يقول " الخوري بولس الفغالي":
"الأرقام هنا مُضخَمة، وقد أراد الكاتب أن يدل على سلطة الله التي
لا تقف بوجهها قوَّة"(1).
ويقول " محمد قاسم":
"يُلاحظ المُبالغة الشديدة في ذكر أرقام عدد القتلى الآراميين في
الحرب، والأكثر مبالغة هو عدد القتلى نتيجة سقوط سور المدينة
عليهم، وكأن جيش الأراميين كان يقف تحت السور ويتلقف الحجارة
الساقطة"(2).
يقول " دكتور محمد بيومي":
"ومن هذه المبالغات غير العادية كذلك ما يرويه سفر الملوك الأول من
أن هناك حربًا قد نشبت أوارها بين
إسرائيل
بقيادة أخآب وبين
الأراميين بقيادة " بنهدد " و{وَعِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ عَدَّ
بَنْهَدَدُ الأَرَامِيِّينَ وَصَعِدَ إِلَى أَفِيقَ لِيُحَارِبَ
إِسْرَائِيلَ. وَأُحْصِيَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ وَتَزَوَّدُوا
وَسَارُوا لِلِقَائِهِمْ. فَنَزَلَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ
مُقَابِلَهُمْ نَظِيرَ قَطِيعَيْنِ صَغِيرَيْنِ مِنَ الْمِعْزَى،
وَأَمَّا الأَرَامِيُّونَ فَمَلأُوا الأَرْضَ}
(1مل 20: 26، 27) ويصطف الفريقان بعضهما أمام البعض الآخر لمدة
ستة أيام، وهنا تفاجئنا التوراة بنتيجة المعركة بقولها: {وَفِي الْيَوْمِ السَّابعِ اشْتَبَكَتِ الْحَرْبُ، فَضَرَبَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَرَامِيِّينَ مِئَةَ أَلْفِ رَاجِل فِي
يَوْمٍ وَاحِدٍ}
ولستُ أدري كيف قبِل كاتب السفر أن يسجل في كتاب يزعم أنه وحي من
عند الله هذه النتيجة، فكيف استطاع الإسرائيليون أن يقتلوا مائة
ألف رجل في يوم واحد؟ وما هي وسيلتهم لذلك؟ أكانوا يملكون الأسلحة
الذرية وغيرها من أسلحة القرن العشرين بعد الميلاد؟ أنسى أنه وصف
لنا الإسرائيليين من قبل وكأنهم قطيعين صغيرين من المعزى وأنه وصف
الأراميين بأنهم قد ملأوا الأرض؟ على أية حال فليس هذا إلاَّ
مثالًا لما يحويه كتابهم المقدَّس"(3).
ج:
1- لقد حدثت جولتان من الحرب بين ملك آرام وحلفائه وبين جيش أخآب:
الجولة الأولى:
تحالف بنهدد ملك أرام مع أثنين وثلاثين ملكًا، فاجتمعت هذه الجيوش،
جمهور عظيم، فقال النبي لأخآب ملك
إسرائيل: "هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَلْ رَأَيْتَ كُلَّ هذَا الْجُمْهُورِ
الْعَظِيمِ؟ هأَنَذَا أَدْفَعُهُ لِيَدِكَ الْيَوْمَ، فَتَعْلَمُ
أَنِّي أَنَا الرَّبُّ" (1مل 20: 13) فليس هناك مبالغة
في الأعداد التي هددت مدينة السامرة، كما أن أخآب أصغى لقول النبي
الذي حدَّد أن الذي يبدأ الحرب بالموجة الأولى المكوَّنة من 232 من
غلمان رؤساء المقاطعات يتبعهم الجنود وعددهم سبعة آلاف (1مل 20: 15) فهؤلاء الغلمان " خَرَجُوا عِنْدَ الظُّهْرِ
وَبَنْهَدَدُ يَشْرَبُ وَيَسْكَرُ فِي الْخِيَامِ هُوَ
وَالْمُلُوكُ الاثْنَانِ وَالثَّلاَثُونَ الَّذِينَ سَاعَدُوهُ"
(1مل 20: 16). لقد ضرب الغرور جيش آرام العرمرم فوصل إلى حد
الاسترخاء، وكأنهم في نزهة وليسوا في حالة حرب، وعندما أبلغوا
بنهدد بخروج بضع مئات من السامرة لم يحرك ساكنًا، وأصدر أوامره
المرفَّهة بالإمساك بهؤلاء الرجال أحياء، لا يُقتل أحد منهم، مما
مكن هؤلاء الأبطال من إعمال سيوفهم الماضية قتلًا وتنكيلًا فأشاعوا
الفوضى في المعسكر كله، تبعهم السبعة آلاف من جنود أخآب، ولا بُد
أن المعونة الإلهيَّة أدركتهم وساندتهم، فسريعًا ما هرب الأراميون
وفروا من أمام وجوههم التي صارت كوجوه أسود هادرة، وهذا يذكرنا
بمواقف مشابهة، لقد هجم
إبراهيم
أب الآباء
بجرأة نادرة ولم يكن
معه سوى 318 من الغلمان على أربعة جيوش، وهذه الجيوش كانت انتصرت
على خمسة جيوش، فبدد
إبراهيم
شملهم وخلص الأسرى من يدهم، وهذا
أيضًا يذكرنا بحرب جدعون وكان معه 300 رجل في مواجهة 135 ألفًا من
جيش مديان، ومنحهم الله النصرة التي وعدهم بها... هكذا خرج أبطال
السامرة متذرعين بالوعد الإلهي بالنصرة، فعندما أخبر النبي أخآب
الملك أن الرب سيدفع ليده هذا الجمهور العظيم " قَالَ أخآب
بِمَنْ؟ فَقَالَ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ بِغِلْمَانِ رُؤَسَاءِ
الْمُقَاطَعَاتِ. فَقَالَ: مَنْ يَبْتَدِئُ بِالْحَرْبِ؟ فَقَالَ: أَنْتَ"
(1مل 20: 14) ولهذا اندفعوا كالأسود في عين الشمس، ولم يذكر
الكتاب الخسائر التي تكبدها الأراميون.
