ج: 1- كان من الأمور العادية في تلك الممالك تأليه الملك وتقديم العبادة له، ولأن الملك أحشويروش عظم هامان جدًا وجعله الثاني له في المُلك، بل اعتبره بمثابة أبيه الروحي، لذلك أمر شعبه بأن يسجدوا له: "عظَّمَ المَلِكُ هامانَ بن هَمَدَاثَا الأجَاجيَّ ورَقَّاهُ وجَعَل كُرْسيَّهُ فَوقَ جَمِيعِ الرُّؤَساء الذين مَعَهُ. فَكَانَ كُلُّ عبيدِ المَلِكِ الذِينَ بِبَابِ المَلِكِ يَجثُونَ ويَسْجُدُونَ لهامان لأَنَّهُ هكَذَا أوصَى بِهِ المَلِكُ. وأمَّا مردَخَاي فَلَمْ يَجْثُ ولمْ يَسْجُدْ"(أس 3: 1، 2). إذًا الموضوع ليس مجرّد انحناء للتكريم كما يفعل البعض في بلادنا الشرقية للآن، بل هو جثو وسجود لا يليق إلاَّ بالله المعبود، أما مردخاي فكان متمسكًا بشريعة إلهه التي تُنهي عن السجود لغير الله: "فإِنَّكَ لا تَسجُدُ لإِلهٍ آخَرَ، لأَنَّ الرَّبَّ اسمُهُ غَيُورٌ. إِلهٌ غَيُورٌ هو"(خر 34: 14)... "الرَّبَّ إلهك تَتَّقي، وإِيَّاهُ تَعْبُدُ" (تث 6: 13) وقال الرب يسوع للشيطان: "اذهَب يا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: للرَّبِّ إلهكَ تَسْجُدُ وإِيَّاه وحْدهُ تَعْبُد"(مت 4: 10) فقد طلب الشيطان من السيد المسيح السجود له، فكان رد السيد المسيح حازمًا قاطعًا، وهكذا قديمًا عندما رفض مردخاي السجود أمام هامان، بالرغم من إلحاح عبيد الملك عليه ليسجد مثلهم، لكنه قال أنه يهودي وديانته لا تسمح له بهذا (أس 3: 3، 4).
2- لم يكن مردخاي يتصوَّر أن نتيجة تصرُّفه هذا سينسحب على جميع بني جنسه، وأن هامان سيفكر في إبادتهم من الوجود، ولذلك عندما صُدِم بتصرف هامان والأمر الملكي بإبادة اليهود حزن حزنًا شديدًا ومزَّق ثيابه ولبس مسخًا وصرخ صرخته المُرّة، ورفع قلبه لله قائلًا: "إنك تعرف كل شيء، وتعلم إني لا تكبُّرًا ولا احتقارًا ولا رغبة في شيء من الكرامة فَعَلت هذا إني لم أسْجُد لهامان العاتي. فإني مستعدٌ أن أُقبّل حتى أثار قدميه عن طِيب نفس لأجل نجاة اسرائيل. ولكن خِفْتُ أن أُحَوِّل كرامة إلهي إلى إنسان وأعبد أحدًا سوى إلهي" (إس 13: 12 - 14).
3- يبدو أن المؤامرة التي قام بها بغثان وترش لاغتيال أحشويروش الملك كانت إما بتدبير من هامان، أو على الأقل بعلم منه، وقد منَّى نفسه بأنه متى تم اغتيال الملك فأن المُلك سيؤول له باعتباره الرجل الثاني في المملكة، وعندما كشف مردخاي هذه المؤامرة للملك أحشويروش ثار هامان ضد مردخاي: "وكان هامان بن همداثا الأجاجي له عند الملك كرامة عظيمة فأراد أن يؤذي مردخاي وشعبه بسبب خصيَّي الملك المقتُولين" (أس 12: 6) فقد أمر أحشويروش بصلب هذين الخصيين، ومما أزاد إشعال الحريق في صدر هامان أن مردخاي رفض السجود له، فاعتبر أن هذا تحدي شخصي له، واستهانة بأمر الملك الذي طالب الشعب بالسجود لهامان كما يسجدون له، وروح الانتقام هذه التي انتابت هامان جعلته لا يكتفي بالخلاص من مردخاي، بل أراد القضاء على جنس مردخاي بالكامل: "ولمَّا رأى هامانُ أَنَّ مردخَاي لا يَجْثُو ولا يَسْجُدُ لَهُ امْتَلأَ هَامَانُ غَضَبًا. وَازدُرِيَ في عَيْنَيْهِ أن يَمُدَّ يدهُ إلى مُردخَايَ وحْده، لأَنَّهُمْ أَخْبَرُوهُ عَن شَعْبِ مُرْدَخَايَ. فَطَلَبَ هامان أن يُهْلِكَ جَميعَ اليَهود الَّذين في كُلِّ مَمْلَكَةِ أَحَشْوِيرُوشَ، شَعْبَ مُرْدَخَاي" (أس 3: 5، 6)، ولكن الله تدخّل وأنقذ شعبه، ولا ننسى "الهولوكست" حيث أحرق هتلر ملايين اليهود في محاولة شريرة لإبادتهم، وهذه المُحرَقة أدت إلى تعاطف الشعوب معهم وتمكينهم من إقامة دولة إسرائيل.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1487.html
تقصير الرابط:
tak.la/4fh2p4f