St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1240- كيف يأمر سليمان الملك بقتل "يوآب" وهو متمسك بقرون المذبح (1مل 2: 28-31) وبهذا يُدنّس بيت الرب؟

 

          يقول "ليوتاكسل": "وقد قال فولتير في هذا الصدد، أنه لا حاجة لإضافة أي جريمة إلى هذه الجريمة: لقد بدأ سليمان عهده بالتجديف، فدنَّس بيت الرب، ولكن الأمر الذي يجب أن يكون غريبًا هو أن يهوه الذي قتل 50070 نفسًا لأنهم ألقوا نظرة إلى داخل التابوت، لم يحرك ساكنًا عندما جعل جلادو سليمان من صندوقه متكأ ذبحوا عليه القائد العسكري الذي أعطى داود التاج"(1).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- عندما فشلت محاولة أدونيا في الوصول إلى كرسي الحكم " خَافَ أَدُونِيَّا مِنْ قِبَلِ سُلَيْمَانَ، وَقَامَ وَانْطَلَقَ وَتَمَسَّكَ بِقُرُونِ الْمَذْبَحِ" (1مل 1: 50) وطلب أن يحلف له سليمان حتى لا يقتله، فأخبروا سليمان بهذا " فَقَالَ سُلَيْمَانُ: «إِنْ كَانَ ذَا فَضِيلَةٍ لاَ يَسْقُطُ مِنْ شَعْرِهِ إِلَى الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ وُجِدَ بِهِ شَرٌّ فَإِنَّهُ يَمُوتُ»" (1مل 1: 52) فأرسل سليمان فأنزلوه عن المذبح فأتى وسجد لسليمان الذي عفا عنه وقال له " اذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ" (1مل 1: 53) ونفس الموقف تكرر مع يوآب " فَهَرَبَ يُوآبُ إِلَى خَيْمَةِ الرَّبِّ وَتَمَسَّكَ بِقُرُونِ الْمَذْبَحِ" (1مل 2: 28) ولكن إذ كان شر يوآب واضحًا ويتقدمه إلى القضاء، لأنه قاتل بدون وجه حق، وقاتل بغدر وخسة، وقاتل في وقت صلح وسلام، فكان لا بُد أن يجوز عليه سيف العدل الإلهي " فَأَرْسَلَ سُلَيْمَانُ بَنَايَاهُوَ بْنَ يَهُويَادَاعَ قَائِلًا: «اذْهَبِ ابْطِشْ بِهِ»" (1مل 2: 29) وذهب إليه بناياهو وأمره باسم الملك أن يخرج من خيمة الاجتماع ولكن يوآب رفض وقال هنا أموت، وعندما أخبر يهوياداع سليمان بالأمر " فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «افْعَلْ كَمَا تَكَلَّمَ، وَابْطِشْ بِهِ وَادْفِنْهُ، وَأَزِلْ عَنِّي وَعَنْ بَيْتِ أَبِي الدَّمَ الزَّكِيَّ الَّذِي سَفَكَهُ يُوآبُ، فَيَرُدُّ الرَّبُّ دَمَهُ عَلَى رَأْسِهِ، لأَنَّهُ بَطَشَ بِرَجُلَيْنِ بَرِيئَيْنِ وَخَيْرٍ مِنْهُ وَقَتَلَهُمَا بِالسَّيْفِ، وَأَبِي دَاوُدُ لاَ يَعْلَمُ، فَيَرْتَدُّ دَمُهُمَا عَلَى رَأْسِ يُوآبَ وَرَأْسِ نَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ، وَيَكُونُ لِدَاوُدَ وَنَسْلِهِ وَبَيْتِهِ وَكُرْسِيِّهِ سَلاَمٌ إِلَى الأَبَدِ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ»" (1مل 2: 31-33) فما فعله سليمان هو مطابق لأوامر الشريعة تمامًا بأن " الْقَاتِلَ يُقْتَلُ" (عد 35: 16) أما التشبث بقرون المذبح فلن يفيد إلاَّ إنسانًا بريئًا، ولا يصح أن قرون المذبح القائم على الرحمة والعدل أن تحمي إنسانًا مستوجب الموت، لأن الله لا يرعى الإرهاب.

