يقول "علاء أبو بكر": "يقول رب الجنود لداود: {هُوَذَا يُولَدُ لَكَ ابْنٌ يَكُونُ صَاحِبَ رَاحَةٍ، وَأُرِيحُهُ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِهِ حَوَالَيْهِ، لأَنَّ اسْمَهُ يَكُونُ سُلَيْمَانَ. فَأَجْعَلُ سَلاَمًا وَسَكِينَةً فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِهِ. هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي، وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنا، وأنا له أَبًا وأُثَبِّتُ كُرسِيَّ مُلْكِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَد} (1أي 22: 9، 10).
فلماذا لم يحمِ الرب كرسي داود ومملكته؟ فقد زالت سلطه آل داود وتَسلط عليهم الآشُّوريون بقيادة سرجون الثاني سنة 722 ق.م، والبابليون بقيادة بختنصر سنة 586 ق.م، وهل لم يعلم الرب بعلمه الأزلي أن عبده ورسوله سليمان سيتجه لعبادة الأوثان؟ فكيف يحميه ويحمي مملكته وهو يُضلّل خلق الله ويفتري على الله بالكذب؟ أليس هذا دليل على جهل الرب بالمستقبل وأن علمه ليس بأزلي؟ وإذا كان سليمان باعتراف الرب أنه ابنه، وهو أبوه، فلماذا يخص عيسى (صلعم) وحده بالبنوة لله"(1).
ج: 1- يتساءل الناقد: كيف يكون سليمان ابنًا لله، الذي وعده بتثبيت مملكته، ثم تنهار مملكته على أيدي الأشوريين والبابليين؟
والحقيقة كما نعلم أن وعود الله وعود مشروطة، ولم يخل الله بوعده، بل سليمان هو الذي أخلَّ بشروط الوعد، فطالما كان سليمان يعيش في محبة الله وطاعة وصاياه، كان الوعد الإلهي قائمًا، ولكن بعد أن انحرف سليمان حتى أنه أشرك بالله، وعبد آلهة الأمم بجوار عبادته ليهوه، وسجد لتلك الآلهة وقدم لها العبادة، فأي عاقل يقول أنه بعد هذا السقوط المُريع، وبعد هذا التحدي للإرادة الإلهيَّة أن الوعد الإلهي لسليمان يظل قائمًا..؟! إن تصرف سليمان الخاطئ نقض شروط الوعد، أم أن الناقد يريد من الله أن يفي بوعده ويثبت مملكة سليمان، وهو يسجد للأصنام ويعبدها..؟! هل يريد الناقد من الله أن يرفع علم الوثنية؟!
لقد أطال الله أناته كثيرًا على سليمان، بل وأجَّل شق المملكة إلى عهد ابنه رحبعام الملك المتعجرف، ثم أطال الله أناته على ملوك إسرائيل بعد انشقاق المملكة رغم أن جميعهم كانوا أشرارًا، بل أن الله كان يحسن إليهم، وفي وقت الضيق والشدة كان يخلصهم، فخلص آخاب أشر ملوك إسرائيل من الأراميين الذين اجتمعوا كجمهور عظيم يريد أن يكتسح إسرائيل، أما الرب فقد خلصهم بمائتين اثنين وثلاثين من رؤساء المقاطعات (1مل 20: 1 - 21) وعندما عاد الأراميون وملأوا الأرض بينما حلَّ بنو إسرائيل مقابلهم نظير قطيعين صغيرين من المعزى خلصهم الله أيضًا (1مل 20: 26 - 30). وأرسل الله أنبيائه القديسين لمملكة إسرائيل، ولا سيما إيليا النبي الناري الذي خدم خدمة متفانية مجتهدًا أن يُرجِع الشعب لإلهه، وأكمل تلميذه أليشع النبي الطريق، ولكن للأسف الشديد دون جدوى، فمملكة إسرائيل كانت تسرع إلى حتفها، وبعد أن صبر الرب عليها أكثر من مائتي عام سلمها ليد ملوك آشور الذين سبوا هذا الشعب العنيد إلى أرض ما بين النهرين. ولم تكن مملكة يهوذا أسعد حالًا بل تمثلت بالسامرة في شرورها، وكان عدد ليس بقليل من ملوكها أشرار، حتى أنه في بعض الفترات الصعبة أغلقوا أبواب الهيكل، وأقاموا بجواره أصنامًا يتعبدون لها، وأقاموا بيوتًا للشواذ جنسيًا، والله في محبته أطال أناته عليهم أكثر من ثلاثمائة وثلاثين عامًا، ثم صدر الحكم الإلهي بتسليم مملكة يهوذا لملك بابل نبوخذنصر الذي سبى الشعب إلى بابل لمدة سبعين عامًا، وأبقى الرب بقية من شعبه حتى يأتي المسيا المنتظر منه ليخلص البشرية.
وأيضًا النبوءة التي جاءت عن سليمان: "هو يَكُونُ لي ابْنًا، وَأَنَا لَهُ أَبًا وَأُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مُلْكِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ" (1أي 22: 10) لها بُعد آخر إذ تنطبق على السيد المسيح ومملكته التي تثبت إلى الأبد، أما مملكة سليمان فكانت ظلًا ورمزًا لمملكة السيد المسيح له المجد، وأيضًا عبارة " إلى الأبد " في العبرية لها أكثر من معنى، فعندما تختص بإنسان فإن المقصود بها إلى نهاية حياة هذا الإنسان.
