يقول " جوناثان كيرتش": "افترض بعض الأدباء أن " داود " لقبًا أو اسم العرش أكثر من كونه اسم شخص، مما قد يساعد على تفسير سبب قول صموئيل لنا أولًا أن شخصًا ما اسمه داود قتل جليات (1صم 17: 4) وفيما بعد نُسب إلى رجل اسمه " الحانان " نفس الفعل (2صم 21: 19) فهل كان داود والحانان شخص واحد وهو الشخص نفسه؟ وإذا لم يكونا نفس الشخص، فقد تعثرنا بغموض توراتي آخر بصدد فعل شيء ما حقيقي بآخر"(1).
ويقول " زينون كوسيدوفسكي": "فحسب سفر صموئيل الأول قُتل جليات خلال مبارزته مع داود، أي أن داود هو قاتله، لكننا نفاجأ عند قراءتنا لسفر صموئيل الثاني، لأننا نعرف من هناك أن لا علاقة لداود مطلقًا بقتل جليات، بل الذي قتله هو شخص من بيت لحم اسمه الحانان بن يعري أرجيم (2 صم 21: 19) حاول التوراتيون مرارًا تفسير هذه المتناقضات، وتقريب بعضها مع بعض، فاكتشف العلماء بشكل مفاجئ شيئًا جعلهم يمسكون بأيديهم خيوط الحل... فداود كما في نصوص ماري (داودن) ليس اسمًا خاصًا بأحد بل لقب يعني الزعيم أو الوصي، لما أكتشف العلماء ذلك استنتجوا أن داود والحانان شخص واحد لا شخصين، وهكذا إذا ما افترضنا أن قاتل جليات هو الراعي البيتلحمي الحانان، الذي سماه شعب إسرائيل بعدئذ داود فإن التناقض يزول، كما لو أنه مُسح بعصا سحرية"(2).
ج: 1- ليس " داود " لقبًا، ولا اسم للعرش، لأنه لم يُذكر أي ملك آخر من ملوك إسرائيل أو يهوذا باسم داود، فأن " داود " اسمًا لشخص بعينه هو داود بن يسَّى البيتلحمي النبي والملك ومرنم إسرائيل الحلو، وهو الذي قتل جليات كما هو واضح تمامًا من سفر صموئيل الأول " فخرج رجل مبارز من جيوش الفلسطينيين اسمه جليات من جت طوله ست أذرع وشبر... ومدَّ داود يدهُ إلى الكِنْف وأخذ منه حجرًا ورماه بالمقلاع وضرب الفلسطيني في جبهته فارتزَّ الحجر في جبهته وسقط على وجهه إلى الأرض. فتمكن داود من الفلسطيني بالمقلاع وضرب الفلسطيني وقتله" (1صم 17: 4 - 50) وواضح كيف كان يتحدى جليات شعب الله ويعيّرهم أربعين يومًا، فخاف الشعب وأرتعب منه، وكيف كانت المواجهة بين داود وجليات، والحديث الذي سبق المواجهة، وكيف ضربه داود بالمقلاع فسقط على وجهه، فاستل سيفه وفصل رأسه عن جسده، وحمل رأسه، وكيف فرح شاول والشعب بهذه النصرة، وذكر الكتاب هذا الحديث بكل تفصيلاته، بينما خبر قتل الحانان للحمى أخي جليات جاء كخبر عابر، ولذلك من المؤكد أن هذا الحدث غير ذاك الحدث.
2- قال يوناثان لأبيه شاول الذي كان يحاول قتل داود: "فأنه وضع نفسه بيده وقتل الفلسطيني فصنع الربُّ خلاصًا عظيمًا لجميع إسرائيل. أنت رأيتَ وفرحتَ" (1صم 19: 5) وقال أخيمالك الكاهن لداود: "أن سيف جليات الفلسطيني الذي قتلته في وادي البطم ها هو ملفوف في ثوب خلف الأفود" (1صم 21: 9) وتغنَّى داود بهذه النصرة التي صنعها الربُّ على يديه من خلال المزمور (151): "أنا الصغير بين أخوتي والحدث في بيت أبي. كنت راعيًا غنم أبي. يدايَّ صنعت الأرغن وأصابعي ألفت المزمار الليلويا.
من هو الذي يخبر سيدي؟ هو الرب الذي يستجيب للذين يصرخون إليه. هو أرسل ملاكه وحملني من غنم أبي ومسحني بدهن مستحته. الليلويا.
أخوتي حسان وهم أكبر مني والرب لم يسرَّ بهم. خرجتُ للقاء الفلسطيني فلعنني بأوثانه. لكن أنا سلَّلتُ سيفه الذي كان بيده وقطعت رأسه ونزعت العار عن بني إسرائيل الليلويا".