 

St-Takla.org Image: The Altar of the Burnt Offerings (image 2) - from The Nuremberg Chronicle, book by Hartmann Schedel, 1493. صورة في موقع الأنبا تكلا: مذبح المحرقة (صورة 2) - من كتاب تاريخ نورنبيرج، بقلم هارتمان شيدل، 1493 م.

St-Takla.org Image: The Altar of the Burnt Offerings (image 2) - from The Nuremberg Chronicle, book by Hartmann Schedel, 1493.

صورة في موقع الأنبا تكلا: مذبح المحرقة (صورة 2) - من كتاب تاريخ نورنبيرج، بقلم هارتمان شيدل، 1493 م.

2- قرون المذبح التي تمسَّك بها يوآب خاصة بمذبح المحرقة القائم بالفناء الخارجي لخيمة الاجتماع والذي تُقدم عليه الذبائح ليل نهار، ومن البديهي أن مذبح المحرقة غير مذبح البخور غير تابوت العهد، فمذبح البخور الذي يُرفع عليه البخور يوجد في القدس الذي لا يدخله إلاَّ الكهنة، أما تابوت العهد فهو في قدس الأقداس الذي لا يقربه إنسان سوى رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة في عيد الكفارة العظيم. إذًا المقصود بقرون المذبح هنا هو مذبح المحرقة حيث كانت تقدم الذبائح والدماء تسيل على جدرانه، وقد اعتبر سليمان بحكمته أن سفك دم الأثيم وإقامة العدل هو بمثابة إصعاد محرقة للرب.

 

3- ما فعله سليمان لا يعتبر تعدي على الشريعة ولا تجديف على الله ولا تدنيس لبيت الرب كقول فولتير، لأن القاتل عن عمد لا بُد أن يُقتل، فهذه هي قوانين الشريعة، حتى لو احتمى بقرون المذبح، ولذلك جاءت الوصية واضحة وصريحة وحاسمة " وَإِذَا بَغَى إِنْسَانٌ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَقْتُلَهُ بِغَدْرٍ فَمِنْ عِنْدِ مَذْبَحِي تَأْخُذُهُ لِلْمَوْتِ" (خر 21: 14) وجاء في " التفسير التطبيقي": "ظن كل من أدونيا وقائد جيشه يوآب أنهما سيكونان في أمان بتمسكهما بقرون (أو قوائم) مذبح المحرقة المقدَّس الموضوع في فناء خيمة الاجتماع. لقد أراد أن يضعا نفسيهما تحت حماية الله. فأجل سليمان تنفيذ الحكم في أدونيا، أما يوآب فقد أمر سليمان بعد ذلك، بقتله عند المذبح (1مل 2: 28 - 34) وكان ذلك تنفيذًا للعدالة في قاتل غدَّار مثل يوآب (خر 21: 14)"(2).

 

4- أمر الرب من قبل بتخصيص ستة مدن للملجأ يهرب إلى إحداها القاتل الذي قتل عن طريق الخطأ والسهو، وليس القاتل مع سبق الإصرار والترصد، فالقاتل الذي لم يكن في قلبه غل وحقد تجاه المقتول يستطيع أن يحتمي بإحدى مدن الملجأ متى بلغها قبل أن يلحق به ولي الدم، ومتى دخل إليها يكون في حمى فلا يستطيع أن يقتله أحد، وقد اكتفى العدل الإلهي في مثل هذه الحالة بنفي هذا الإنسان من بيته وأرضه وعشيرته وتحديد إقامته في مدينة الملجأ، يلبث فيها حتى موته أو حتى موت رئيس الكهنة أيهما أسبق، فإن مات رئيس الكهنة يُطلق سراحه ويعود إلى بيته، وقد وفي العقوبة التي عليه ولا يقتله أحد. أما القاتل عن عمد فسواء لجأ إلى مدينة الملجأ أو احتمى بقرون المذبح، فلا هذا ولا ذاك يبسط عليه الحماية الإلهيَّة، بل عليه أن يخضع للعدل الإلهي " سَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ بِالإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ" (تك 9: 6).

