يقول " محمد قاسم " أنه جاء في قاموس " Oxford Bible Atlas": "أن تعيين التواريخ الدقيقة للأحداث وترتيبها زمنيًا لملوك إسرائيل ويهوذا يمثل مشاكل كثيرة شائكة وغالبًا غير قابلة للحل بالرغم من المساعدات التي قدمتها المعلومات الحديثة من المدونات الأثرية في مصر وما بين النهرين بصفة خاصة(1)..
وهناك ملاحظة هي أن أعمال ملوك يهوذا عند تولي الحكم كانت تُدوَّن، بينما لم يُذكَر ذلك إطلاقًا عن أحد ملوك إسرائيل عند تولي الحكم. كما أن الهجوم كان مستمرًا على جميع ملوك إسرائيل بلا استثناء واتهامهم بأنهم ابتعدوا عن الرب، حتى أولئك الذين قاموا بإصلاحات دينية. ورغم أن ما جاء بهذه الملاحظة لا يؤثر على الهدف الأساسي وهو تحديد الفترة الزمنية، إلاَّ أنه يؤكد الانطباع بأن مُدوّني هذه الفترة كانوا أكثر دراية بأحوال مملكة يهوذا وتفاصيلها أكثر من درايتهم بمملكة إسرائيل. لذلك، ورغم وجود أخطاء في تدوين مدة الحكم والتوافق الزمني بين المملكتين، فقد رأينا أن تكون مدة حكم ملوك يهوذا هي المعيار لتصحيح الخطأ في مدة الحكم والتوافق الزمني بين ملوك يهوذا وإسرائيل"(2).
ويقول " الخوري بولس الفغالي": "أولًا: يبدو نظام تسلسُل الملوك مبنيًّا بناءً مُحكمًا، ولكن إذا نظرنا إليه بالتفصيل وجدناه غير متماسك. فبين تولي رحبعام السلطة وموت أخآب نجد 84 سنة من المُلك في يهوذا، أما مُلك إسرائيل فهو 78 سنة، ونظام التزامن يعطينا 75 سنة. ونقرأ أيضًا في (2مل 15: 3) أن هوشع قتل فقح في السنة العشرين لمُلك يوثام، ولكن النص يقول فيما بعد أن يوثام ملك 16 سنة (2مل 15: 33) وتتعقد المشكلة إذا قابلنا تسلسُل كتاب الملوك، بما نقرأه في المراجع الأشورية. الوقت في كتاب الملوك أطول منه في المراجع الأشورية. مثلًا: بين تولي آحاز الحكم وموت يوشيا مرت 133 سنة، أما المراجع الأشورية فتعد 126 سنة، وتُعلن حوليات شلمنصر الثالث مرور 12 سنة بين موت أخآب وتولي ياهو للحكم، بينما يذكر كتاب الملوك 14 سنة. أن تسلسل الملوك الأشوريين والبابليين ثابت، ونستطيع أن نرجع إليه دون خوف الوقوع في الخطأ"(3).
ج: 1- نعم هناك خلافات ولكن لها تبريراتها المقنعة، فمثلًا الفترة من بداية انشقاق المملكة سنة 933 ق.م. وحتى عصر أخآب سنة 853 ق.م. هي 80 سنة، بينما إجمالي المُدد التي مَلَكَ فيها ملوك يهوذا خلال هذه الفترة هي 84 سنة، بزيادة نحو أربع سنوات، وإجمالي المُدد التي مَلَكَ فيها ملوك إسرائيل خلال هذه الفترة هي 78 سنة، بنقص نحو سنتين، وإذا حُسِبت من سفر أخبار الأيام نجدها 75 سنة، أي بنقص خمس سنوات، وهذه الفروق الطفيفة ترجع إلى:
أ - كان الجزء من العام يحتسب عامًا كاملًا، حتى لو كان مجرد شهر من السنة، فمنذ انشقاق المملكة وحتى سبي مملكة يهوذا استخدمت المملكة الشمالية والمملكة الجنوبية طريقة الحساب الذي كان شائعًا في مصر، وهو احتساب السنة التي تولى فيها الملك الحكم على أنها سنة كاملة، وهكذا السنة التي مات فيها، كما استخدم بنو إسرائيل وفق تقويمهم حتى سقوط أورشليم سنة 586 ق.م. السنة الشمسية والتي تبدأ بشهر تشرين (أكتوبر) وعند سنة 586 ق.م. استخدم بنو إسرائيل التقويم البابلي بسبب سبيهم إلى بابل، وتبدأ السنة البابلية بشهر نيسان (أبريل) وكان الآشوريون والبابليون يحتسبون التاريخ من السنة التي يعتلي فيها الملك العرش.