2- يتساءل الناقد: هل الرب لم يعلم بعلمه الأزلي أن عبده ورسوله سليمان سيتجه لعبادة الأوثان..؟. أليس هذا دليل على جهل الرب بالمستقبل وأن علمه ليس بأزلي؟
الحقيقة أننا نؤمن أن الله بسابق علمه يعرف المستقبل جيدًا، فكل شيء مكشوف أمامه المستقبل مثل الماضي والحاضر، ويعلم أن سليمان سيسقط في عبادة الأوثان، ويعلم أنه سيشق عنه مملكته، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولكن كان من الضروري أن الله يظهر إرادته الصالحة، ومن المستحيل أن الله يعاقب إنسانًا لأنه يعلم أنه سيرتكب خطأ ما، فالعقاب يتبع الفعل الخاطئ ولا يسبقه وإلاَّ كان الله ظالمًا، وحاشا لله أن يكون ظالمًا فيحاسب إنسانًا على خطية القتل وهو لم يقتل بعد... أظهر الله إرادته الصالحة فاختار سليمان ليكون ابنًا له، وكانت الإرادة والمشيئة الإلهيَّة أن مملكة سليمان تثبت للأبد، وفي نفس الوقت فأنه يحترم الحرية الشخصية للإنسان، فلن يقود سليمان إلى عبادته رغمًا عنه، وعبد سليمان الأوثان بحريته الشخصية، وكان لا بد من العقاب الإلهي. إذًا الله لا يجهل المستقبل بل هو عالم بكل شيء، وكل ما في الأمر أنه عندما أعطى الوعد لسليمان وهو يعلم أنه سيخطئ، فإن هذا شهادة قوية على صلاح الله ومحبته.
ومعرفة الله لا تحد حرية الإنسان، فالله لم يخلق الإنسان ليسخره، ولا ليسلب حريته ولا حتى ليعبده ويجبره على فعل الخير، ويمنعه من فعل الشر، فالله كامل في ذاته، متكامل في صفاته، وقد أعطى للإنسان من صورته وصفاته ومنحه الحرية: "وقَالَ الله: نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا..." (تك 1: 26) وترنم بذلك داود النبي قائلًا: "فَمَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَذكُرَهُ؟ وابنُ آدم حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟ وَتَنْقُصَهُ قَلِيلًا عَنِ المَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ. تُسَلِّطُهُ على أعمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ..." (مز 8: 4 - 6).
3- يتساءل الناقد: كيف يحمي الله سليمان ومملكته وهو يضلّل خلق الله ويفتري على الله بالكذب؟
ومن قال هذا..؟! أن الله لم يحمي سليمان ولم يحمي مملكته بعد أن انحرفت عن جادة الصواب. فقط أطال الله أناته عليه وعامله بحسب رحمته، وفي نفس الوقت لم يغفل عدله، فأصدر أمره بشق المملكة عنه، ولكنه أرجأ الحكم إلى عصر رحبعام، وسمح ببقاء سبطي يهوذا وبنيامين إكرامًا لخاطر داود النبي الذي أحب الله من كل قلبه وفكره وقدرته.
4- يتساءل الناقد: إن كان سليمان ابنًا لله فلماذا أخص يسوع بالبنوة له؟
وشتان بين بنوة السيد المسيح لله الآب، وبنوة سليمان، لأن بنوة السيد المسيح هي بنوة ذاتية، فالابن من ذات الجوهر الإلهي، مثل ولادة الشعاع من الشمس، وهى ولادة روحية، ليست جسدية ولا مادية ولا حسيَّة، وهى ولادة دائمة ليست ولادة زمنية لحظية، بل ولادة مستمرة منذ الأزل وإلى الأبد وفي كل لحظة، وفي ولادة الابن من الآب ليس بها سابق ومسبوق فلم يمر وقت كان فيه الآب بدون الابن، لأن الابن هو عقل الله الناطق، والآب لم يُدعى أبًا إلاَّ لأنه له ابن، مثل الينبوع الذي لا يُدعى ينبوعًا أن لم ينبع منه ماء... إلخ. أما بنوة سليمان لله هي بنوة بالتبني، فسليمان لم يكن من ذات الجوهر الإلهي، إنما الله تبناه ابنًا له، مثله مثل جميع المؤمنين اليوم، إذ نُصلِّي قائلين: "أبانا الذي في السموات"، وقال الإنجيل: "وأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ" (يو1: 12، 13). فنحن البشر بنوتنا لله هي نوع من التبني والتشريف مرتبطة بالزمن (1يو 3: 1) وليس من جوهره وإلاَّ صرنا آلهة، ولم تكن هذه البنوة موجودة قبل إيماننا ومعموديتنا، وعبارة "الابن" في الكتاب تكفي وحدها لتعني السيد المسيح (يو 5: 21، 8: 36).
_____
(1) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 1 س 203 ص 136.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1399.html
تقصير الرابط:
tak.la/tqz5k3h