 

5- يقول " القمص تادرس يعقوب " عن يوآب: "ربما أراد أن يضع سليمان في موقف حرج، فأنه إذ يصر على قتله يحسبه البعض أنه قد دنس الهيكل بالدم... لقد نزع سليمان عن أبيه وبيته سفك الدم البريء، حتى ينزع عن الأرض الدنس كما قيل: "لاَ تُدَنِّسُوا الأَرْضَ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا، لأَنَّ الدَّمَ يُدَنِّسُ الأَرْضَ. وَعَنِ الأَرْضِ لاَ يُكَفَّرُ لأَجْلِ الدَّمِ الَّذِي سُفِكَ فِيهَا، إِلاَّ بِدَمِ سَافِكِهِ" (عد 35: 33).. لم يرد بناياهو أن يتحمل مسئولية قتل إنسان في موضع مقدَّس، فلجأ إلى الملك الذي أشار بتطبيق الشريعة: "لاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ. فَتَنْزِعَ دَمَ الْبَرِيءِ مِنْ إِسْرَائِيلَ، فَيَكُونَ لَكَ خَيْرٌ" (تث 19: 13).. لقد أمر سليمان بقتل يوآب ودفنه، فلا يترك جثمانه في عارٍ وخزي، لأنه حارب مع والده. دُفِن يوآب في بيته شرق بيت لحم في برية اليهودية، وكان دفن الإنسان في أرضه أو بيته يحمل نوعًا من التكريم كما حدث مع صموئيل النبي (1صم 25: 1) وغيره. هكذا لم ينتقم سليمان لنفسه بل أمر بالقتل طاعة للوصية ولأبيه، وتحقق بذلك القول: "أَزِلِ الشِّرِّيرَ مِنْ قُدَّامِ الْمَلِكِ، فَيُثَبَّتَ كُرْسِيُّهُ بِالْعَدْلِ" (أم 25: 5)"(3).

 

6- لقد عاقب الله أهل بيت شمس وقتل منهم 50070 وذلك لأنهم استهانوا بتابوت العهد، ولم يقدموا له الإكرام الواجب ولم يسجدوا أمامه، إنما حطموا الوصية الإلهيَّة بعدم لمس التابوت لأنه يُعبّر عن الحضرة الإلهيَّة التي لا يجرؤ إنسان على المثول أمامها إلاَّ المدعو لهذا فقط كما كان هرون رئيس الكهنة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولا أعرف لماذا يطالب فولتير الله بالانتقام من سليمان مدعيًا أن جلادي سليمان قد ذبحوا يوآب وهو متكئ على ذاك التابوت الذي سبق وغار عليه الرب، وكما رأينا أن يوآب لم يتكئ ولم يقترب من تابوت العهد إنما كان متمسك بقرون مذبح المحرقة الكائن في الفناء الخارجي للخيمة، فلماذا يخلط الأوراق هكذا؟!!. ومن جانب آخر إن ما فعله سليمان لم يكن مخالفًا للشريعة... وهل ما قدمه يوآب من أمانة لملكه داود يعفيه من المجازاة العادلة..؟! وهل ما قدمه من خدمات جليلة يعفيه من تحمل نتائج جرائمه..؟!! إن ما فعله يوآب من خير وأمانة هو واجب عليه بحكم وظيفته وليس تفضلًا منه، ولم يقدم يوآب التاج لداود، ولكن الرب هو الذي اختار داود من مربض الغنم وأجلسه رئيسًا وملكًا على شعبه، وقد اجتهد داود طوال حياته ولم يتقاعس عن القيام بواجباته بكل جدية وإخلاص، وفي كل مرة كان يخرج للحرب يتقدم الصفوف كان يُقدم نفسه فداءً عن شعبه، تمامًا كما تصدى لجليات وهو في حداثته.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 372.

(2) التفسير التطبيقي ص 706.

(3) تفسير سفر الملوك الأول ص 84، 85.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1240.html

تقصير الرابط:
tak.la/h6t82yp