ب- كان الابن غالبًا يشارك أبيه في إدارة شئون المملكة وممارسة فنون الحرب، وبعد موت الملك يتولى هذا الابن المسئولية بصفة رسمية، وبذلك يصبح للملك الجديد تاريخان لبداية حكمه، التاريخ الأول هو الذي بدأ يشارك فيه أبيه إدارة شئون المملكة، والتاريخ الثاني هو الذي نُصّب فيه ملكًا بعد موت أبيه، وفي ضوء هذا نستطيع أن نفهم أن يوثام شارك أبيه عُزّيا (الذي ضُرب بالبرص) الحكم في السنوات الأخيرة من حكمه الذي استمر 52 سنة (2مل 15: 2) فصار ليوثام تاريخ تولي الحكم الشرفي مع أبيه، ولذلك قال الكتاب في السنة العشرين لمُلكه ملك هوشع بن أيلة ملك إسرائيل، وله تاريخ رسمي لتولي الحكم بعد موت أبيه إذ تسلَّم المسئولية كاملة لمدة ستة عشر عامًا بمفرده.
جـ- لأن الأرقام في اللغة العبرية كان يُعبّر عنها بالحروف العبرية، وبعض هذه الحروف متقاربة جدًا جدًا مع بعضها البعض مثل بعض الحروف في اللغة العربية (د، ذ - ر، ز - ص، ض - ط، ظ - ع، غ - ف، ق) ففي أحيان نادرة جدًا جدًا كان الأمر يلتبس على بعض النُسَّاخ فيذكرون رقمًا مخالفًا لما هو وارد في النص الأصلي، وينتشر هذا، وبسبب الأمانة الكاملة لليهود والمسيحيين لم يجرؤ أحد على تصحيح الوضع ولاسيما أن الكتاب حذر من هذا عندما قال الله: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ" (رؤ 22: 18، 19).
ويرى " متى هنري " أن هذه الأمور تشبه الأخطاء الإملائية في الكتب المطبوعة فيقول: "لا نجد كتابًا مطبوعًا بدون قائمة تصحيح الأخطاء، ولا تُنسب الأخطاء للمؤلف، ولا تبخس الكتاب قيمته، والقارئ العادي يدرك القراءة الصحيحة تلقائيا أو يدركها بمقارنة الخطأ بصواب آخر في نفس الكتاب".
ويقول " هـ. ل. اليسون": "في القرن الثاني بعد الميلاد كان الربيون على علم تام بالتباين الظاهري فقط في بعض الأرقام التي وردت في هذا التاريخ. وتعليل ذلك واضح وقوي، كحسابهم جزء السنة بسنة كاملة مثلًا! ووجود " نواب للملك " وهو النظام الذي كان معمولا ً به في تلك الأيام، إذ كان يُصرّح للابن أن يشارك أباه المُلك في أواخر حياته. يضاف إلى ذلك -في أحوال قليلة- الخطأ في نقل الأرقام، ويضاف إلى ذلك أن الإشارات العرضية التي وردت عن مملكتي إسرائيل ويهوذا في النقوش والمخطوطات الأشورية مرتبطة بظروف وحوادث معينة تجعل حدوثها ممكنا في بحر سنة"(4).
2- اهتم كتبة سفري الملوك بكل من مملكتي إسرائيل ويهوذا، بدون أي تحيُّز، فلم يهتم هؤلاء الكتبة بتاريخ ملوك يهوذا على حساب تاريخ ملوك إسرائيل، بدليل أنهم ذكروا التسلسل التاريخي لملوك إسرائيل جميعًا، فلم يسقط منهم ملك واحد.
3- هل يمكن مقابلة تاريخ ملوك بني إسرائيل ويهوذا بالتاريخ المدني؟
التاريخ المدني قبل الميلاد ارتبط بتاريخ الملوك، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فكان التاريخ يبدأ باعتلاء الملك عرش المملكة، وينتهي بموته، لكيما يبدأ ثانية مع الملك الثاني وينتهي بموته أيضًا... وهلم جرا... ولذلك يصعب ربط تواريخ الملوك في الكتاب المقدَّس بتواريخ مصر وآشور وبابل، كما أنه لم يكن هناك تقويم واحد مُتَّبع على سطح الكرة الأرضية، بل كان هناك عدة تقويمات بعضها يرتبط بالشمس والآخر يرتبط بالقمر... ولذلك عندما قال الناقد أن الفترة من تولي آحاز الحكم وموت يوشيا بحسب الكتاب المقدَّس هي 133 سنة وبحسب المصادر الآشورية 126 سنة، نقول له أن الفارق بين التاريخين ليس شاسعًا، بل هو فارق بسيط يمثل سبع سنوات أي بنسبة 5,5% فإذا أخذنا في الاعتبار أن التقويم العبري يحتسب الجزء من العام -حتى لو كان شهرًا- عامًا كاملًا لاختفى هذا الفارق تمامًا.
_____
(1) Oxford Bible Atlas - New York 3 rded. 1989. P16.
(2) التناقض في تواريخ وأحداث التوراة ص 491.
(3) التاريخ الاشتراعي - تفسير أسفار يشوع والقضاة وصموئيل والملوك ص 377.
(4) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ 2 ص 168، 169.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1231.html
تقصير الرابط:
tak.la/4pt6pzy