قال "د. رشدي البدراوي" الأستاذ بجامعة القاهرة: أن أيوب هو ابن موص بن زارح بن رعوئيل بن عيسو بن إسحق بن إبراهيم، وأن زوجته "رحمة" من سبط أفرايم، ووضع تصوُّرًا لهذا النسب كالآتي:
إسماعيل - بسمه
رعوئيل زارح موص أيوب
إبراهيم عيسو تزوجا
منسى
(راجع قصص الأنبياء والتاريخ جـ3 - إسحق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب ص 495).
كما يقول " د. رشدي البدراوي": "وقد كان أيوب رجلًا صالحًا، من نَسل عيسو، يعبد الله على الملة الحنيفية دين إبراهيم جده وإسحق أبيه"(1).
ج: أولًا: أيوب:
1- اسم "أيوب" في اللغة العبرية " إيؤُب " Iyob أي الراجع أو العائد إلى الله، وأيضًا معناه " المُضطَهد " أو " المُجرَّب " أو " المُعَادي"، فطبقًا لقاموس سترونج: أيوب Iyob معناه المكروه وهو من فعل يكره بمعنى المُضطَهد، وطبقًا لقاموس برون: أيوب Iyob ومعناه أيضًا مكروه، وقد لُقّب بهذا بسبب ما حدث له(6).
2- كان اسم أيوب معروفًا في الألفية الثانية قبل الميلاد، فجاء في أحد الحفائر المصرية التي ترجع إلى القرن التاسع عشر ق. م. أنه كان هناك شخص كنعاني اسمه أيوب كان يتمتع بمظاهر الغنى والأُبهة، كما وجد الاسم في آثار مدينة "ماريا" Marie، كما وجد الاسم في رسائل تل العمارنة(7) رقم 237، 56 (A'ya'ob). وجاء أيضًا اسم أيوب في مخطوطة قديمة بمتحف برلين (Berlin Execration texts) تقول أن: أيوب أمير بأقليم دمشق عاش في القرن 19 ق. م، وأيضًا جاء اسم أيوب في تل العمارنة على أنه أمير في منطقة بِلا (Pella) وهي مدينة " الزرقا " في شرق الأردن وجنوب دمشق(8).
3-
جاء في التراث
الإسلامي أن
أيوب من نَسل
إبراهيم فقال " ابن
إسحق": هو
أيوب بن موص بن
رازح بن العيص -وهو عيسو- بن
إسحق بن
إبراهيم الخليل، وقال " ابن كثير": هو
أيوب بن موص بن رعويل بن العيص -عيسو- بن
إسحق بن
إبراهيم الخليل(9)،
وقال " الثعلبي" (أبو إسحق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري): "قال: وهب وكعب وغيرهما: من أهل الكتاب كان
أيوب رجلًا من الروم، وكان رجلًا
طويلًا عظيم الرأس، جعد الشعر، حسن العينين والخُلق، قصير العنق، غليظ الساقين
والساعدين، وكان مكتوبًا على جبهته المُبتَلى الصابر، وهو
أيوب بن أموص بن تارح
بن روم بن عيص بن
إسحق بن
إبراهيم عليهم السلام، وكانت أمه من ولد لوط بن هاران،
وكان الله قد اصطفاه ونبأه وبسط عليه الدنيا وكان له الثنية من أرض الشام كلها
سهلها وجبلها وما كان فيها وكان له من أصناف المال كله من الأبل والبقر والغنم
والخيل والحمير ما
لا يكون لرجل أفضل منه في العدة والكثرة"(2).
والحقيقة أن أيوب لم يكن من أنبياء اليهود ولا ملوكهم ولا مشيريهم، ولا من نَسل إبراهيم، ولم يأتِ ذكر لاسم أبيه أو نسبه في سلاسل الأنساب التي وردت في الكتاب المُقدَّس مثل سلسلة أنساب أخبار الأيام (1أي ص 1-9). وأيضًا لم يذكر الكتاب المُقدَّس اسم زوجة أيوب ولا نسبها، ولا نسب أم أيوب، ولم يرد في الكتاب المُقدَّس أي وصف عن شكل أيوب وهيئته، وما ذكره وهب وكعب ليس له أي سند كتابي.
