ج: أنقذ يهوياداع الكاهن وزوجته يهوشبعة الطفل يوآش بن أخزيا من المذبحة التي ارتكبتها عثليا عندما أبادت كل النسل الملكي لتنفرد بالعرش، فكان يهوياداع هو مربي الملك ومرشده " وَعَمِلَ يُوآشُ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنِ" (2أي 24: 2)، ولكن عندما مات يهوياداع خدع رؤساء يهوذا الملك وسجدوا للسواري والأصنام "ولبِسَ رُوحُ اللهِ زَكَرِيَّا بْنَ يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنَ" (2أي 24: 20) فبكَّت الشعب على خطاياه العظيمة، فماذا كان رد فعل الشعب ورؤسائه والملك..؟. " فَفَتَنُوا عَلَيْه وَرَجَمُوهُ بِحِجَارَةٍ بِأَمرِ الْمَلِك فِي دَارِ بَيْتِ الرَّبِّ. وَلَمْ يَذْكُرْ يُوآشُ الْمَلِكُ الْمَعْرُوفَ الَّذِي عَمِلَهُ يَهُويَادَاعُ أَبُوهُ مَعَهُ، بَل قَتَلَ ابْنَهُ. وَعِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ الرَّبُّ يَنْظُرُ وَيُطَالِبُ" (2أي 24: 21، 22).
ومرت السنون وكرت الأيام بحلوها ومرها، وأكثرها كانت تحمل المرارة والألم للشعب العنيد القاسي الرقبة، حتى جاء مشتهى الأجيال، وبكَّت الكتبة والفريسيين قائلًا لهم: "فَامْلأُوا أَنْتُمْ مِكْيَالَ آبَائِكُمْ... ها أَنا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً، فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ، وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ، وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ، لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ، مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا كُلَّهُ يَأْتِي عَلَى هذَا الْجِيلِ" (مت 23: 32 - 36).
وهنا نجد أنفسنا أمام عدَّة تساؤلات:
1. هل زكريا بن يهوياداع هو زكريا بن براخيا؟
2. ما ذنب هذا الشعب اليهودي بكتبته وفريسيه، الذين يخاطبهم السيد المسيح، حتى يتحملوا ما سُفك من دماء منذ آدم إلى هذه اللحظة؟
3. هل الشعب اليهودي الذي طالما سفك دماء بريئة بعد زكريا بن يهوياداع لا يُحاسب على هذه الجرائم؟
والآن دعنا يا صديقي أن نجيب باختصار على تلك التساؤلات:
1- كان زكريا على الأرجح هو حفيد يهوياداع، ونُسب لجده لأنه كان أكثر شهرة من أبيه "برخيا" فدُعي "زكريا بن يهوياداع" في سفر الأخبار، بينما نسبه السيد المسيح لأبيه قائلًا "زكَريَّا بْنِ بَرَخِيَّا". إذًا زكريا بن برخيا هو زكريا بن يهوياداع، وهذا أمر مُتعارف عليه حتى الآن ولا سيما في الأرياف، فالإنسان يُنسَب إلى جده أو إلى عائلته، ولا ننسى أن السيد المسيح دُعي ابن داود، وزكريا بن برخيا ليس هو زكريا النبي رغم أنه ابن برخيا آخر "كانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إلى زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا بن عدُّو" (زك 1: 1) فدُعي "زكريا بن عِدُّو" (عز 5: 1) نسبة لجده " عِدُّو " وعاصر حجي النبي في الفترة بعد العودة من السبي، فكان لهما دور إيجابي في بناء الهيكل، وذكر التقليد اليهودي أنه عاش طويلًا ومات ودُفن بالقرب من النبي حجي، فزكريا النبي لم يُقتَل بين الهيكل والمذبح.