وجاء في سفر يشوع بن سيراخ عن داود: "ألم يقتل الجبار وهو شاب. ألم يرفع العار عن شعبه. إذ رفع يده بحجر المقلاع وحطَّ صَلَف جليات. لأنه دعا الرب العلي فأعطى يمينه قوة ليقتل رجلًا شديد القتال" (سي 47: 4 - 6). بل أن الآثار لم تغفل هذا الحدث الهام، فحجر موآب الذي نال شهرة كبيرة ويرجع تاريخه إلى القرن التاسع قبل الميلاد وُجد بين عباراته الكثيرة عبارة أن داود قتل جليات.
3- جاء في سفر صموئيل الثاني: "ثم كانت أيضًا حرب في جوبْ مع الفلسطينيين فالحانان بن يعري أرجيم البيتلحمي قتل جليات الجتي وكانت قناة رمحه كنول النساجين" (2صم 21: 19) وهذا الشخص الذي قتله الحانان هو " لحمي " أخي جليات الجتي، ويبدو أنه كان ضخم الجسم، لذلك أطلقوا عليه اسم أخيه الذي قتله داود " جليات " وفي سفر أخبار الأيام نجد توضيحًا لهذه الحقيقة: "وكانت أيضًا حرب مع الفلسطينيين فقتل الحانان بن ياعور لحمي أخا جليات الجتي. وكانت قناة رمحه كنول النسَّاجين" (1أي 20: 5)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهذا ما جاء في هامش طبعة فانديك في (2صم 21: 19) إذ أوضح أن الذي قُتِل هو أخا جليات. ولاسيما أنه في اللغة العبرية هناك تشابه كبير بين " أداة المفعول " التي تسبق جليات (حيث أن جليات مفعول به) وبين كلم " أخ " التي تسبق جليات أيضًا، ولذلك جاء في الترجمة العربية المشتركة " فقتل الحانان بن يائير الذي من بيت لحم أخا جليات الجتي. وكانت قناة رمحه سميكة كنول النُسَّاج" (2صم 21: 19).
4- جاء في سفر صموئيل الثاني (2صم 21: 18 - 21) خبر قتل أولاد رافا الأربعة، فسبكاي الحوشي قتل ساف، والحانان بن يعري قتل جليات (أي لحمي أخي جليات) ويوناثان بن شمعي قتل الولد الثالث الطويل القامة ذو الستة أصابع في اليدين والرجلين، فمن قتل الرابع وهو جُليات؟ بلا شك أن الذي قتله هو داود، ولهذا قال: "هؤلاء الأربعة وُلدوا لرافا في جت وسقطوا بيد داود وبيد عبيده" (2صم 21: 22) فقد قتل داود جليات وهو (داود) شاب حدث في نحو العشرين من عمره، بينما قُتل بقية أولاد رافا عندما كان داود في نحو الستين من عمره.
5- جاء في موقع هوليبايبل: "هل هناك ما يمنع أن إنسان آخر غير جليات الذي قتله داود يُطلق عليه اسم جليات؟ أعتقد الإجابة أنه لا يوجد ما يمنع أن يُطلق على شخصين نفس الاسم. ثانيًا لو هناك إنسان مشهور بصفة محددة مثل قوته أو طوله أو غيره ومات هل هناك ما يمنع أن يُطلق على أخوه الذي يشبهه في الصفة اسم أخيه المتوفي؟ أعتقد أيضًا الإجابة أنه لا يوجد ما يمنع ذلك...
معنى كلمة جليات عبريًا هو " عظيم " أو " رائع " ولها معنى أيضًا " ينفي أعداؤه " فهو اسم له معنى قوي يفتخر به الفلسطينيون ويتمنونه، وهو كان قادرًا على حمل رمح في طول قناة النساجين... فعندما خرج واحد آخر من أولاد رافا يستطيع أن يحمل هذا الرمح الضخم واسمه لحمي، ومعنى لحمي أي " خبزي " أو " ملئ بالطعام " لقبوه أيضًا بجليات ذكرى لأخيه، وأيضًا لأن صفاته الجسمانية تشابه أخيه، فهو رائع وعظيم في نظرهم. وتأكيد ذلك أنه من معاني كلمة " أخ " أنها تعني أخ من نفس الأب والأم، أو من أحداهما، وتعني أيضًا القريب، كما تحمل معنى المثيل أو الشبيه..".
6- قال البعض أن كلمة " أخًا " التي وردت في (1أي 20: 5) أُضيفت مؤخرًا، لكن يُكذب هذا الإدعاء وجود الكلمة في أقدم المخطوطات العبرية، وجاءت هكذا في النص المازوري الذي يرجع للقرن السادس الميلادي، وأيضًا وردت في مخطوطات للنجراد واليبوا والقاهرة وبرلين... إلخ، ووردت أيضًا في الترجمة ا لسبعينية في القرن الثالث قبل الميلاد، وفي الترجمة اللاتينية (الفولجاتا) للقديس جيروم التي ترجع للقرن الرابع الميلادي(3).
_____
(1) ترجمة نذير جزماتي - حكايا محرَّمة في التوراة ص 323.
(2) الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 283.
(3) راجع موقع هوليبايبيل.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1216.html
تقصير الرابط:
tak.la/9j67skh