ومع أن أيوب من الأمم إلاَّ أنه كان يؤمن بالله ورجل كامل ومستقيم في تصرفاته يُقدِّم ذبائح عن أبنائه، حتى أن الرب شهد باستقامته أكثر من مرّة قائلًا: "ليسَ مِثْلُهُ في الأرضِ رَجُلٌ كَامِلٌ ومُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي الله ويَحِيدُ عنِ الشَّرِّ" (أي 1: 8، 2: 3)، ومع أن أيوب من الأمم، فإن اليهود قَبِلوا سفره واحتفظوا به وكان موضع اعتزازهم، لأنهم تأكدوا أنه سفر قانوني مُوحَى به من الروح القدس، وسفر أيوب يعتبر ضربة لكبرياء اليهود وافتخارهم بأنهم من نَسل إبراهيم، مما دفع البعض لاعتبار أيوب شخصية خيالية، ولكن يقف أمام خيالهم الجامح هذا ورود اسم أيوب في مواضع أخرى من الأسفار المُقدَّسة، فجاء اسمه مع اسمي نوح ودانيال (حز 14: 14، 20) وفي سفر طوبيا (طوبيا 2: 12، 15) وأيضًا في رسالة القديس يعقوب (يع 5: 11).
4- جاء في نهاية الترجمة السبعينية للسفر أن أيوب هو "يوباب" الملك الثاني لآدوم وهو الشخص الذي ورد اسمه في سفر التكوين " مَلَكَ في أَدُومَ بَالَعُ بْنُ بَعُورَ... وَمَاتَ بَالَعُ فَمَلَكَ مَكَانَهُ يُوبَابُ بْنُ زَارَحَ مِنْ بُصْرَةَ" (تك 36: 32-33)، والذين قالوا أن أيوب كان ملكًا اعتمدوا على:
أ- قول أيوب: "أزَالَ عَنِّي كَرَامَتِي ونَزَعَ تَاجَ رَأسِي" (أي 19: 9)... " لَبِستُ البِرَّ فَكَسَانِي. كَجُبَّةٍ وعَمَامَةٍ كان عَدلِي. كُنتُ عُيُونًا لِلعُمْيِ وأرجُلًا لِلعُرجِ. أبٌ أنا للفُقَرَاءِ. ودَعوَى لم أعرِفهَا فَحَصتُ عنها. هَشَّمتُ أضرَاسَ الظَّالِمِ. وَمِنْ بَينِ أسنَانِهِ خَطَفتُ الفَرِيسَةَ" (أي 29: 14-17).
ب- تميزت آدوم بالحكمة: "عَنْ أَدُومَ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ أَلاَ حِكْمَةَ بَعْدُ فِي تيْمَانَ... هل بَادَتِ الْمَشُورَةُ مِنَ الْفُهَمَاءِ هَلْ فَرَغَتْ حِكْمَتُهُمْ" (إر 49: 7)... " أَلاَ أُبِيدُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَقُولُ الرَّبُّ الْحُكَمَاءَ مِنْ أَدُومَ وَالْفَهْمَ مِنْ جَبَلِ عِيسُو" (عو 1: 8).
ثانيًا: عصر أيوب:
عاش أيوب البار قبل خروج شعب الله من أرض مصر وقبل عصر الشريعة، وغالبًا عاش نحو 2000-1800 ق. م، وبذلك يكون قد عاصر أبينا يعقوب (2006-1859 ق. م) ومن الأدلة على ذلك:
1- لم يذكر السفر عجائب الله مع شعبه في أرض مصر وأرض سيناء، ولم يذكر شيئًا عن خيمة الاجتماع وكهنوت لاوي، مما يدل على أن أيوب عاش في عصر سابق عن هذا، حيث كان رب الأسرة هو كاهن الأسرة، ولذلك أصعد أيوب ذبائح عن بنيه (أي 1: 5) ولم يعد هذا تعدٍّ على الكهنوت، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وقال البعض أن أيوب عاصر الكهنوت اللاوي بدليل قوله " يَذهَبُ بِالْكَهَنَةِ أَسْرَى وَيَقلِبُ الأقوِيَاءَ" (أي 12: 19) ولكنه لم يقصد هنا الكهنوت اللاوي، بل كهنوت الأمم، فقدماء المصريين والسومريين والبابليين كان لديهم نظام الكهنوت منذ القدم.
2- عاش أيوب عمرًا يناهز المائتي عام، حيث أنه عاش بعد التجربة 140 عامًا، (أي 42: 16) بينما عاش إبراهيم 175 عامًا (تك 25: 7)، وإسحق 180 عامًا (تك 35: 28)، ويعقوب 147 عامًا (تك 47: 9، 28). إذًا هو معاصر للآباء الأول أو سابق عليهم قليلًا.