الجولة الثانية: نبه النبي أخآب الملك بأن الأراميين سيعاودن الهجوم على السامرة
في العام القادم، وفعلًا قال الأراميون لملكهم أن إله
إسرائيل هو
إله الجبال ولذلك هزمنا في الجولة الأولى " وَلكِنْ إِذَا
حَارَبْنَاهُمْ فِي السَّهْلِ فَإِنَّنَا نَقْوَى عَلَيْهِمْ"
(1مل 20: 23) وسمع الملك لهم وكوَّنوا جيشًا في تعداد
الجيش الأول، مع استبدال الملوك بقادة مهرة، وصعدوا إلى أفيق
لمحاربة
إسرائيل " فَنَزَلَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ
مُقَابِلَهُمْ نَظِيرَ قَطِيعَيْنِ صَغِيرَيْنِ مِنَ الْمِعْزَى،
وَأَمَّا الأَرَامِيُّونَ فَمَلأُوا الأَرْضَ"
(1مل 20: 27) وأرسل الرب يخبر أخآب بفم نبيه: "هكَذَا
قَالَ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ الأَرَامِيِّينَ قَالُوا:
إِنَّ الرَّبَّ إِلهُ جِبَال وَلَيْسَ إِلهَ أَوْدِيَةٍ، أَدْفَعُ
كُلَّ هذَا الْجُمْهُورِ الْعَظِيمِ لِيَدِكَ، فَتَعْلَمُونَ
أَنِّي أَنَا الرَّبُّ"
(1مل 20: 28)، كما
ذكرنا أيضًا هنا في
موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.
واشتعلت الحرب ولم يسجل الكتاب ملابسات هذه
الجولة ومن هو الذي بدأ بالحرب، واكتفى الكتاب بذكر النتيجة "
فَضَرَبَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَرَامِيِّينَ مِئَةَ
أَلْفِ رَاجِل فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَهَرَبَ الْبَاقُونَ إِلَى
أَفِيقَ، إِلَى الْمَدِينَةِ، وَسَقَطَ السُّورُ عَلَى
السَّبْعَةِ وَالْعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُل الْبَاقِينَ. وَهَرَبَ
بَنْهَدَدُ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ، مِنْ مِخْدَعٍ إِلَى
مِخْدَعٍ"
(1مل 20: 29، 30) فالذين هربوا وتحصنوا بالمدينة سقطت عليهم
أسوار المدينة ربما نتيجة هزة أرضية شديدة، ولم يقل الكتاب أن
جميع الذين سقط عليهم السور لقوا حتفهم حتى يقول " محمد قاسم": "كأن جيش الأراميين كان يقف تحت السور ويتلقف الحجارة
الساقطة".. لقد قُتل البعض وأصيب البعض وأفلت البعض، بدليل
أنه بقى الذين تشفعوا لدى أخآب عن حياة ملكهم... أما كيف قُتل
المائة ألف من جيش آرام..؟ فهذا لا بُد أنه عمل إلهي، لأن الله
أعطى وعدًا لأخآب أنه سيدفع إليه هذا الجيش ليدرك الجميع أن الرب
قادر على كل شيء، وهذا يُذكّرنا بالتدخل الإلهي في حرب يشوع مع
ملوك الجنوب الخمسة، وكيف أن الرب أزعجهم و" رَمَاهُمُ
الرَّبُّ بِحِجَارَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى عَزِيقَةَ
فَمَاتُوا. وَالَّذِينَ مَاتُوا بِحِجَارَةِ الْبَرَدِ هُمْ
أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ
بَنُو إِسْرَائِيلَ
بِالسَّيْفِ"
(يش 10: 11).. " لأَنَّ الرَّبَّ حَارَبَ عَنْ
إِسْرَائِيلَ" (يش 10: 14) وهذا يُذكّرنا أيضًا بحرب يشوع مع
ملوك الشمال: "فَخَرَجُوا هُمْ وَكُلُّ
جُيُوشِهِمْ مَعَهُمْ، شَعْبًا غَفِيرًا كَالرَّمْلِ الَّذِي
عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ، بِخَيْل وَمَرْكَبَاتٍ
كَثِيرَةٍ جِدًّا... فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ بِيَدِ
إِسْرَائِيلَ،
فَضَرَبُوهُمْ وَطَرَدُوهُمْ إِلَى صِيدُونَ الْعَظِيمَةِ... حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَارِدٌ"
(يش 11: 4، 8).