وبالطبع "زكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا" الذي ذكره السيد المسيح ليس هو زكريا زوج أليصابات ووالد يوحنا المعمدان، لأننا لم نقرأ عنه أنه قُتل، ومعنى اسم "برخيا" أي "بركة" أو "من باركه الرب" ومعنى اسم "يهوياداع" أي "قداسة"، فزكريا بن برخيا بن يهوياداع، هو ابن البركة والقداسة، فقد جرى في عروقه الدم الملكي من جهة أمه، والدم الكهنوتي من جهة أبيه في آن واحد.
وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": "زكريا: اسم عبري معناه "يهوه يذكر" أو "الرب يذكر" وهو اسم كثير الورود في الكتاب المقدَّس حيث يُطلَق على نحو اثنين وثلاثين شخصًا. فهو اسم: (12) زكريا بن يهوياداع الكاهن في عهد يوآش ملك يهوذا (2أي 22: 1 - 12،24: 15، 16) فهو ابن يهوشبعة أخت أخزيا الملك، وعليه كان زكريا ابن عمة الملك يوآش. وحدث بعد موت يهوياداع، أن ارتد الشعب عن الرب، حتى "لَبِسَ رُوحُ اللهِ زَكَرِيَّا بْنَ يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنَ فَوَقَفَ فَوْقَ الشَّعْبِ وَقَالَ لَهُمْ هكَذَا..." (2أي 24: 20 - 22) والأرجح أن زكريا بن يهوياداع هو الذي قصده الرب يسوع بقوله للكتبة والفريسيين: "لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ، مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ" (مت 23: 35، انظر أيضًا لو 11: 51)"(1).
2- قال الله لموسى: "لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ في الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ" (خر 20: 5) فالأبناء الذين يستكملون مشوار الشر مع آبائهم يدانون على الخطايا التي ارتكبوها هم والخطايا التي ارتكبها آباؤهم، والمدينة التي سفكت دماء الأبرار تتحمل دم كل شهيد قُتل وهو بار، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فجاء في سفر الرؤيا عن المدينة العظيمة بابل: "وفِيهَا وُجِدَ دَمُ أَنْبِيَاءَ وَقِدِّيسِينَ، وَجَمِيعِ مَنْ قُتِلَ عَلَى الأَرْضِ" (رؤ 18: 24) وقال البعض أن من قتل نفسًا بدون وزر كأنه قتل الناس جميعًا، والجيل الذي عاين معجزات السيد المسيح الباهرة، ومع ذلك رفضه، بل أسلمه للصلب سيعاقب على هذا الشر العظيم، بل يُعطي حسابًا عن دماء جميع الأبرار الذين سُفكت دمائهم على مدار التاريخ، ولذلك قال السيد المسيح: "الحق أقول لكم: أن هذا كلهُ يأتي على هذا الجيل".
3- في التوراة العبرية كان سفر الأخبار آخر سفر في الأسفار المقدَّسة، لأنه يحوي خلاصة التاريخ اليهودي، وعندما قال السيد المسيح: "يأتي عليكم كل دم زكي سُفك على الأرض من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا" كان يقصد أول شهيد في التاريخ ذُكر في الكتاب المقدَّس، وشهد له إله السماء "شُهد له أنه بار إذ شهد الله لقرابينه"(عب 11: 4) إلى آخر شهيد جاء ذكره في العهد القديم وهو زكريا بن براخيا، وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": "فالرب يسوع يذكر أول شهيد للبر ذُكر في أسفار الكتاب المقدَّس (تك 4: 8)، وآخر شهيد ذُكر في آخر الكتاب المقدَّس في التوراة العبرية، وهو سفر أخبار الأيام الثاني، والأرجح أن زكريا كان حفيدًا ليهوياداع الذي مات عن مائة وثلاثين عامًا (2أي 24: 15) وأن أبا زكريا كان اسمه برخيا بن يهوياداع"(2).
_____
(1) دائرة المعارف الكتابية جـ 4 ص 224، 225.
(2) المرجع السابق ص 225.
(3) البهريز جـ1 س225.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1417.html
تقصير الرابط:
tak.la/yp8bq58