St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1279- هل الله هو الذي ألهَمَ مشيري الملك مشورتهم الحمقاء (1مل 12: 15)؟ وكيف انشقت مملكة إسرائيل (1مل 12: 26) مع أن الله سبق ووعد داود عبده بثبات مملكة سليمان (2صم 7: 12)؟

 

          يقول " ليوتاكسل": "إذًا، لقد تدخل يهوه نفسه ليُلهِم مستشاري الملك الشباب مشورتهم الحمقاء، ويعمي رحبعام إلى درجة سمح فيها لنفسه بأن يتفوه أمام ممثلي الشعب بتلك الحماقات"(1).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- الله صالح وقدوس لا يدفع قط أي شخص للشر ومن المستحيل أن يلهم أحدًا للمشورة الحمقاء، ولكن الله كضابط الكل يستخدم صلاح الصالحين وأيضًا يستخدم شر الأشرار لتحقيق مقاصده الإلهيَّة، ولم يدفع الله أخوة يوسف لإلقائه في البئر أو لبيعه عبدًا للإسماعيليين، ولكن الله استخدم هذا الشر وحوَّله إلى خير، وصار يوسف الخارج من بئر الموت رمزًا للسيد المسيح القائم من الأموات، وصار يوسف العبد السجين الرجل الثاني في مصر لاستبقاء حياة وإنقاذ أبيه وأخوته من المجاعة، ولم يُلهِم الله الكتبة والفريسيين الذين ثاروا عليه ليصلبوه، ولم يدفع يهوذا لخيانته، بل على العكس، لقد حذره المعلم الصالح مرة ومرات، ولم يكن الله يريد هلاك يهوذا لأنه لا يريد أن يُهلك أحد (يو 3: 16)، ومع هذا فإن الله استغل شرور هؤلاء وخيانة هذا في إتمام قضية الفداء.

 

2- لم يُلهم الله مشيري الملك مشورتهم الحمقاء، إنما الله بسابق علمه عرف هذه المشورة، وما سيترتب عليها، ولهذا جعل أخيا الشيلوني يخبر يربعام بانشقاق المملكة وأنه سيملك على عشرة أسباط، فجاء كلام النبي عندئذ كنبوءة وضعها الله في فم هذا النبي، وليس معنى النبوءة أن الله يجبر الناس على تصرفات معينة تؤدي إلى إتمام هذه النبوءة، ولكن لأن الله بسابق علمه رأى ما سيحدث، وأنه سيسمح بتمزُّق المملكة، لذلك وضع النبوءة في فم النبي، ونحن لا نؤمن بنظرية " القدريَّة " فكلما حدثت مأساة نقول أن هذا هو المُقدَّر والمكتوب والنصيب، وأن الله هو كتب لنا هذا، والمكتوب على الحاجب تراه العين، وبهذا نُحمّل الله مسئولية تصرفاتنا الخاطئة. لكننا نفرق بين علم الله السابق وبين التصرفات الخاطئة التي يتحمل مسئوليتها الإنسان الحر الإرادة، والمدرس الذي يخبر التلميذ البليد أنه لن ينجح لا يتحمل مسئولية رسوب هذا التلميذ البليد، والطبيب الذي يخبر المريض بدنو أجله ليس هو المسئول عن موته.

 

3- كان رحبعام حرًا في اختيار أي المشورتين، فالذي يتحمل مسئولية اختيار هذه المشورة الرديئة هو رحبعام وليس الله. فالإنسان وإن كان مصيّرًا في أمور معينة فهو ليس صاحب القرار في ولادته، ولا مسقط رأسه، ولا الأسرة التي سيولد فيها، ولا في شكله وطوله ولون بشرته ولا يوم وفاته، إلاَّ أنه مخيَّر تمامًا في سلوكه، ولهذا أعطى الله الإنسان الوصايا، فلو كان الإنسان مصيّرًا في سلوكه فما فائدة الوصية إذًا؟! ولكن لأن الإنسان مخيّر لذلك له الحرية في طاعة الوصايا الإلهيَّة أو رفضها، وبناءً على تصرفاته ستكون دينونته، وإن كان العدل الأرضي لا يحكم على الإنسان إلاَّ إذا كان عاقلًا حرًا مريدًا مسئولًا عن تصرفاته، ولا يحكم على إنسان قد فقد عقله فما بالك بالعدل الإلهي..؟! كان رحبعام عاقلًا حرًا مريدًا ولذلك يتحمل نتيجة اختياره المشورة الرديئة التي أدت إلى انقسام المملكة، ولم يوحي الله ولم يُلهِم مشيري الملك بمشورتهم الحمقاء، ولم يُلهِم رحبعام لقبول هذه المشورة الحمقاء.