3- قُدرت ثروة أيوب بعدد المواشي والدواب والأغنام والجمال (أي 1: 3، 42: 12) ولم تُقدر بما لديه من ذهب وفضة، وهذه سمة من سمات عصر الآباء.
4- رغم أن السفر يدور حول مجازاة الأشرار إلاَّ أن أحدًا من الأصدقاء لم يستشهد بمعاقبة الله لسدوم وعمورة التي حدثت أيام إبراهيم.
5- استخدم السفر اسم " القدير " وبالعبرانية " شداي" (أي 11: 7) وهو الاسم الذي أعلنه الله لإبراهيم (تك 17: 1) وليعقوب (تك 35: 11).
6- ذكر السفر نوع العملة المستخدمة حينذاك، وهي "القسيطة" (أي 42: 11) وهي ذات العملة التي كانت تستخدم في عصر الآباء (تك 33: 19، يش 24: 32).
7- كُتب السفر في منطقة وفي عصر لم يكن فيه تزاحم على المراعي، فقال أليفاز: " مَا أخْبَرَ بِهِ حُكَمَاءُ عَن آبَائِهِم فَلَم يَكتُمُوهُ. الذِينَ لَهُم وَحدَهُم أُعطِيَتِ الأَرْضُ ولَم يَعْبُرْ بَينَهُمْ غَرِيبٌ" (أي 15: 18، 19)، بينما في عصر إبراهيم كان هناك تزاحم بين رعاته ورعاة لوط وكان الكنعانيون أيضًا في الأرض (تك 13: 7)، وربما عاش أيوب في منطقة تختلف في كثافتها السكانية عن المنطقة التي عاش فيها إبراهيم.
8- لم يذكر السفر عبادة الأصنام والأوثان، إنما ذكر عبادة النجوم والكواكب وهي عبادة قديمة ظهرت بعد الطوفان، وهي عبادة السبئيين (الصابئة Saba) فقال أيوب: "إن كُنْتُ قد نَظَرْتُ إلَى النُّورِ حِينَ ضاءَ أو إلَى الْقَمَرِ يَسِيرُ بِالبَهَاءِ. وغَوِيَ قَلبِي سِرًّا ولَثَمَ يَدِي فَمِي" (أي 31: 26، 27) فهو يشير لعبادة الشمس والقمر.
9- جاء في السفر ذكر أهرام مصر، وهرم سقارة وهرمي دهشور وميدوم والأهرامات الثلاثة لخوفو وخفرع ومنقرع جميعها أقيمت خلال الفترة من 3500-3000 ق.م.
10- رغم عِظم مركز أيوب وغناه، فإن أليفاز يتكلَّم عن السكنى في بيوت من طين: " فَكَم بِالحَرِيِّ سُكَّانُ بُيُوتٍ مِنْ طِينٍ الذين أسَاسُهُم في التُّرَابِ ويُسحَقُونَ مِثلَ العُثِّ" (أي 4: 19) بل وحصونهم أيضًا من طين " وحُصُونُكُمْ حُصُونٌ مِنْ طِينٍ" (أي 13: 12) كما يتكلَّم السفر عن طريقة دفن قديمة جدًا " تَدخُلُ المَدفَنَ في شَيخُوخةٍ كَرَفعِ الكُدسِ في أوَانِهِ" (أي 5: 26).
11- يذكر السفر طريقة الكتابة البدائية وهي النقر على الصخر بقلم من حديد، فقال أيوب: "لَيتَ كَلِمَاتِي الآنَ تُكتَبُ. يا لَيتَهَا رُسِمَت في سِفرٍ. ونُقِرَتْ إلَى الأبَدِ في الصَّخرِ بِقلَمِ حَدِيدٍ وبِرَصاصٍ" (أي 19: 23، 24) وهذه الطريقة في الكتابة أقدم من الكتابة المسمارية Cuneiform على ألواح الطين.
12- يذكر السفر " سفن البردي " وهذه السفن كانت تستخدم منذ زمن بعيد: "تَمُرُّ مع سُفُنِ البَردِيِّ. كَنَسرٍ يَنقَضُّ إلى قَنَصِهِ" (أي 9: 26).
13- يذكر السفر الأشنان: "وَلوِ اغتَسَلتُ في الثَّلْجِ ونَظَّفتُ يَدَيَّ بالإشنانِ "(أي 9: 30) والأشنان هو رماد قلوي لبعض النباتات، والكلمة المستخدمة هنا أقدم من كلمة الأشنان التي وردت في (إر 2: 22، ملا 3: 2).