2- عندما يهب الله وعدًا بالنصرة لشعبه، فهو بلا شك قادر على تحقيق
هذه النصرة لأنه هو الإله القادر على كل شيء، وبدون أدنى شك فإن
النصرة ستتحقق بغض النظر عن ميزان القوى، لأن الحرب هي للرب، ولا
يمكن أن ننسى المواقف العديدة التي تحقَّقت فيها النصرة
لبني
إسرائيل
دون أن يشاركوا في الحرب، فعندما أحاط الشعب بأسوار أريحا
الحصينة في اليوم السابع وبعد أن أكملوا سبع دورات حول المدينة
وأُنهِكت قواهم " هَتَفَ الشَّعْبُ وَضَرَبُوا
بِالأَبْوَاقِ. وَكَانَ حِينَ سَمِعَ الشَّعْبُ صَوْتَ الْبُوقِ
أَنَّ الشَّعْبَ هَتَفَ هُتَافًا عَظِيمًا، فَسَقَطَ السُّورُ فِي
مَكَانِهِ"
(يش 6: 20) وعندما وقف
بنو إسرائيل عاجزين أمام الفلسطينيين،
وأصعد صموئيل حملًا رضيعًا محرقة " وَبَيْنَمَا كَانَ
صَمُوئِيلُ يُصْعِدُ الْمُحْرَقَةَ، تَقَدَّمَ
الْفِلِسْطِينِيُّونَ لِمُحَارَبَةِ
إِسْرَائِيلَ، فَأَرْعَدَ
الرَّبُّ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَلَى
الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَأَزْعَجَهُمْ، فَانْكَسَرُوا أَمَامَ
إِسْرَائِيلَ" (1صم 7: 10).
3- يقول " القمص تادرس يعقوب": "بدأت المعركة
وكانت المفاجأة أن قتل الإسرائيليون مائة ألف من الجند، وهرب
الباقي إلى مدينة أفيق المحصنة، لكن زلزالًا ربما حدث فسقطت أسوار
المدينة... وصارت أفيق مدينة بلا حصون. انطلق بنهدد إلى المدينة
يهرب من حجرة إلى حجرة. سقطت أفيق في يد الإسرائيليين، ولم يكن
لبنهدد أي مجال للهروب. أشار عليه عبيده أن يلبس معهم المسوح،
ويضعوا حبالًا حول أعناقهم كمن يسلمونها لأخآب إن أراد فليشنقهم
بها، أو يقودهم بها مربوطين كأسرى حرب. خضوع كامل للملك مع إظهار
توبة عما سبق"(4)
وعفا أخآب عن
بنهدد قائلًا "أَهُوَ حَيٌّ بَعْدُ؟ هُوَ أَخِي"
(1مل 20: 32) عفا عنه مقابل أن يُرجِع المدن التي أغتصبها
أبيه من
بني
إسرائيل، وأن يفتح أسواق دمشق أمام تجارة أخآب، ولم
يشأ أخآب أن يقضي على قوة أرام لأنها كانت حائط صد ضد الزحف
الأشوري، فاعتمد على تفكيره، وتجاهل أن الرب حرَّم هذا الجيش
بملكه ولذلك أرسل الله له رسالة مع رجل من بني الأنبياء " فَقَالَ لَهُ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لأَنَّكَ أَفْلَتَّ مِنْ
يَدِكَ رَجُلًا قَدْ حَرَّمْتُهُ، تَكُونُ نَفْسُكَ بَدَلَ
نَفْسِهِ، وَشَعْبُكَ بَدَلَ شَعْبِهِ"
(1مل 20: 42).
_____
(1)
التاريخ
الاشتراعي - تفسير أسفار يشوع والقضاة وصموئيل والملوك ص
467.
(2)
التناقض في
تواريخ وأحداث التوراة ص 470.
(3)
تاريخ الشرق
الأدنى القديم - تاريخ اليهود ص 283.
(4)
تفسير سفر ملوك
الأول ص 452، 453.
الحواشي والمراجع
لهذه الصفحة هنا في
موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1309.html
تقصير الرابط:
tak.la/3jdmfh2