 

4- وعود الله دائمًا  وعود مشروطة، فقد أعطى الله وعودة للآباء ولشعبه بامتلاك الأرض والاحتفاظ بها ما داموا يطيعون وصاياه ولا يسلكون كشعوب الأرض التي مزجت عبادتها بالنجاسة والدنس، وقدمت أطفالها ذبائح بشرية، وتوغلت في السحر والعرافة ومخاطبة الأرواح، وسبق الله وأنذر شعبه " هَا أَنَا مُرْسِلٌ مَلاَكًا أَمَامَ وَجْهِكَ لِيَحْفَظَكَ فِي الطَّرِيقِ، وَلِيَجِيءَ بِكَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَعْدَدْتُهُ... إِنْ سَمِعْتَ لِصَوْتِهِ وَفَعَلْتَ كُلَّ مَا أَتَكَلَّمُ بِهِ، أُعَادِي أَعْدَاءَكَ، وَأُضَايِقُ مُضَايِقِيكَ" (خر 23: 20 - 22).. " وَإِنْ نَسِيتَ الرَّبَّ إِلهَكَ، وَذَهَبْتَ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى وَعَبَدْتَهَا وَسَجَدْتَ لَهَا، أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ أَنَّكُمْ تَبِيدُونَ لاَ مَحَالَةَ. كَالشُّعُوبِ الَّذِينَ يُبِيدُهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِكُمْ كَذلِكَ تَبِيدُونَ، لأَجْلِ أَنَّكُمْ لَمْ تَسْمَعُوا لِقَوْلِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ" (تث 8: 19، 20) (راجع أيضًا تث 4: 25، 26، 30: 17، 18). وما جاء في (تث 11: 8 - 17). كذلك الإصحاح الثامن والعشرون من سفر التثنية يحدثنا عن البركات التي تتبع طاعة الوصايا الإلهيَّة، واللعنات التي تحل بالمخالفين.

 

5- فقد أعطى الله داود عهدًا بأن مملكته تثبت إلى الأبد: "أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي، وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى الأَبَدِ" (2صم 7: 12، 13)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وتمَّم الله وعده إذ أقام سليمان ملكًا عوضًا عن أبيه داود، وبنى سليمان هيكل الرب، وقد وهبه الرب حكمة ومجد وغنى وعظمة، وفي صلاة سليمان خاطب الله قائلًا: "قَدْ حَفِظْتَ لِعَبْدِكَ دَاوُدَ أَبِي مَا كَلَّمْتَهُ بِهِ... وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ احْفَظْ لِعَبْدِكَ دَاوُدَ أَبِي مَا كَلَّمْتَهُ بِهِ قَائِلًا: لاَ يُعْدَمُ لَكَ أَمَامِي رَجُلٌ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ، إِنْ كَانَ بَنُوكَ إِنَّماَ يَحْفَظُونَ طُرُقَهُمْ حَتَّى يَسِيرُوا أَمَامِي كَمَا سِرْتَ أَنْتَ أَمَامِي" (1مل 8: 24، 25) وتجاوب الله مع صلاة سليمان وتراءى له، وقال له: "وَأَنْتَ إِنْ سَلَكْتَ أَمَامِي كَمَا سَلَكَ دَاوُدُ أَبُوكَ بِسَلاَمَةِ قَلْبٍ وَاسْتِقَامَةٍ، وَعَمِلْتَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَيْتُكَ وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي، فَإِنِّي أُقِيمُ كُرْسِيَّ مُلْكِكَ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ كَمَا كَلَّمْتُ دَاوُدَ أَبَاكَ قَائِلًا: لاَ يُعْدَمُ لَكَ رَجُلٌ عَنْ كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ. إِنْ كُنْتُمْ تَنْقَلِبُونَ أَنْتُمْ أَوْ أَبْنَاؤُكُمْ مِنْ وَرَائِي، وَلاَ تَحْفَظُونَ وَصَايَايَ، وفَرَائِضِيَ... فَإِنِّي أَقْطَعُ إِسْرَائِيلَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا" (1مل 9: 4 - 7) ومع هذا فإن سليمان لم يحافظ على عهده مع الله، ولذلك شق الله عنه المملكة " فَقَالَ الرَّبُّ لِسُلَيْمَانَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذلِكَ عِنْدَكَ، وَلَمْ تَحْفَظْ عَهْدِي وَفَرَائِضِيَ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ بِهَا، فَإِنِّي أُمَزِّقُ الْمَمْلَكَةَ عَنْكَ تَمْزِيقًا وَأُعْطِيهَا لِعَبْدِكَ" (1مل 11: 11). والوعد الذي أعطاه الله لداود ولم يحفظه سليمان أعطاه الله ليربعام قائلًا له: "وَآخُذُ الْمَمْلَكَةَ مِنْ يَدِ ابْنِهِ وَأُعْطِيكَ إِيَّاهَا، أَيِ الأَسْبَاطَ الْعَشَرَةَ... وَآخُذُكَ فَتَمْلِكُ حَسَبَ كُلِّ مَا تَشْتَهِي نَفْسُكَ، وَتَكُونُ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ. فَإِذَا سَمِعْتَ لِكُلِّ مَا أُوصِيكَ بِهِ، وَسَلَكْتَ فِي طُرُقِي، وَفَعَلْتَ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيَّ، وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَوَصَايَايَ كَمَا فَعَلَ دَاوُدُ عَبْدِي، أَكُونُ مَعَكَ وَأَبْنِي لَكَ بَيْتًا آمِنًا كَمَا بَنَيْتُ لِدَاوُدَ، وَأُعْطِيكَ إِسْرَائِيلَ" (1مل 11: 35 - 38) يا لهُ من وعد إلهي صادق وأمين... تصوَّر يا صديقي لو سار يربعام في مخافة الرب وطاعته هو ونسله... تُرى كم كان سيتغير تاريخ إسرائيل..؟! كانت ستنجو من الحروب والكوارث والدماء، وتثبت كمملكة سلام لن يقهرها أحد، ولن يسبيها أحد. كانت ستظل قائمة حتى مجيء المسيا بعيدة عن الضياع والتشتت!!

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 400.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1279.html

تقصير الرابط:
tak.la/97hwqhr