14- لم يكن سكان آدوم يعرفون حينذاك مداهنة الملوك والعظماء أمثال أيوب، ولذلك جاءت كلمات الأصدقاء الثلاثة لأيوب لاذعة وقاسية.
ومما يجدر ملاحظته أن النُقَّاد اختلفوا فيما بينهم على الزمن الذي عاش فيه أيوب وكتب فيه السفر، فيقول " أ. د. محمد خليفة حسن": "وقد تراوحت أزمنة التأليف عند مجموعات من النُقَّاد بين القرن السابع والثالث قبل الميلاد، ويرى إفالد وريم ونولدكة ودلمان وريوس أن القرن السابع ق. م هو قرن تأليف الشعر، بينما يتفق على القرن السادس ق. م كل من شين وفايفر وبرايس وشلوجل. ويتلف مور ودريفر وجراي ودورم على القرن الخامس قبل الميلاد، بينما يرى إيسفلت وفنكلسين على الرابع قبل الميلاد. ويرى كورنيل وهولتسمان القرن الثالث قبل الميلاد موعدًا"(3).
ثالثًا: موطن أيوب:
سكن أيوب في " أرضِ عوصَ" (أي 1: 1) وعن المعنى يقول "القمص تادرس يعقوب": "اسم عوص مشتق من كلمة " يعص " وتعني بالعربية " يعظ " وقد أُشتهر سكان تلك المنطقة بالكلام والوعظ والحكمة"(4). و"عَوْصَ " كشخص هو اسم عوص بن آرام بن سام بن نوح " بَنُو سَامٍ: عِيلاَمُ وأشُّورُ وأرفَكشَادُ ولُودُ وأَرَامُ. وبَنو أرَامَ: عُوصُ وحُولُ وجَاثر ومَاشُ" (تك 10: 22، 23) و"عوصَ " كمكان قال إرميا النبي:
" اِطرَبِي وافرَحِي يا بِنتَ أدُومَ، يا سَاكِنَةَ عوصٍ. عَليكِ أيضًا تَمُرُّ الْكَأْسُ. تَسكَرِينَ وَتَتَعَرَّينَ" (مرا 4: 21) وأيضًا ذُكر الاسم في (إر 25: 20) وعلى ذلك يمكن تصوُّر عوص على أنها في أرض سعير، تقع بين آدوم وآرام جنوب شرق فلسطين، وشمال الصحراء الغربية، وهي أرض مراعي، فكانت عرضة لهجوم السبئيين الذين يعيشون على السَّلب والنَّهب والغزوات، وكذلك الكلدانيون، ويقول " القس صموئيل يوسف " أن أرض عوص تقع بين سوريا والفرات (راجع المدخل إلى العهد القديم ص 293)، ويقول " القمص تادرس يعقوب " عن " عَوْصَ " أيضًا: "يُعتَقد أنها كانت بين دمشق وآدوم، في الصحراء السورية، وهناك من يعتقد أنها في حوران. تقع بين فلسطين والعربية، شمال شرقي نهر الفرات، في طريق القوافل ما بين مصر وبابل. يرى التقليد أن حاران هي وطن أيوب، شرق بحر الجليل، وهي منطقة كانت خصبة للغاية، وكانت تضم حوالي 300 مدينة صغيرة"(5). وفي منطقة حوران بالقرب من الحدود السورية الأردنية شمال شرقي فلسطين بين سفوح الجولان ووادي اليرموك يوجد مقام النبي أيوب، ودير أيوب، كما تُسمى تلك البقعة بضياع أيوب(10).
_____
(1) قصص الأنبياء والتاريخ جـ3 - إسحق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب ص 605.
(2) قصص الأنبياء المُسمّى عرائس المجالس ص 135.
(3) مدخل نقدي إلى أسفار العهد القديم ص 196.
(4) تفسير سفر أيوب جـ1 ص 10.
(5) تفسير سفر أيوب جـ1 ص 10.
(6) راجع موقع هوليبابيلوان.
(7) راجع دائرة المعارف الكتابية جـ1 ص 576.
(8) راجع د. ميخائيل مكس - دراسة لشخصيات كتابية عجيبة ومثيرة للجدل ص 38، 39.
(9) د. محمد علي البَار - أباطيل التوراة والعهد القديم (2) - الله والأنبياء في التوراة والعهد القديم ص 480.
(10) راجع ممدوح شفيق - الله والإنسان في سفر أيوب ص 8.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1498.html
تقصير الرابط:
tak.la/8tt45c9