلام تجربة لتزكية إيمانه ومكافأته، وأيضًا لا يُعد نجاح الإنسان الشرير تعبيرًا عن رضى الله عنه، فربما الله يطيل أناته عليه علَّه يرجع ويندم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. إذًا السعادة والشقاء ليسا دائمًا مرتبطين بالخير والشر، إنما يستخدمهما الله بحسب حكمته ومقاصده.

2-   أوضح السفر حقد الشيطان على الإنسان البار الذي يحيد عن الشر ويصنع الخير، ومع هذا فإن حياة هذا الإنسان محفوظة في يد الله، فلا يستطيع الشيطان أن يمسه إن لم يسمح الله بذلك، وفي حدود الدائرة التي يرسمها له. إذًا حياة الإنسان ليست في يد الظروف والمقادير، وليست في يد عدو الخير، بل في يد ضابط الكل: "وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا" (عب 4: 13). وإن كان للشيطان لقائين مع الله في بداية السفر لهدم أيوب (أي 1: 6، 2: 1) فأنه كان للَّه لقائين أيضًا مع أيوب في نهاية السفر لشفائه من آلامه النفسية والجسدية (أي 38: 1-42: 6).

3-   أوضح السفر عناية الله بالإنسان مهما كان جنسه وموطنه: "مَا هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَعْتَبِرَهُ، وَحَتَّى تَضَعَ عَلَيْهِ قَلْبَكَ؟ وَتَتَعَهَّدَهُ كُلَّ صَبَاحٍ" (أي 7: 17، 18). فعندما وُجِد إنسانًا أُمميًا أمينًا أغدق الله عليه من خيراته، وفي وقت الضيق أحاطه بعنايته، ومنحه النصرة على عدو الخير.

4-   كشف السفر عن الله صانع الخيرات محب البشر، فعندما يسمح بضيق أو تجربة للإنسان، فأنه يسمح بها بقدر احتمال هذا الإنسان، فهو كخباز ماهر، عينه على الخبز حتى لا يحترق (الرغيف) ولا يخرج نيئًا، وفي نهاية التجربة يكافئ الله الإنسان على صبره واحتماله وأمانته.

5-   يوضح السفر العلاقة الصحيحة بين الإنسان والله، التي لا تُبنى على المنافع الذاتية كعلاقة العبد بسيده، إنما هي علاقة الحب والمودة والإخلاص، مثل علاقة الابن بأبيه، وبالتالي فإن الآلام الجسدية والنفسية التي يجوز فيها الإنسان تعجز عن فصم العلاقة بينه وبين الله.

6-   يحذرنا السفر من الحكم على الآخرين وإدانتهم بدون معرفة، فأصدقاء أيوب الذين حكموا عليه واستذنبوه وهو بريء تعرضوا للغضب والتوبيخ الإلهي (أي 42: 7-10)، فالله لا يقبل الاتهامات الباطلة حتى لو كانت محاباة ومجاملة له، فهو الحق كل الحق، ولذلك رفع رأس أيوب عندما أعاد إليه أصدقائه يستسمحونه ويطلبون شفاعته من أجلهم.

7-      أوضح السفر مدى الفرق الشاسع بين تعزيات البشر التي قد تكون متعبة للإنسان المتألم (أي 16: 1، 19: 2)، وبين تعزيات الله الشافية.

8-   أوضح السفر بركات التجربة التي سمح بها الله لأيوب، إذ رزقه بنين وبنات، وغنى جزيل، وعمر مديد، وجعله مثالًا على مدى الأجيال: "خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالًا لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ. هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ" (يع 5: 10، 11)، وكتب الله اسم أيوب بحروف من نور، وخلَّد اسمه في سفر الحياة.

9-   أوضح السفر أنه بدون سفك دم لا تحدث مغفرة، لذلك حرص أيوب على تقديم ذبائح عن أولاده (أي 1: 5) وأمر الله أصدقاء أيوب أن يصعدوا محرقة لأجل أنفسهم (أي 42: 8).

10-  أوضح السفر قيامة الأجساد والدينونة: "وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هذَا، وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى الله" (أي 19: 26).

 

رابعًا: أقسام السفر:

     يمكن تقسيم السفر إلى خمسة أقسام رئيسية:

القسم الأول: مقدمة السفر (ص 1، 2) ويشمل:

1-     حياة أيوب مع أسرته وممتلكاته وتقواه (1: 1-5).

2-     حسد الشيطان وامتحان أيوب الأول (1: 6-22).

3-     حسد الشيطان وامتحان أيوب الثاني (2: 1-10).

4-     مجيء أصدقاء أيوب وصدمتهم وصمتهم سبعة أيام (2: 11-13).

 

القسم الثاني: جولات الحوار بين أيوب وأصدقائه (ص 3-31) وتشمل:

1-     مرثاة أيوب (ص 3).

2-     الجولة الأولى من الحوار فيتكلم أليفاز ويجيبه أيوب، ثم بِلدَدُ ويجيبه أيوب، ثم صُوفَرُ ويجيبه أيوب (ص 4-14).

3-     الجولة الثانية بنفس الترتيب السابق (ص 15-21).

4-     الجولة الثالثة بنفس الترتيب، ويصمت فيها صوفر (ص 22-27).

5-     وقفة تأمل أو قصيدة الحكمة (ص 28).

6-     أحاديث أيوب (ص 29-31).

 

القسم الثالث: أحاديث "أليهو بن برخئيل البوزي" الأربعة (ص 32-37) ويشمل:

1-     الحديث الأول (32: 6-33: 33).

2-     حديث أليهو الثاني (ص 34).

3-     حديث أليهو الثالث (ص 35).

4-     حديث أليهو الرابع (ص 36، 37).

 

القسم الرابع: حوار الله مع أيوب خلال جولتين (ص 38-41) ويشمل:

1-     حوار الله الأول (38-40: 2) وجواب أيوب (40: 3-5).

2-     حوار الله الثاني (40: 6-41: 34) وتوبة أيوب (42: 1-6).

القسم الخامس: خاتمة السفر وتعويض أيوب ومكافأته (42: 7-17).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) ترجمة الدكتور آحو يوسف - أنبياء التوراة مع النبوءات التوراتية ص 236، 237.

(2) ترجمة الدكتور آحو يوسف - أنبياء التوراة مع النبوءات التوراتية ص 238.

(3) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - سفر أيوب ص 12، 13.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1499.html

تقصير الرابط:
tak.la/254jas5